الأردن لا يملك ترف مقاطعة قمة النقب 2

يشكل احتضان الأردن لقمة العقبة الأمنية الأسبوع الماضي التي جمعت الإسرائيليين والفلسطينيين بمشاركة مصر والولايات المتحدة مقدمة لمشاركة عمّان في قمة النقب الثانية. ويؤكد محللون أن الأردن لا يمتلك ترف المقاطعة خشية القفز على أدواره والمسائل المتعلقة بأمنه.
عمّان - لم يجد الأردن سبيلاً لمحاولة تلافي التصعيد بالأراضي الفلسطينية غير جمع أطراف الصراع على طاولة مفاوضات في مدينة العقبة جنوبي البلاد الأحد الماضي بحضور مصر وبرعاية مباشرة من الولايات المتحدة.
ولم تأت المحاولة الأردنية صدفة، فعمّان تحاول الحفاظ على أدوارها في جارتها الغربية، بحكم ترابطها الجغرافي والديموغرافي والسياسي مع الضفة الغربية.
ويرى البعض أن التصريحات الإسرائيلية عقب “اجتماع العقبة” تعد انقلاباً على نتائجه، لكن مجرّد انعقاده بالأردن ربما يشكّل طريقاً لمشاركة المملكة في قمة النقب 2 المقررة في العاصمة المغربية الرباط في مارس الجاري.
والأحد الماضي استضافت مدينة العقبة جنوب الأردن اجتماعاً أمنياً انتهى باتفاق الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على “وقف الإجراءات أحادية الجانب لأشهر محددة”.
الأردن والضفة الغربية تسعيان بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية لتجنب مزيد من العنف والمواجهات، لاسيما مع سقوط عشرات من القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين
ووفق بيان للخارجية الأميركية، فإن “الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية أكدتا استعدادهما والتزامهما المشترك بالعمل فورا على وضع حد للتدابير أحادية الجانب لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر”.
ولم تكد تمضي دقائق على نشر بيان الاجتماع، حتى تنصلت حكومة إسرائيل من أبرز التزاماتها، وهو تجميد البناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما شكّل انقلاباً واضحاً وصريحاً على ما تم الاتفاق عليه.
وبالعودة إلى قمة النقب، فإن عمّان اعتذرت سابقاً عن المشاركة في اجتماعاتها الماضية، وعزت ذلك إلى غياب الجانب الفلسطيني، لتؤكد في محصلة الأمر ارتباط مصير البلدين بأي نتائج محتملة، إلا أن حضور الطرفين والاتفاق على عقد اجتماع العقبة 2 في مصر، يُرجّح حضور كليهما في اجتماع النقب المرتقب، رغم المواقف الإسرائيلية المعلنة بشأن اجتماع الأردن.
ويسعى الأردن والضفة الغربية بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية لتجنب مزيد من العنف والمواجهات، لاسيما مع سقوط عشرات من القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين خلال العام الجاري، وهو ما يدفع بمزيد من التوقعات إلى احتمالية مشاركة الأطراف في اجتماع النقب.
وعقدت تل أبيب قمة النقب في مارس 2022 بمدينة النقب جنوبي إسرائيل، وضمّت وزراء خارجية إسرائيل ومصر والمغرب والبحرين والإمارات والولايات المتحدة، وتم الاتفاق بين الدول الست على عقد القمة بشكل سنوي.
مساومة إسرائيلية
يقول أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الهاشمية (حكومية) جمال الشلبي إنه “لا يستبعد أن تكون استضافة الأردن لقمة العقبة الأمنية مقدمة للمشاركة في اجتماعات النقب المقررة بالرباط الشهر الجاري”.
ويضيف الشلبي “لدى الأردن خطة إستراتيجية واضحة المعالم في ما يتعلق بإسرائيل تكمن في أن السلام خيار إستراتيجي، ولا يتحقق إلا بخيار الدولتين، إحداهما فلسطينية”.
واعتبر أن “اجتماع المغرب جزئية بسيطة من إستراتيجية واسعة تسير عليها الدولة الأردنية”، مشيرا إلى أنه “إذا أرادت عمّان المشاركة، فسيكون لها شروطها؛ لأنها دولة محورية في القضية الفلسطينية”.
واستبعد الأكاديمي الأردني أن يحقق اجتماع النقب أي نتائج ملموسة على أرض الواقع، لافتاً إلى أن “الحكومة الإسرائيلية تساوم وتكسب الوقت من أجل ترويض عدد من الدول العربية للدخول في عمليات سلام مجانية”.
وأوضح أن “الوضع سيبقى يراوح مكانه دون أن تقدم إسرائيل شيئا يُذكر، لاسيما وأن حكومة تل أبيب هي السادسة في عامين، وتتسم بالتطرف والعنف تجاه الفلسطينيين”.
وأضاف “إسرائيل بحاجة إلى موقف دبلوماسي يبرز أنها تتعامل مع العرب ومع مشاكلهم ومع عملية السلام بشكل عام”.
واستدرك قائلا “هذا الأمر لا يحدث أبدا، وإعلاناتها ومواقفها بهذا الخصوص مجرد وسيلة دبلوماسية إسرائيلية لإخراجها من الاتهامات والمواقف عربياً ودولياً، وهذا الأمر يعد تكتيكا متعارفا عليه من قبل إسرائيل”.
خيار رفض المشاركة
يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية - الأردنية (حكومية) بدر الماضي أن “اجتماع العقبة الأمني قد يكون بالفعل مقدمة مهمة لاجتماعات النقب”.
وأضاف الماضي “كان المأمول أن تقدم إسرائيل شيئاً ما حتى يُبرر الأردن ذهابه إلى النقب”.
ووصف الماضي ما تقوم به تل أبيب بـ”الطرق الملتوية من أجل كشف ظهر الحلفاء الذين ينوون قيام سلام عادل وشامل بالمنطقة ومنهم الأردن”.
وأشار إلى أن اجتماع العقبة “أتى كمحاولة لإعادة إحياء السلطة الفلسطينية التي عانت كثيرا في السنوات الأخيرة داخلياً، ولم تعد صراحةً تحظى بقبول شعبي فلسطيني”.
وأردف أن الاجتماع كان “محاولة لضخّ أوكسجين الحياة في السلطة الفلسطينية، وإظهار أنها قادرة على انتزاع شيءٍ من الإسرائيليين، لكن التصريحات الإسرائيلية المباشرة بعد الاجتماع واعتداءات المستوطنين في حوارة بنابلس أتت بنتائج عكسية على السلطة الفلسطينية والأردن”.
وأوضح الماضي أن “الأردن لا يملك خيار رفض المشاركة في اجتماعات النقب مثلما كان سابقاً، لأن اجتماع العقبة شكّل عامل ضغط كبير على المملكة كونها الوحيدة من دول المنطقة التي لا تريد السير وفق ما يفرض حاليا من قبل بعض الدول التي استعجلت بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي”.
وأشار إلى أن هذا “يشكل حرجا كبيرا للأردن الذي يتلقى مساعدات مالية كبيرة جداً من الولايات المتحدة التي تعد الداعم الأول والأساس لإسرائيل وأجندتها بالمنطقة”.
وفي الخامس عشر سبتمبر 2020، وقعت إسرائيل والإمارات والبحرين اتفاقيات تطبيع ثم انضم إليها المغرب والسودان، بينما ترتبط مصر والأردن مع إسرائيل باتفاقيتي سلام منذ عامي 1979 و1994 على الترتيب.
إسرائيل غير ملتزمة
يتفق الماضي مع الشلبي بشأن النتائج المتوقعة من قمة النقب المقبلة، قائلاً “لا أعتقد أن مثل هذه الاجتماعات ستحقق نتائج مهمة للفلسطينيين أو حتى للمنطقة، لأن إسرائيل تعتقد أنها الدولة المسيطرة وتملك أوراقها لفرضها على طاولة المفاوضات واللقاءات مع الدول العربية”.
وأردف أن “إسرائيل لن تستعجل تنفيذ الالتزامات السياسية والإستراتيجية والأمنية تجاه السلطة الفلسطينية، وحتى الالتزامات الأخلاقية لن تلتزم بها”.
واعتبر الماضي أن إسرائيل “لا تعتبر نفسها محشورة في الزاوية، ولكنها تعتقد أنها تتصرف كمايسترو في اللعبة السياسية بالمنطقة، بسبب انشغال دول الإقليم والعالم بمشاكلها الداخلية”.
وأرجع دوافع وممارسات السياسة الإسرائيلية الحالية إلى ما أسماه “اندفاعا عربيا غير مبرر للتطبيع معها، مقابل صمود لن يدوم طويلاً لدولة مثل الأردن في وقوفها مع السلطة الفلسطينية”.
واعتبر الماضي أن “كل ذلك سيشكل التزاماً قسرياً للأردن للتعامل مع إسرائيل وحضور قمة النقب دون مقاومة حقيقية لمثل هذه اللقاءات”.
وقال إن “القيادة الأردنية تعلم أن هذه الاجتماعات لن تفضي إلى نتائج في ظل تعنت إسرائيلي، والمملكة لا تملك خيارات كثيرة ولكنها تريد أن تبقى على الطاولة كي لا يتم القفز على أدوارها والمسائل المتعلقة بأمنها”.
وأوضح أن “الأردن لا يملك ترف عدم المشاركة بالنقب، لذلك من المرجح أن يكون جزءاً أساسياً منه”.
العقبة تؤسس للنقب
أوضح المحلل السياسي عامر السبايلة أن “جلوس السلطة الفلسطينية بهذه الصورة على طاولة الاجتماع بهدف الترتيبات الأمنية يمكن أن يؤسس فعلياً لتغير سياسي، وتحول باتجاه عدم معارضة مثل هذه الاجتماعات، وبالتالي الذهاب إلى اجتماعات النقب القادمة”.
وأضاف السبايلة “الاستفادة من العقبة لا يمكن تحديدها اليوم؛ لأن الوضع على الأرض في فلسطين هو ما سيحدد كثيراً من الأمور”.
وأشار إلى أن “حضور الفلسطينيين في اجتماع العقبة قد يؤسس لحضورهم قمة النقب، مما يعني أن مشاركتهم تنهي أي عذر أردني سابق لعدم المشاركة”. وقال إن “ما يبدأ أمنياً قد ينتهي سياسياً”.