الأساطير تحيط بكهف النيام السبعة في جنوب تونس

يقول سكان قرية شنني في محافظة تطاوين أقصى جنوب تونس إن العلامات التي تحيط بالجامع والقبور والكهف والجبل في بلدتهم مطابقة لقصة الفتية المسيحيين الذين تحدوا قبل قرون عبادة الأوثان زمن ولاية الإمبراطورية الرومانية على مدينة فيلادلفيا في الشرق.
تونس - فوق سفح جبل قرية شنني تعلو صومعة بيضاء بانحناءة طفيفة مسجد “الرقود السبعة” (النيام السبعة) المقبب وذا التصميم البدائي، يحيط به سور منخفض وعريض وفي فنائه الخلفي تظهر سبعة قبور بطول يفوق الأربعة أمتار.
وبمحاذاة الجامع تظهر البيوت المغاور المعلقة على واجهة القرية الجبلية التي تعد اليوم مزارا جاذبا للسياح والفضوليين وتخضع لعمليات ترميم من منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو)، وهي من بين القرى الأمازيغية القليلة التي مازالت مأهولة بالسكان.
تقع القرية في محافظة تطاوين أقصى جنوب تونس ويلف الغموض القبور الطويلة في ساحة الجامع وقصة من دفن تحتها. ولكن أهالي شنني لديهم قصتهم الخاصة، إذ يعتقد أغلبهم أن أحداث قصة أصحاب الكهف الشهيرة التي ذكرت في الكتب المقدسة قد دارت وقائعها في قريتهم الصحراوية.
ويقول سكان القرية إن العلامات التي تحيط بالجامع والقبور والكهف والجبل مطابقة لقصة الفتية المسيحيين الذين تحدوا قبل قرون عبادة الأوثان زمن ولاية الإمبراطورية الرومانية على مدينة فيلادلفيا في الشرق.
ومثل هذه الرواية أيضا متداولة في مناطق مشابهة في جبل الرقيم بالأردن وفي اليمن وتركيا ودول أخرى. ويقول أحد السكان “فر الفتية من مملكة دوقيانوس التي تبعد 15 كيلومترا عن هذا المكان وجاءوا إلى هنا للاحتماء بالجبل.”
ودوقيانوس في الرواية الشعبية في شنني، هو ملك ادعى الربوبية وخالفه الفتية الذين كشفوا أمام الملأ في حفل بقصره زيف إدعائه، وهو ما أغضب الملك الذي زج بهم في السجن.
وبعد سنوات من مكوثهم في السجن نجحوا، وفق الرواية، في الفرار بخدعة. وعند مرورهم بجبل شنني صادفهم راع مع كلبه لينضم إلى ركبهم.
ويضم الجامع مقاما للأولياء الصالحين ورموزا أمازيغية على الجدران. وفي الداخل كهف يغطيه حجر كبير، يعتقد على نطاق واسع لدى الأهالي أنه كان ملاذ الفتية المؤمنين بالديانة التوحيدية.
ويقول حارس المقام “الله هو من أغلق الكهف بهذا الصخر ليحمي أولياءه الصالحين من بطش الملك.” وكما في الرواية المتداولة في الكتب المقدسة، يختلف سكان قرية شنني في تحديد عدد الفتية الذين يرقدون تحت الأضرحة وما إذا كانت الأضرحة الموجودة في الجامع تعود إليهم بالفعل.
وتقول قصة أهل الكهف في الكتب المقدسة إنهم ناموا مع كلبهم في الكهف لمدة ثلاثة قرون قبل أن ينهضوا ويكتشفوا أنهم في زمن غير زمنهم، فعادوا إلى الكهف ليموتوا فيه.
ويقول أهل شنني إن حاكم تلك الفترة هو من أمر ببناء جامع حذو الغار للتبرك بالفتية. ومع ذلك لا يشير علماء الأركيولوجيا في الجنوب التونسي إلى إثباتات تاريخية لهذا التسلسل في الرواية الشعبية. ويعتمد الأهالي في ما ينقلونه للزائرين اليوم على الأسطورة والعلامات المطابقة في جامع النيام السبعة.
ومن بين تلك العلامات أن الكهف وجد في مفترق آمن بين جبلين وأن الشمس تشرق من يمين الغار وتغيب من شماله لمنع الرطوبة عن أجسام النيام السبعة في الكهف. وتضم المنطقة آثارا رومانية قديمة يعتقد في الروايات الشعبية أنها بقايا مملكة دوقيانوس التي تزامنت مع قصة النيام السبعة.
وترسخ تلك العلامات وغيرها هالة القداسة التي تطغى على المكان حتى اليوم. ويفسر الناس في قرية شنني انحناءة صومعة المسجد في اتجاه قبلة المسلمين في مكة بـ”المعجزة”. وسبب ذلك كما يقول حارس المقام في الجامع هو أن “عمليات ترميم سابقة حدثت للصومعة من أجل تعديل الانحناءة لكن سرعان ما يعود وضعها إلى ما كان عليه في السابق.”
ويوضح محمد البشير سحنون، أستاذ وباحث في التاريخ القديم بالجهة، أن “هذه القبور قديمة قدم الإنسان في هذه المناطق وقدم المزار. هي قبور الأجداد الأوائل. وهم ليسوا أموات أهل الكف، بل هم من أهل المنطقة وقد دفنوا هنا تبركا بالمكان.”
في القرون الحديثة كشفت عمليات الحفر في الجامع أن المسجد الواضح للزائرين في المقام قد بني على أنقاض معلم ديني قديم يعود تاريخه إلى حوالي ألفي عام. ويظهر مدخل المعلم الديني القديم في جوف الجامع الجديد.
ويشير الباحث سحنون إلى أن المعلم الديني القديم يعتقد أنه بني فوق كهف النيام السبعة الذي بقي مغلقا حتى اليوم بحجر. ويضيف “لا أحد يجرؤ على إزالة الحجر أو الدخول إلى الكهف لأنه مكان مقدس.”
وبغض النظر عما إذا كانت الأساطير التي تحيط بمقام كهف النيام السبعة صحيحة أم لا، يستمر الزوار في القدوم إلى هذا المكان للتبرك وإيقاد الشموع والترحم على ذكرى الأولياء.
كما يفد السياح الباحثين عن تجربة مختلفة من أنحاء العالم على الجامع بدافع الفضول لاستكشاف القصة والاستمتاع بهدوء الطبيعة في قرية شنني.
وتقول السائحة نايلي فاري من اليونان، التي قدمت في رحلة سياحية منظمة إلى جامع النيام السبعة، “المكان مذهل ولم أشاهد مثله من قبل إلا في الصور. انتابني فضول كبير لمعرفة قصته.” ويقول صديقها جايبور بولي “مكان جميل وتقليدي يمكنك أن تشعر فيه بالسلام.”