الأزمة الاقتصادية لا تزال تهز لبنان رغم إشارات صندوق النقد الإيجابية‎

حجم القرض في الاتفاق الجديد قد يكون أعلى نظرا للتداعيات التي خلفتها الحرب.
السبت 2025/03/22
التحويلات وحدها لا تكفي

لا تزال الأزمة الاقتصادية في لبنان مستمرة بشكل حاد، رغم بعض الإشارات الإيجابية التي تلوح في الأفق من جانب صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى، حيث قد تقف التحديات السياسية والتمويلية عائقا أمام أي عملية إصلاح وتعيق أي تحسن حقيقي في الوضع.

بيروت - يرجح أن تُسفر مفاوضات صندوق النقد الدولي مع لبنان عن مسودة اتفاق مشروطة بضمانات تمويلية من الدائنين، إلا أن الانقسام في البرلمان قد يُعيق الإصلاحات المرجوة، ما يحول دون صرف مبالغ كبيرة من الأموال، ويُعيق جهود إعادة الإعمار.

وأجرى وفد من الصندوق مهمة “تقصي حقائق” الأسبوع الماضي، حيث التقى بمسؤولين لبنانيين لمناقشة التوقعات الاقتصادية للبلاد.

وجاءت المهمة عقب إعلان الحكومة في منتصف فبراير أنها ستعمل مع الصندوق على التوصل إلى برنامج قروض جديد وتحسين الوضع الاقتصادي للبنان.

وأقرّ بيان مجلس الوزراء بأن برنامج الصندوق سيتطلب إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهو مطلب رئيسي من المُقرضين الدوليين نظرًا للفساد المُستشري في هذا القطاع وانعدام الشفافية.

وقبل ذلك بأيام صرح مسؤول أوروبي أثناء زيارته لبنان بأن صرف دفعة تمويلية بقيمة 500 مليون يورو يتوقف على إعادة هيكلة القطاع المصرفي والتوصل إلى برنامج جديد مع صندوق النقد.

وهذا المبلغ هو جزء من اتفاقية في مايو 2024 بقيمة مليار يورو للحد من تدفقات الهجرة غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي مقابل دعم اقتصادي للبلد.

وتأتي جهود لبنان لإعادة إحياء المفاوضات مع الصندوق في أعقاب انتخاب البرلمان للرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام بعد عامين من الجمود السياسي.

ربما يفشل البرلمان اللبناني المتشرذم في تطبيق إصلاحات اقتصادية جوهرية
ربما يفشل البرلمان اللبناني المتشرذم في تطبيق إصلاحات اقتصادية جوهرية

وفي 2022 توصل الطرفان إلى مسودة اتفاقية لبرنامج مدته 46 شهرا بقيمة 3 مليارات دولار. ومع ذلك، قبل أن يوافق الصندوق على الاتفاقية، اشترط على الحكومة إجراء إصلاحات.

وشمل ذلك الموافقة على إستراتيجيات مصرفية وإعادة هيكلة الديون، بالإضافة إلى زيادة الشفافية في النظام المالي عبر إقرار قانون السرية المصرفية، لكن السلطات فشلت في تلبية المطالب رغم سن بعض الإصلاحات.

وتفاقمت الأزمة الاقتصادية، التي تفجرت في أواخر 2019 بعد عقود من الفساد، بسبب الصدمات الخارجية مثل وباء كورونا والصراع اللبناني – الإسرائيلي، في ظل غياب الإصلاحات الرئيسية التي من شأنها أن تفتح الباب أمام الدعم الأجنبي.

وكان البنك المركزي قد اقترض أموالا جديدة لسداد القروض القائمة، لكن غياب الإصلاحات واتساع عجز الموازنة وانخفاض تحويلات المغتربين، وتجميد المساعدات المشروطة بالإصلاحات، أثقل كاهل الاقتصاد اللبناني.

وعلاوة على ذلك أدى الجمود السياسي وعدم الرغبة في الإصلاح إلى تآكل ثقة المانحين، ما تسبب في تباطؤ تدفقات العملات الأجنبية.

وفي خضم هذه الأزمة المحتدمة تخلف لبنان عن سداد 31 مليار دولار من الديون الخارجية المقومة بالدولار مع تفشي الوباء، وهو أول تخلف عن السداد في تاريخ لبنان. ودفع هذا التخلف الحكومة إلى طلب دعم صندوق النقد.

ومنذ ذلك الحين زاد تفشي الوباء وانفجار مرفأ بيروت في عام 2020، والصراع بين حزب الله وإسرائيل عامي 2023 و2024، من الضغط على الاقتصاد اللبناني.

ورغم تعهد المانحين الأجانب بتقديم أموال لدعم لبنان، إلا أنهم اشترطوا لإصدار الأموال إصلاحات اقتصادية واتفاقًا مع صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى تجميد جزء كبير من هذا التمويل الموعود.

11

مليار دولار حجم الأموال التي يحتاجها لبنان لإعادة الإعمار بعد الحرب، وفق تقديرات البنك الدولي

وقدر تقريرٌ صادرٌ عن البنك الدولي هذا الشهر أن الأضرار التي لحقت بلبنان جراء الحرب الأخيرة ستتطلب 11 مليار دولار لإعادة الإعمار والتعافي.

ويقول مركز ستراتفور الأميركي للدراسات الإستراتيجية والأمنية إن حزب الله، على وجه الخصوص، استفاد من انعدام الشفافية في القطاع المصرفي اللبناني، وهو ما مكّنه من تمويل أنشطته غير المشروعة. ولذلك عارض أي إصلاحات من شأنها زيادة الشفافية وعرقلة مصادر تمويله.

كما استفادت فصائل أخرى من انعدام الشفافية، بما في ذلك الفصائل المناهضة لحزب الله التي استخدمت السرية المصرفية لحماية أصولها.

ويُقال إن رياض سلامة، محافظ مصرف لبنان المركزي السابق الذي يحاكم حاليا بتهمة جرائم مالية، اختلس أكثر من 300 مليون دولار من البنك، ما زاد من تراجع الثقة بالنظام المصرفي.

واستنادا إلى المناقشات التي جرت خلال بعثة الصندوق، من المرجح أن يصوغ الطرفان اتفاقية قرض جديدة، مشروطةً بتقديم الدائنين ضمانات تمويلية.

وقد يكون حجم قرض الصندوق المعروض في الاتفاق الجديد أعلى من المبلغ السابق نظرًا للتداعيات الاقتصادية للحرب، مع احتمال الحصول على تمويل إضافي من مؤسسات مالية دولية أخرى ودائنين ثنائيين.

ومع ذلك، قد تتطلب شروط الاتفاق الجديد إصلاحات مماثلة للاتفاقية السابقة، بما في ذلك الالتزام بإعادة هيكلة ديون لبنان وقطاعه المصرفي. وكجزء من متطلبات إعادة هيكلة الديون، سيطلب الصندوق من لبنان إقناع دائنيه بقبول تخفيض قيمة ديونه.

إصلاحات التقشف المطلوبة حاليا لن تثير رد فعل عنيفًا مناهضا للحكومة، مثل ما تُثيره برامج الصندوق في دول أخرى

ويرجح مركز ستراتفور أن يقبل دائنو القطاع الرسمي في لبنان، بمن فيهم جهات مثل الحكومات والمنظمات الدولية والهيئات الحكومية، تخفيض قيمة ديونهم، مع أنهم سيضغطون على الحكومة لمعاملتهم معاملة دائني القطاع الخاص.

من جانب آخر سيزداد احتمال تعاون دائني القطاع الخاص على إعادة هيكلة الديون إذا موّل صندوق النقد العملية وأشرف عليها، لاسيما إذا قدّم دائنو القطاع الرسمي مبالغ كبيرة للبنان.

ورغم هذه المفاوضات ربما يفشل البرلمان اللبناني المتشرذم في تطبيق إصلاحات اقتصادية جوهرية، لاسيما قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2026، ما يعيق وصول دفعات كبيرة من التمويل الأجنبي ويعرقل جهود إعادة الإعمار.

وأدت الانتخابات البرلمانية لعام 2022 إلى انخفاض عدد المقاعد التي حصدها حلفاء حزب الله مقارنةً بالدورة السابقة، تاركين الكتلة الموالية لحزب الله بأقل من الأغلبية بقليل، ومضيفة كتلاً متشرذمة أعاقت خلافاتها اختيار رئيس لمدة عامين وإقرار إصلاحات.

وبينما كسر مجلس النواب مؤخرًا جموده في اختيار رئيس جديد للبلاد، إلا أن الديناميكيات لا تزال قائمة.

وفي ظل هذه البيئة السياسية المضطربة من شأن الإصلاحات أن تعيق الأنشطة غير المشروعة وتزيد من الشفافية، وهو ما يُضعف بعض الجماعات والأحزاب السياسية، بما في ذلك حزب الله.

وقبل انتخابات 2026 قد تُعارض الكتلة الموالية لحزب الله، الضعيفة أصلا، أي تغييرات في السياسات من شأنها أن تزيد من تقويض الجماعة، ما قد يمنع البرلمان من الوصول إلى الأغلبية اللازمة لإقرار الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد.

وبحسب مركز ستراتفور سيؤدي هذا الجمود إلى تعطيل عملية قرض الصندوق وإطالة أمد إحجام المانحين الأجانب المستمر عن الإفراج عن شرائح التمويل للبنان التي من شأنها دعم جهود إعادة الإعمار الكبرى.

Thumbnail

وبينما سيستمر لبنان في تلقي بعض المساعدات الخارجية للمساعدات الإنسانية، فإن هذه الأموال ستكون محدودة ولأغراض طارئة.

ورغم أن بعض الدول مثل الولايات المتحدة وربما السعودية ستقدم مساعدات إضافية لدعم أهدافها الإستراتيجية، مثل الحفاظ على الهدنة مع إسرائيل ومنع عودة النفوذ الإيراني، فإن مصادر التمويل هذه لن تكون كافية لجهود إعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي.

وفي غياب برنامج صندوق النقد والإصلاحات المطلوبة، ستظل شرائح التمويل الكبيرة لجهود إعادة الإعمار مجمدة، ما يطيل أمد جهود التعافي من الصراع بين حزب الله وإسرائيل.

ويستبعد خبراء ستراتفور أن تُثير إصلاحات التقشف المطلوبة رد فعل عنيفًا مناهضًا للحكومة في لبنان، مثل ما تُثيره برامج الصندوق في دول أخرى، حيث أن الأزمة في لبنان قد أثّرت فعلا بشكل كبير على مدخرات المواطنين.

وإذا وافق لبنان، وإن كان ذلك من غير المرجح جدًا، على صفقة ونفّذ إصلاحات إعادة هيكلة الديون، مثل زيادة إيرادات الدولة من خلال زيادة الضرائب، فإن تدابير أخرى مثل الحد من معدلات التضخم المرتفعة يمكن أن تُعوّض التأثير على الجمهور.

وفي مطلع مارس الجاري أوقفت الولايات المتحدة تقديم مساعدات بقيمة 95 مليون دولار للجيش اللبناني خلال فترة تجميد التمويل التي استمرت 90 يوما لتعزيز قدرته على مواجهة حزب الله في جنوب لبنان وتطبيق شروط وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل.

10