الأزهر... في مواجهة الإرهاب والتراث الديني حمال الأوجه!

الجمعة 2015/02/06
الأزهر بدأ ومايزال أشعري العقيدة

أثارت دعوة الأزهر الى قتل وصلب وقطع أيدي وأرجل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، بعد إعلان التنظيم قتل الطيار الأردني الأسير لديه، معاذ الكساسبة حرقا، جدلا حول صحّة هذه الخطوة، ولماذا لم يمنح الأزهر الدولة وحدها أحقية الحرب على الإرهاب، خاصة وأن النص الشرعي الذي استند عليه يمكن مواجهته بنص شرعي آخر توظفه التنظيمات الإرهابية لصالحها.

تنطلق مؤسسة الأزهر من تاريخ عريق، تأسست نحو القرن الرابع الهجري، على يد أول حاكم فاطمي لمصر، وبعد تأسيس مدينة القاهرة مباشرة، ثم تغير نهجه بعد سقوط الدولة الفاطمية، وتولى اعتماد المذاهب السنية الأربعة، وفي مقدمتها المذهب الشَّافعي. هذا على مستوى الفقه أو الفروع، أما على مستوى العقيدة فالواضح أنه بدأ ومايزال أشعري العقيدة.

ومعلوم أن العقيدة الأشعرية، وهي الوسطى بين المعتزلة والسلفية أو الحنبلية، لا تقر التكفير لأي مسلم، مهما كبر ذنبه أو صغر، والسبب على ما يبدو كان صاحب العقيدة أبو الحسن الأشعري ينطلق من نزاعات أو صراعات عصره. فقد ساد علم الكلام وتبادلت المذاهب التكفير على مستوى الفروع، أي الفقه، وعلى مستوى الأُصول أي العقائد، فخرج بوسطية ألا وهو نبذ التكفير.

وهذا ما تناوله إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب في عدة مناسبات، حينما يُسأل عن الموقف من الإرهاب وعلى الأخص ما يسمى بالدولة الإسلامية «داعش».

هناك انتقادات عديدة أُخر وجهت إلى الأزهر، من دون معرفة عقيدته أو موقفه من التكفير

لهذا تحدث الكثيرون ضد الأزهر ومشيخته، ومعلوم للنيل منه لصالح الإخوان المسلمين، بما سبق من موقف المؤسسة ضد جماعة الإخوان، بعد الحشود الشعبية ضد حكمهم، وحسم الجيش الموقف لتدارك تداعيات تلك المظاهرات، التي قد تقود إلى حرب بين المصريين في الشوارع.

هناك انتقادات عديدة أُخر وجهت إلى الأزهر، من دون معرفة عقيدته أو موقفه من التكفير، والسؤال: لماذا لا يقوم الأزهر بتكفير داعش؟ يجيب الأزهر على ذلك بأنه لا يتفق مع المذاهب التي تُكفر المسلم، مهما بلغ ذنبه وفساده، وهو مع الحرب عليه وعقوبته من تكفير، لأن قضية إيمان المسلم من شأن الله لا من شأن البشر، وهو يُدلل على ذلك بنصوص عديدة وممارسة نبوية وصاحبية، بينما بقية المذاهب، والبداية كانت بالخوارج تسرع إلى تكفير المخالف، مع إسلامه أو إيمانه.

فحسب الأزهر أن إعلان المسلم لإيمانه يكفي ولا ينقص منه أي ذنب من الذنوب. فالجنة والناس عدة للثواب والعقاب، والإنسان عندما يقف أمام ربَّه سيعرف أنه مسلم أو كافر. في هذا المنحى الأزهر يبدو على حق، فالتكفير على الصغيرة والكبيرة أدى إلى كراهيات بين المذاهب، بل قاد إلى حروب، فعندما يُشار إلى المسلم بالكافر يعني جواز الحرب عليه، ويُعد مرتدا عن الإسلام.

ومعلوم أن الارتداد يعني القتل، حسب العديد من المذاهب، مع أن القرآن الكريم لا يُذكر عقوبة دنيوية على المرتد، إنما أمره إلى الله. لذا أن بعض علماء الدين رأوا أنه لا حُكم على المرتد إلا إذا كان حربيا، وهذا أمر مفروغ منه، لحماية البلاد والعباد من سيفه.

مَن يفهم عقيدة الأزهر، وشيخ الأزهر في مسألة الإيمان والكفر بأنها مِن شأن الله يعذر هذه المؤسسة بأنها لم تصرح بتكفير داعش أو غيرها من الجماعات الإرهابية، مع أنها أعلنت الحرب عليها، مثلما جاء على لسان الشيخ أحمد الطَّيب.

شيخ الأزهر أحمد الطيب: قتل وصلب مقاتلي داعش "واجب"

لكن ما فاجئنا الأزهر به، ما هو أكثر من التكفير، وهو محاربة داعش، مع قطع الأيدي والأرجل من خلاف، حسب الآية التالية: «إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(المائدة: 33).

بطبيعة الحال، أن الذين يحاربون الله ورسوله هم من الكفار وليس من المؤمنين، ومع ذلك أن الأزهر لا يقر بالتكفير، مثلما يقر بالعقوبة والحرب.

معلوم أن لهذا النص سبب نزول، وهو أن جماعة أسلموا ولم يوافقهم مناخ المدينة، فطلبوا من النبي أن يخرجوا منها، فسمح لهم الاستفادة من ألبان الإبل، لكنها قتلوا الراعي ومثلوا به، وارتدوا عن الإسلام.

ربما أن داعش تشبه تلك الجماعة وأن يُطبق فيهم النص نفسه، لكن ذلك كان قبل 1400 عام، وأساليب محاربة الفاسد في الأرض اختلفت، وإمكانية تطويق فساده اتسعت، وأن هناك أنظمة وجيوش ومحاكم، فكيف سيُطبق قرار أو بيان الأزهر وهو المؤسسة الدينية التي يسترشد بعلمها ورأيها الملايين من المسلمين؟ ألا تكون فوضى في التطبيق إذا لم تحصر بيد مؤسسات الدولة؟

من جانب آخر، ألا تبدو النصوص الدينية حمالة أوجه، وهذا نص ورد عند النزاع بين في خلافة علي بن أبي طالب مع الخوارج، فأوصى محاورهم عبد الله بن عباس: «لا تخاصمهم في القرآن فالقرآن حمال ذو وجوه»، معنى هذا سيرد الداعشيون بالنص نفسه، فما يمنعهم من اعتبار غير المؤمن بدولتهم وطريقتهم أن يُحارب بالنص نفسه. إضافة إلى أن تكريس العنف عن طريق النص، الذي له أسبابه وزمانه، سيؤدي ذلك إلى عكس الغاية التي يرجوها الأزهر ضد الإرهاب.

بلا شك أن الأزهر محاط بخصوم متنوعين، بين إسلاميين وعلمانيين أيضا، فالإسلاميون لهم ثأرهم مع هذه المؤسسة التي حاولوا الهيمنة عليها، ومنحت شرعية دينية في الخلاص منهم. أما الآخرون فيعتبرون الأزهر حارس للدين وقيم عليه، وما زالوا ينتقدون المناهج الدينية التي تدرس فيه، وبغض النَّظر عن صحة أو عدم صحة ذلك، إلا أن المؤسسة، حسب رأيهم بحاجة إلى تغيير كلي، وأن موقفها من تكفير الإرهاب يؤخذ عليها، مع أنها متمسكة بعقيدة لا تسمح لها الخروج إلى تكفير المسلم.

كان المطلوب من الأزهر أن يمنح الدولة وحدها فرصة الحرب على الإرهاب، ولا يُقدم على مواجهته بنص يمكنها من تأويله أو توظيفه لصالحها. نعم الموقف محرج جدا، والظرف دقيق، والمتربصون كثيرون، فكم على مشيخة هذه المؤسسة أن تكون حذرة ومتوازنة، وتبتعد عن اعتبار نفسها تُشرع للناس في العقوبة، إنما تحدد موقفها وتترك بقية الأمور إلى الدولة وجيشها ومحاكمها.


تفاصيل أخرى:


تويتر العربي: إصلاح التعليم سر القضاء على داعش

12