الأزمة الاقتصادية في مصر تقود وسائل الإعلام الخاصة إلى الاحتضار

القاهرة - الأزمات المالية التي يشهدها قطاع الإعلام في مصر لم تعد تفرّق بين وسيلة وأخرى، كما أن خبر إغلاق صحيفة أو تقليص نشاطها من يومية إلى أسبوعية أو حتى تسريح العشرات من الصحافيين وإنهاء التعامل معهم، لم يعد بالأمر الذي يثير الرأي العام، أو نقابة الصحافيين نفسها، نظرا لتواتر وكثرة الأخبار التي تذاع وتنشر في هذا الشأن.
ويرى مراقبون أن تأثير الأزمات المالية سوف يتفاقم خلال الفترة المقبلة، خصوصا بالنسبة للصحف الورقية التي تستورد خاماتها من الخارج بسبب ارتفاع سعر الدولار، فضلا عن تراجع نسبة الإعلانات بشكل كبير.
وتواجه الفضائيات الخاصة نفس المشكلة ما يجعل مالكيها بين خيار تغطية نفقات القناة من أموالهم، أو تسريح المئات من العاملين وتقليص عدد البرامج لتخفيض الميزانية وهو ما يحدث في الغالب.
لكن المفارقة في الوقت الراهن تتمثل في أن الدولة وأجهزتها السيادية والأمنية بريئة من تشريد الصحافيين بعدما كانت المتهم الرئيسي في المرات السابقة، ويبدو أن الإعلام الخاص لم يعد يجدي نفعا في الحفاظ على مصالح مالكيه من رجال الأعمال، خاصة وأن الدعم الخارجي الذي كانت تعتمد عليه بعض الصحف والمواقع بدأ يتقلص.
آخر ضحايا الأزمة المالية صحيفة “البوابة” وموقع “البوابة نيوز” اللذان يملكهما الإعلامي والبرلماني عبدالرحيم علي، حيث قام خلال الأيام الماضية بتسريح 120 صحافيا بسبب نقص في التمويل الذي كان تؤمنه مجموعة من رجال الأعمال العرب.
وبعد أن كانت الصحيفة والبوابة مقصدا للكثير من الصحافيين الباحثين عن عروض مهنية ومادية جيدة، اضطر مالكها إلى تحويل الجريدة من يومية إلى أسبوعية، وسط أنباء قوية عن نيته غلقها نهاية العام الجاري.
تأثير الأزمات المالية سوف يتفاقم خصوصا بالنسبة إلى الصحف الورقية التي تستورد خاماتها من الخارج
وسبق هذا الإجراء تحرك مماثل بتسريح عشرات الصحافيين من موقع “دوت مصر” الإخباري بعد انتقال ملكيته إلى رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة الذي ينفي ذلك، بل إنه ألغى أقساما صحافية بأكملها بسبب الخسائر المالية الفادحة.
ولم تبعد الأزمة المالية عن صحيفة “المصري اليوم” اليومية التي كانت قاطرة الصحافة الخاصة في مصر، حيث ترددت أنباء قوية عن وجود توجه لتوقف النسخة المطبوعة والاكتفاء بالموقع الإلكتروني، كما تتجه النية لتسريح العشرات من الصحافيين العاملين بها نتيجة الخسائر المالية الكبيرة التي تتكبدها.
أمَا صحيفة “الشروق” التي يملكها الناشر إبراهيم المعلم، فتعاني هي الأخرى أزمة مالية طاحنة أدت إلى تأخر صرف رواتب العديد من الصحافيين فيها لأشهر، في حين تقوم إدارة الصحيفة بخلاص رواتب البعض الآخر على دفعات متباعدة.
في هذه الأجواء وربما نتيجة لها ترددت أنباء عن تعطل مشروع رجل الأعمال نجيب ساويرس بإنشاء تكتل إعلامي واحد يضم أكثر من موقع إخباري وصحيفة ووكالة أنباء برئاسة الإعلامي مجدي الجلاد.
ولا يختلف الأمر في العديد من الفضائيات الخاصة التي تواجه أزمة مالية أجبرتها على تسريح نسبة كبيرة من العاملين، وإلغاء العديد من البرامج خصوصا الإخبارية والاتجاه للبرامج الترفيهية لعلها تجذب المزيد من الإعلانات؛ حيث قامت قنوات “سي بي سي” و“الحياة” و”أون تي في”، بتسريح العديد من العاملين فيها وتخفيض رواتب من تبقى منهم.
قالت سعاد أنور أستاذة الصحافة والإعلام بالمعهد العالي للإعلام بالقاهرة، إن الفترة التي تلت ثورة 25 يناير 2011 شهدت ضخ أموال ضخمة في سوق الإعلام بشكل عشوائي في الغالب، بهدف الحصول على نصيب من المكاسب الاقتصادية والسياسية المتوقعة.
شركات الإعلانات ينتظر أن تكون المتحكم الأول في استمرار صحف أو إلغائها، وفي رسم السياسة التحريرية للإعلام
لكن الصدمة التي تلقاها رجال الأعمال ملاك هذه المؤسسات أنهم لم يحصلوا على أي منافع من النظام “لأنه ليس لديه ما يمنحه لأحد”، ما حدا بأغلبيتهم إلى مراجعة مواقفهم وسحب أموالهم بسبب نزيف الخسائر التي يتعرضون له يوميا.
وأضافت أنور لـ”العرب” أن ما يحدث حاليا يخدم النظام بشكل غير مباشر، لأنه كلما تقلص عدد الصحف والمواقع والبرامج الإخبارية، تراجع التخوف من تأثير الإعلام على قضايا يراها مثيرة للرأي العام.
أما بالنسبة للمستقبل فمن المنتظر أن تكون شركات الإعلانات المتحكم الأول والأخير في استمرار صحف وبرامج أو إلغائها، وكذلك في رسم السياسة التحريرية للإعلام بشكل عام.
من جانب آخر سوف يجد رجال الأعمال أنفسهم مضطرين للاعتماد على جيل جديد من الخريجين في الإعلام ليست لديهم الخبرة في العمل الصحافي والإعلامي، لكنهم يقبلون برواتب ضعيفة لأن أصحاب الخبرة في المهنة لن يقبلوا برواتب لا تليق بتاريخهم، وهو ما من شأنه أن يضر بسمعة ومهنية الإعلام المصري عموما.
وذكرت دراسات غير رسمية، أن حجم توزيع الصحف المصرية مجتمِعة حاليا يبلغ 700 ألف نسخة يوميا مقارنة بأربعة ملايين نسخة عام 1974، ما يعكس التدني الفادح في توزيع الصحف في بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 90 مليون نسمة، ويترتب عليه تراجعا هاما في عائدات الإعلانات التي تجنيها الصحف، فيما أشارت دراسة حديثة شملت عدة دول، أعدَها نادي دبي للصحافة بالتعاون مع شركة “ديليوت” العالمية للاستشارات والتدقيق، إلى انخفاض عائدات الإعلانات في قطاع الفضائيات في مصر بنسبة 30 بالمئة خلال الفترة بين 2011 و2015.
أما حمدي الكنيسي نقيب الإعلاميين المصريين، فيرى أن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر أثرت على استثمارات العديد من رجال الأعمال الذين يضخون أموالهم في النشاط الإعلامي، ما دفعهم إلى تعويض الخسائر بتقليص النفقات وتسريح صحافيين وإعلاميين.
وقال لـ”العرب” إن المشهد الإعلامي سوف يشهد المزيد من التغيير في خارطته بشكل عام، باختفاء منابر إعلامية أو على الأقل بتقلص نشاطها لأنها لم تعد تحتمل خسائر مالية أكثر، وهذا يحدث في الكثير من دول العالم العربي والأوروبي.