الأزمة الليبية.. وعود مشروطة بالحل شواهدها اتفاقات الصخيرات وأبوظبي وباريس

بإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الـ25 من يوليو الجاري، أن رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر قد توافقا على إجراء انتخابات في ربيع 2018 مشيدا بـ”شجاعتهما التاريخية”، وذلك خلال اجتماع عقداه قرب باريس، تكون الأزمة الليبية تسير باتجاه حل يلوح في الأفق، يبدو أنه محل اختلاف بين الفرقاء اللبيين، وهو ما أكدته ردود الفعل من داخل ليبيا بعد اللقاء مباشرة، هذا على الصعيد الداخلي، فماذا عن المواقف الخارجية للدول المجاورة أو ذات المصلحة المباشرة أو غير المباشرة؟
لا شك أن الاتِّفاق مَرضي عنه أمميا -بدليل حضور غسان سلامة المبعوث الأممي الخاص بالملف الليبي- وهناك من يرى أن الإشراف الفرنسي على اللقاء الليبي بين سطلتين سياسية وعسكرية تم بدعم روسي وأميركي، كون الرئيس ماكرون استطاع في وقت قصير أن يحظى بعلاقة شبه مميزة من الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب.
غير أن الدور الفرنسي الراهن في الشأن الليبي يبقى محل شك وتساؤل من بعض الدول الأوروبية، خاصة إيطاليا، وينظر إليه بحذر من دول الجوار، تونس والجزائر، خاصة وأن هذه الأخيرة تعتبر فرنسا جزءا من الأزمة الليبية، ولم تكن ولن تكون جزءا من الحل بعد تدخلها العسكري والأمني. وتُسْتثنى من دول الجوار مصر التي أيدت الاتفاق.
عمليا، تجني باريس اليوم ثمار ما زرع منذ اتفاق الصخيرات (17 ديسمبر 2015)، ذلك الاتفاق السياسي الذي شمل أطراف الصراع في ليبيا وتم توقيعه تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة بإشراف المبعوث الأممي مارتن كوبلر لإنهاء الحرب الأهلية الليبية الثانية المندلعة منذ 2014، وقد بدأ العمل به من معظم القوى الموافقة عليه في 6 أبريل 2016 ووقّع على هذا الاتفاق 22 برلمانيا ليبيا.
بالعودة إلى اتفاق الصخيرات نجده يتكوّن من مبادئ حاكمة تليها 67 مادة أساسية موزّعة على 9 فصول، وهي تشكيل حكومة الوفاق الوطني وصلاحياتها وصلاحيات وآلية عمل مجلس النواب المنتخب في يونيو 2014 كأعلى جهة تشريعية في ليبيا وكيفية تشكيل وعمل مجلس الدولة كسلطة استشارية تنفيذية عليا وتدابير بناء الثقة والترتيبات الأمنية والعملية الدستورية والهيئات والمجالس المتخصصة والدَّعم الدَّولي وأحكام ختامية مصحوب بأحكام إضافية مكونة من 15 مادة.
غير أن أهم ما تضمنَّه الاتفاق هو منح صلاحيات رئيس الحكومة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني الذي يترأسه رئيس الحكومة نفسه، وعلى رأسها قيادة الجيش والقوات المسلحة، وبدء مرحلة انتقال جديدة تستمر 18 شهرا. وفي حال عدم انتهاء الحكومة من مهامها قد يتم تمديد المدة 6 أشهر إضافية، كما نصَّ الاتفاق أيضا على تشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء المؤتمر الوطني العام الجديد والإبقاء على مجلس النواب الليبي المنتخب في يونيو 2014 .
ورغم الوضوح الظاهر تنظيميا وقانونيا، وحتى من ناحية التأسيس للشرعية لم توفّق الأطراف الليبية في تطبيقه بل كان محلّ رفض من قوى فاعلة على الأرض وبدا لها كأنه طريق الشوك، ومع ذلك فقد شكّل على الصعيدين السياسي المحلي والدولي -خاصة- مرجعية للبحث على أرضية لحل يقرّب بين الفرقاء وعلى خلفيّته تمّ تطوير العمل السياسي، وقد ظهر ذلك الاتفاق الناجم عن لقاء رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج مع القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر في أبوظبي في الثاني من مايو الماضي، والذي نصّ على ما يلي:
الجزائر التي تقوم منذ قرابة العامين بمساعي وساطة في الأزمة الليبية واستقبلت عددا كبيرا من السياسيين والعسكريين لا يرضيها التدخل الفرنسي من قريب أو بعيد في الملف الليبي، مثلما لا يزال لديها شكوك حول الدور العسكري لخليفة حفتر
◄تشكيل هيكل جديد اسمه “مجلس رئاسة الدولة” الليبية، يضم كلا من عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق وخليفة حفتر قائد الجيش الوطني، أي جمع الشرعيات الثلاث المتناحرة على الأرض البرلمانية والسياسية والعسكرية، وهذا يخدم أولئك الرؤساء لجهة المشاركة في الحكم، ولكنه أيضا يخفف من الصراع الدموي بين الليبيين.
◄ إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد 6 أشهر من الاتفاق.
◄حلّ التشكيلات المسلحة وغير النظامية.
◄ مواصلة محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه نهائياً.
◄ إبعاد النزعة الأيديولوجية أو الحزبية أو المناطقية على الحكومة المقبلة، وتشكيل “مجلس أعلى للدولة” الليبية.
◄ ضرورة الامتثال لجميع الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم الليبية.
عبّد اتفاق أبوظبي الطريق أمام لقاء باريس الذي يعدّ في نظر بعض السياسيين الليبيين تسليما لملف أزمتهم إلى دولة خارجية، والأفضل -بالنسبة إليهم- أن يكون الحل بإشراف أممي وليس فرنسيا، وهو ما ذهب إليه عدد من المراقبين. ومع أن اتفاق أبوظبي هو الأقرب زمنيا وعمليا إلا أنه لم تتم الإشارة إليه في نص الاتفاق المبرم بين السراج، والمتضمن 10 نقاط، منها التاكيد على أنّ الحلّ السياسي هو وحده الكفيل بإخراج ليبيا من أزمتها، وإعادة التأكيد على اتفاق الصخيرات الموقع في المغرب في 2015 برعاية الأمم المتحدة، وهذا ضمن دعوة السرّاج وحفتر في بيان مشترك إلى وقف إطلاق النار(لايشمل مكافحة الإرهاب)، وحلّ المجموعات المسلحة، وتشكيل جيش وطني نظامي، وتنظيم انتخابات بأسرع ما يمكن.
الواقع أن اتفاق باريس، إن نفّذت بنوده ولم يتمّ التراجع عنها، أو رفضه من القوى المسيطرة عسكريا وسياسيا على الأرض، فإنه يعدّ خطوة إلى الأمام، شرط ألاّ تُمارس الدول الخارجية ضغوطا على الشعب أو تدعم أطرافا منه على حساب أخرى، وأن تكون النوايا الدولية صادقية في دعم الليبيين، وألاّ يتم اختصار حلّ الأزمة في المصالح الخارجية للدول.
ورغم التعويل الفرنسي والغربي عموما، على لقاء السراج-حفتر، والاتفاق المبدئي المبرم بينهما، فإن التجارب الماضية تؤكد على أن الوهج الدبلوماسي والإعلامي، وحتى السياسي، لم يدفع البلاد نحو حلّ يوقف الدماء ويحقق الاستقرار، وأن إقامة دولة قانون في ليبيا واحترام حقوق الإنسان فيها هو مجرد أمنية بعيدة المنال حتى لو قال بها ماكرون، إضافة إلى هذا فإن بعض المصادر الإخبارية تحدثت على أن لقاءات مستشاري الطرفين التي انعقدت بعد لقاء الرئيس الفرنسي بالسراج وحفتر كل على حدة، لم تسفر عن نتائج كبيرة ومأمولة، ولا تزال مطالب حفتر الخاصة بتقديم ضمانات يمكنها أن تؤكد انصياع الميليشيات، لا سيما في طرابلس ومصراتة لتنفيذ أيّ مخرجات عن هذا اللقاء، تمثّل شرطا تعجيزيا بالنسبة إلى السراج، وذلك لعدم قدرة هذا الأخير على فرض بنود أيّ اتفاق على الميليشيات المنتشرة في غرب البلاد.
بقي أن نُشير هنا إلى مسألة هامة وهي أن الجزائر تبدو غير مرتاحة لأيّ دور تقوم به فرنسا في ليبيا، انطلاقا من أن هذه الأخيرة تمثّل عمقها الأمني والاستراتيجي، وربما لهذا السبب قال المشير خليفة حفتر، الأربعاء الماضي الـ26 من يوليو الجاري، مجيبا عن سؤال في حوار مع قناة فرانس 24 حول موقفه من الجزائر كدولة جوار لها مساعي وساطة في ليبيا إنّ “الجزائر دولة عربية نحن نحترمها كل الاحترام، والمساعي التي تقوم بها ليس فيها شيء خاص بي شخصيا، ولكن هي دولة لها مكانتها ومقامها وقد زرتها مرة واحدة سابقا”، وأضاف “نرحّب بمبادرات الوساطة التي تقوم بها دول الجوار، والباب مازال مفتوحا لمن يريد المساهمة في حل الأزمة”.
لكن المشير خليفة حفتر يدرك أن الجزائر التي تقوم منذ قرابة العامين بمساعي وساطة في الأزمة الليبية واستقبلت عددا كبيرا من السياسيين والعسكريين والأعيان لا يرضيها التدخل الفرنسي من قريب أو بعيد في الملف الليبي، مثلما لا يزال لديها شكوك حول الدور العسكري الحالي والمستقبلي لخليفة حفتر، وليست مرتاحة للتدخلات من دول عربية أو إسلامية ليست من دول الجوار.
كاتب جزائري