الأزمة الاقتصادية لا تثني اللبنانيين الأرمن عن مساعدة إقليم ناغورنو قره باغ

بيروت – لم تثن المتاعب الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان الأرمن على المبادرة لدعم القوات الأرمنية في إقليم ناغورنو قره باغ، سواء بإرسال المساعدات الاقتصادية أو بالتظاهر وحتى بالسفر إلى أرمينيا للتطوع في الدفاع عن الإقليم المتنازع عليه.
ولم يتصور فارتكيس قط أنه سيتطوع للقتال في الإقليم المتنازع عليه، عندما دفعته الأزمة المالية في لبنان للانتقال إلى أرمينيا هذا الصيف، لكنه لم يفكّر كثيرا في الأمر عندما نشب الصراع بين أذربيجان وقوات من الأرمن بعد وقت قصير من انتقاله.
وقال فارتكيس “وددت أن أذهب في تلك الليلة”. ولم يتم استدعاؤه بعد لدعم القوات في المنطقة التي تعتبر جزءا من أذربيجان بحكم القانون الدولي لكن يحكمها الأرمن. وتابع “أشعر بأنه ينبغي علي فعل شيء للبلد”.
ودفعت المعركة، التي تعتبر من أعنف فصول القتال بالمنطقة الجبلية منذ أكثر من 25 عاما، إلى التعبئة العامة في أرمينيا وجعلت الجالية الأرمنية الكبيرة في الشتات تهب لتقديم يد المساعدة.
وقال مسؤول بوزارة الدفاع الأرمينية إن العديد من الأرمن في الشتات طلبوا التطوع لكنه لم يذكر عددهم بالتحديد. وأفاد مدرب قتال محلي بأن مئات الأرمن في الشتات من مناطق بعيدة مثل الأرجنتين والولايات المتحدة سارعوا بالعودة إلى أرمينيا للتدرب على القتال.
وفي لبنان، قدمت جالية الأرمن، التي تضم قرابة 14 ألف لبناني وتعد من أكبر جاليات أبناء الأرمن على مستوى العالم، التبرعات وأرسلت المساعدات رغم أزمة العملة الطاحنة. والعديد من هؤلاء لهم جذور في لبنان منذ فرار أسلافهم من عمليات القتل الجماعي للأرمن في ظل الامبراطورية العثمانية قبل مئة عام.
وقال كارابيت أغاجانيان أستاذ القتال الذي يدرب متطوعين محليين وأجانب في يريفان إن نحو عشرة لبنانيين من أصل أرمني تلقوا تدريبا في معسكره.
وأضاف أنهم جاؤوا من بيروت بعد اندلاع القتال في أواخر سبتمبر أيلول للذهاب إلى الجبهة.
ويقول بعض أفراد الجالية إن عشرات اللبنانيين من أصل أرمني كانوا قد غادروا بيروت بالفعل في طريقهم إلى يريفان قبل شهور من اندلاع القتال. وارتفعت معدلات الهجرة بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان ثم الانفجار الهائل بمرفأ بيروت في أغسطس والذي راح ضحيته قرابة 200 شخص.
وقال النائب اللبناني هاكوب بقرادونيان رئيس حزب الاتحاد الثوري الأرمني إنه لا توجد منظمة تسجل أو ترسل أي متطوعين من لبنان.
وذكر أن ما لا يزيد عن 20 شخصا غادروا بيروت للتطوع وأنهم تصرفوا من تلقاء أنفسهم. ولم يتضح إن كان قد جرى استدعاء أي منهم للقتال.
وقال بقرادونيان “في الأخير لا نستطيع منعهم…نحاول إقناعهم بعدم الذهاب لكنّهم مندفعون”. ومضى يقول “هذه الحرب وجودية للشعب الأرمني لذلك يسارع الشباب المندفعون للمشاركة فيها”.
وأثار العنف مخاوف من اندلاع صراع أوسع نطاقا يجذب إليه تركيا الداعمة لأذربيجان وروسيا التي أبرمت معاهدة دفاعية مع أرمينيا، والتي أعلنت الأحد استعدادها لتقديم “المساعدة الضرورية” لأرمينيا في حال طالت المعارك الأراضي الأرمينية.
وترفض أذربيجان أي حل يجعل الأرمن يواصلون السيطرة على الجيب، فيما يرفض الأرمن الانسحاب من أراض يعتبرونها جزءا من وطنهم التاريخي.
وعلى طريق سريع رئيسي يؤدي إلى خارج بيروت، عُلقت لافتات على الجسور كُتب عليها “أوقفوا العدوان الأذربيجاني”.
وفي بلدة عنجر اللبنانية التي يغلب على سكانها الأرمن، قال رئيس البلدية فارتكيس خوشيان إن الجميع تبرع حتى تلك الأسر التي تخشى ألا تتمكن من سداد فواتيرها.
وقال “أعطى الناس أكثر مما لديهم… نتابع كلنا الأخبار لحظة بلحظة”.
وتفيد إحصائيات عن مقتل أكثر من 1250 شخصا بينهم حوالي 130 مدنيا منذ استئناف المعارك وهي الأسوأ منذ حرب التسعينات إلا أن العدد الفعلي قد يكون أعلى بكثير.
وكرمت عنجر هذا الشهر أحد أبنائها الذي سقط قتيلا في المعركة وهو كيفورك هادجيان مغني الأوبرا المولود في البلدة اللبنانية والذي كان يعيش في أرمينيا، والذي يعتبره الكثير من السكان بطلا.
وقالت سوس هادجيان والدة المغني البالغة من العمر 74 عاما إنها قضت أياما في مشاهدة التلفزيون والبكاء على المقاتلين الذين فقدوا أرواحهم. لكنها لم تكن تدري أن ابنها يقاتل على الجبهة وعلمت بالأمر عندما أبلغها شقيقها بنبأ مقتله.
وقالت “أنا أم فقدت ابنها في النهاية.. إنه أمر صعب للغاية..لكنني أيضا فخورة بانضمامه في سبيل الأرمن.. في سبيل الوطن”.