الأزهر يوظف المثلية في تكريس حضوره المجتمعي ونفوذه السياسي

بعض مواقف الأزهر المتشددة تجاه المتحولين جنسيا ساهمت في تكريس العنف ضد هذه الفئة في الوسط الأسري.
السبت 2023/05/27
استمالة المجتمع ولو بتصدير خطاب الكراهية

القاهرة– جددت مؤسسة الأزهر معركتها مع الداعمين لحقوق المثليين بعدما أصدرت بيانا أيدت فيه موقف مهاجم فريق “نانت” الفرنسي اللاعب المصري مصطفى محمد، إثر تعرضه لغرامة مالية من جانب إدارة ناديه مؤخرا بعد أن رفض المشاركة في حملة نظمها الدوري الفرنسي لكرة القدم لدعم المثليين.

وقد رفض اللاعب ارتداء قميص عليه ألوان قوس قزح لدعم المثليين، ما تسبب في استبعاده من تشكيلة الفريق، وهو الموقف الذي دعمه مرصد الأزهر الثلاثاء، مؤكدا أن القطاع الرياضي أصبح في مرمى الداعمين والمنادين بهذه “الأفكار والسلوكيات اللاأخلاقية، والذين اتخذوا من الملاعب وغيرها جسرا لبث سمومهم الفكرية تحت غطاء الحرية والتنوع ونصرة الآخر المختلف وإن تعارض اختلافه هذا مع الفطرة الإنسانية وما جاء في الأديان”.

وطالب الأزهر بتوفير بيئة رياضية تحترم الفطرة الإنسانية والمعتقدات الدينية للاعبين، وهو الموقف الذي ترك تساؤلات عدة ترتبط بعدم اتخاذ الأزهر مواقف صارمة عندما يخرج بعض علمائه وشيوخه لإصدار فتاوى متشددة تحرض على أصحاب المعتقدات غير الإسلامية ولا تحترم الاختلاف وتتعامل بطريقة انتقائية مع منتقدي المؤسسة الدينية.

معضلة الأزهر تكمن في أنه يتمسك بفرض مفاهيمه للقيم الإنسانية على المجتمعات، ويعتبر نفسه ممثلا للإسلام على الأرض

أصبح الأزهر لا يترك فرصة واحدة يثار فيها جدل مجتمعي وديني حول قضية المثلية الجنسية إلا ويقفز إلى الواجهة، في محاولة لتكريس حضوره ونفوذه السياسي، رغم أن موقف الدين الإسلامي من الشذوذ الجنسي واضح ولا يستدعي الاستعراض، لكن يبدو أن البعض من قادة هذه المؤسسة يرون في مثل هذه القضية فرصة لكسب المزيد من الشعبية والحضور في الساحة المصرية.

وهذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها الأزهر معركة كلامية شرسة مع المؤيدين للمثلية الجنسية، حيث سبق أن ندد الشيخ أحمد الطيب بما اعتبره “غزوا ثقافيا غربيا” يستهدف تقنين الشذوذ والتحول الجنسي في المجتمعات الشرقية المسلمة بالفطرة، معتبرا أن ذلك غير مقبول نشره تحت مسمى الحريات والحقوق.

ويرى متابعون لموقف الأزهر من المثلية أن معاركه ضد هذه الظاهرة ترتبط بأبعاد أخرى، لاأخلاقية أو لادينية، وتتعلق بمحاولة ترهيب المجتمع من كل ما هو غربي؛ كون دوله، من وجهة نظر الأزهر، تسعى لنشر الإلحاد والتحرر بما يتعارض مع قناعاته ورؤيته وتفسيراته للدين، فالحرية المطلقة قد تصل إلى مرتبة الكفر، وما ينتج عنه لا يمكن اعتباره إلا انحلالا وتخريبا للمجتمعات العربية، ودعوة صريحة لهدم تعاليم الإسلام.

ودافع عضو مجلس النواب المصري السابق محمد أبوحامد عن الأزهر بتأكيده أن المؤسسة تتفاعل مع القضايا الجماهيرية التي ترتبط بالدين مباشرة، ولها خلفيات اجتماعية، وهذا جزء من دور الأزهر في الدستور، ومن الطبيعي أن يبادر بالرد على الأطروحات الجدلية التي تثار على شبكات التواصل الاجتماعي لتبيان حكم الدين.

غير أن أبوحامد الذي خاض معارك كثيرة داخل البرلمان لتقليص نفوذ الأزهر قال لـ”العرب” إن “المواجهة الدينية مع المثلية ليست كافية، ويجب أن يكون دور الأزهر محددا ولا يتخطى صلاحياته بأن يُظهر موقف الدين من قضية المثلية لا أكثر دون التوسع في المواجهة لترك الساحة والنقاش والحلول لمؤسسات أخرى أكثر تأثيرا”.

وتكمن معضلة الأزهر في أنه يتمسك بفرض مفاهيمه للقيم الإنسانية على المجتمعات، ويعتبر نفسه ممثلا للإسلام على الأرض، مع أن الدين وإن كان يحرم الدعوة إلى الشذوذ ونشره، فإنه لم ينص صراحة على توصيف أصحابها بكونهم يحاولون نشر الإرهاب الفكري، أو أنهم وباء مجتمعي يجب التخلص منه، لأن الإسلام كان أكثر تسامحا مع المختلفين عقائديا وأباح لهم اعتناق ما يشاءون من عقائد.

خخ

وتسببت بعض مواقف الأزهر المتشددة تجاه المتحولين جنسيا في تكريس العنف ضد هذه الفئة في الوسط الأسري لأن الآباء يعاملون أبناءهم المثليين بناء على تصورات متزمتة دينيّا، طالما اعتبرت تلك الشريحة وباء يجب التخلص منه سريعا، فيما تخلو سجلات الفتاوى الرسمية من الرؤى التي تطالب بحتمية احتواء ودعم المثليين بعقلانية أو احترام وخصوصية وعلاجهم.

وكثيرا ما وصف الأزهر المثلية بأنها جريمة أخلاقية ترقى إلى الإرهاب الفكري، وهي نبرة تتم إعادة تدويرها بالإشارة إلى التوصيف ذاته، وبشكل غير مباشر حتى لا يُتهم بنشر العنف والحضّ عليه، لكن هذه الرؤى تطرح تساؤلات منطقية حول كيفية تعامل أي أسرة متدينة تقدس رأي الأزهر مع ابن لها مصاب باضطرابات جنسية وهو موصوم بارتكاب جريمة دينية وأخلاقية.

ويستهوي التعامل الخشن من الأزهر مع قضية المثلية المزاج الشعبي، لكنه يخلق منغصات أخرى تتعلق بتصدير خطاب كراهية المصابين بالاضطرابات الجنسية، رغم أن أغلبهم لم يختاروا لأنفسهم هذا المسار، وربما يحاولون التعافي، لكن الترهيب يزيد الأعباء النفسية الواقعة عليهم ويجعلهم مضطرين إلى التخفي خشية الفضيحة والعار أو العدوانية التي قد تطالهم إذا كانوا شجعانا في مواجهة المجتمع.

معارضون للمثلية يرون أن مواجهة نشر الشذوذ في المجتمع تتطلب نقاشا هادئا بعيدا عن الترهيب واستخدام مصطلحات تقليدية، مثل "الغزو" و"الاحتلال" و"الحرب"

ووفق أبحاث أجريت من متخصصين في الطب النفسي، فإن نسبة المتعافين من الاضطرابات الجنسية تزداد كلما كان المصابون بها يتمتعون بالقوة والشجاعة والاحتواء المجتمعي، عكس الذين يعانون من رهبة المواجهة تحت ضغوط ثقافة العيب والتحريم والفتاوى والتحريض، ومن الصعب تغيير هذه الثقافة قبل أن تكون لدى المؤسسات الدينية والثقافية والفكرية والإعلامية الجرأة التامة لمناقشة المشكلة من منظور علم النفس الاجتماعي.

ويصعب فصل التذمر الأزهري من قضية المثلية عن محاولاته المستمرة لغض الطرف عن ملفات دينية شائكة ذات ارتباط وثيق بمشكلات المجتمع المصري، ويفترض أن يتم حسمها ووضع النقاط أعلى وأسفل الحروف بشأنها، لكنه اعتاد الدخول في صراعات تتعلق بقضايا هامشية وجانبية، المفترض أنها محسومة دينيا، وهو ما تراه بعض الأصوات محاولة مستمرة من قبل الأزهر للاحتماء بالشعبوية الدينية ضد مخاطر تهميشه وتقليص دوره في المجتمع تدريجيا.

ويجد الأزهر في بعض القضايا الجدلية المرتبطة بالقيم والأخلاق مساحة أوسع للتحرك والحضور والحصول على المزيد من الدعم وتجييش الأغلبية المحافظة خلفه، بحيث يستفيد من القواعد الجماهيرية وقت الحاجة إليها عند دخول معارك في المستقبل، يعتقد كثيرون أنها قادمة لا محالة في ظل تمسك النظام المصري بإقرار تشريعات مدنية هي في تماسّ مع الدين لحل مشكلات مجتمعية مركبة في علاقة بالزواج والطلاق وحقوق المرأة بعيدا عن استشارة الأزهر.

ويرى معارضون للمثلية أن مواجهة نشر الشذوذ في المجتمع تتطلب نقاشا هادئا بعيدا عن الترهيب واستخدام مصطلحات تقليدية، مثل “الغزو” و”الاحتلال” “والحرب”، ويفترض أن ينأى الأزهر بنفسه عن القضية لكونه حسم موقفه سابقا، ولذلك عليه أن يترك الساحة للمتخصصين لمخاطبة المجتمع واجتراح حلول إنسانية تخدم كل الأطراف.

6