الأردن في مواجهة الإرهاب.. احتواء السلفيين أفضل من تحولهم إلى إرهابيين

السبت 2016/06/18
رؤية استباقية

عمان – ما يجري اليوم من مواجهة بين القوات الأردنية والجماعات الجهادية ليس أمرا جديدا، كما لم تكن عملية العقبة، التي ضربت أول أيام شهر رمضان موقع المخابرات في مخيّم البقعة الفلسطيني الواقع شمال عمّان، الأولى التي تستهدف الأراضي الأردنية، فلطالما كان الأردن هدفا للجماعات المسلحة؛ لكن تتخذ هذه العملية بعدا خاصا بوضعها في إطار التحديات الراهنة والمستقبلية، وفي علاقة بالحرب على داعش في العراق وأزمة اللاجئين السوريين في الأردن.

بالرغم من الدائرة الملتهبة المحيطة، استطاعت المملكة الأردنية أن تحمي نسيجها الاجتماعي ولحمتها الوطنية وأن تتصدى لمختلف الأخطار الإرهابية، لكن لم يعد الأمر مرتبطا فقط بشكل مباشر بتداعيات الأزمة السورية في المنطقة، فمن المؤكد أن وجود الحركة السلفية قديم جدا، وهو مشكلة داخلية بامتياز، هذا فضلا عن كون تنظيم داعش ما لبث أن اتخذ من نشاطه، ومحاولة اختراقه الحدود الشمالية مجالا لاستقطاب أنصار جدد من أوساط القبائل.

يرجع تاريخ السلفية في الأردن إلى السبعينات مع ظهور نصر الدين الألباني الذي كان معروفا بخصومته مع حركة الإخوان المسلمين، ومناهضته للعنف ونصرته للنظام، بينما في الوقت نفسه برزت سلفية جهادية، يمثلها الشيخ عبدالله عزام، وهو الأمر الذي ساعد في التسعينات على انطلاق نموذج جديد مثله عصام البرقاوي (أبو محمد المقديسي) الذي أصبح من أبرز قيادات القاعدة الفكرية والدينية. وهو الأمر الذي ترافق مع عودة جيل جديد من السلفيين الجهاديين الذين قاتلوا في أفغانستان. ومن بين هؤلاء المقاتلين أحمد الخلايلة المعروف باسم أبو مصعب الزرقاوي من مدينة الرقة.

بعد خروجه من السجن في عام 1999 ومروره بأفغانستان، عاد إلى العراق في عام 2003، حيث حظيت جماعته باعتراف أسامة بن لادن. وقام الزرقاوي باستهداف عمليات ضد المصالح الأردنية، منها اغتيال لورانس فولي الدبلوماسي الأميركي في أكتوبر 2002، ومهاجمة السفارة الأردنية في بغداد عن طريق شاحنة مفخخة في أغسطس 2003، وأعلن مسؤوليته عن هجوم انتحاري متزامن ضد ثلاثة فنادق في عمان في نوفمبر 2005، ولم تنته هذه الاعتداءات إلا بمقتل الزرقاوي تحت وطأة القصف الأميركي في يونيو 2006.

غير أن سلوك الزرقاوي ظل مثار نقد من المقديسي الذي تعرض إلى العديد من الانتقادات من جماعة الزرقاوي على اعتبار أنه يهادن النظام الأردني، وتمت مؤاخذته على دعوته إلى الجهاد من برجه العاجي، ثم ما لبث أن تم سجنه من جديد في عام 2010، مما فسح المجال لظهور وجوه جديدة في الحركة السلفية كمحمد الشلبي (أبو سياف) من معان، أو سعد الحنيطي الذي أصبح من قادة داعش.

إلى هنا والأمر واضح جلي، إلا أن ما يثير الجدل اليوم، هو التحول الذي طرأ على الجبهة السلفية الأردنية مع انطلاق الثورة السورية ودخولها أتون الحرب الأهلية بين مواقف المقديسي الذي دعا إلى الحوار مع الحكومة، بينما دعا المقربون من الزرقاوي إلى مواجهة السلطة الأردنية في الزرقاء في أبريل 2011.

وكان لتأسيس “دولة الخلافة في العراق والشام” في أبريل 2013 تحول كبير في المشهد السلفي الجهادي الأردني، حيث أعلنت جبهة النصرة ولاءها لأيمن الظواهري، مما أحدث شرخا بين أنصار الزرقاوي وأنصار المقديسي، ثم كان لإطلاق سراح المقديسي في يونيو 2014 وأبي قتادة في سبتمبر من نفس السنة تأثير على المشهد السلفي من جديد، حيث عمد أنصار الزرقاوي إلى كسب ولاء شخصيات محلية وتأليب الشباب على الشيخ من خلال دعوتهم إلى الالتحاق بداعش.

ومن الملاحظ أنه تم تنظيم عدة مظاهرات تساند داعش في معان، وتم رفع علم التنظيم في المدينة، حيث قام التنظيم بتوزيع فيديو يدعو أهل مدينة معان إلى الثورة على النظام بحجة تعاونه مع الغرب وإسرائيل. وأعلن تنظيم داعش في أكتوبر 2014 أن العديد من قيادات جبهة النصرة التحقوا بصفوفه، ما اعتبر إشارة بالغة على ازدياد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية على حساب تنظيم القاعدة في الأردن.

لقد أدركت السلطات الأردنية مبكرا هول التحدي الأمني الذي يطرحه تدفق المقاتلين الأردنيين في سوريا، وضرورة التحكم في المشهد السلفي العادي واحتوائه على مستوى الساحة الداخلية بنوع من التوازن يتأرجح بين اللين والشدة في التعامل، وهو الأمر الذي ساهم في طرح السؤال حول مدى نجاعة استراتيجية الاحتواء والتأهيل الديني لهؤلاء العائدين، وذلك بعد أن عمد داعش إلى اتهام الشيوخ السلفية بالتواطؤ مع المخابرات الأردنية.

والواقع أن قضية الكساسبة – الطيار الأردني الذي احتجز كرهينة منذ 24 ديسمبر 2014 قبل حرقه – قوى من هذه المزاعم. إذ بعد أن تم وضع المقديسي في الإقامة الجبرية، ظهر على شاشة التلفيزيون في 6 فبراير 2015 (بقبول حكومي) ينتقد البغدادي، ويطالبه بمبادلة الأسرى. لكن أمر التخلص من الطيار كان قد تم منذ فترة، ولم تكن لدى داعش أي رغبة في التفاوض، مما أثار غضب المقديسي وحنقه، لكن داعش رد عليه باتهامه بأنه مجرد “عميل”.

ويبقى أن المملكة الأردنية تشكل هدفا منطقيا لتنظيم الدولة الإسلامية لأنها تقع في فضائها الجيو استراتيجي، وتعد جسرا للاقتراب من الحدود السعودية التي ظلت آمنة طوال قرن من الزمن بفضلها، ولا يستطيع التنظيم الاقتراب من الحدود الأردنية انطلاقا من الجنوب السوري نظرا لكون المنطقة تقع إما تحت قبضة النظام السوري، وإما تحت سيطرة المعارضة التي تهيمن عليها الجبهة الجنوبية وجبهة النصرة؛ غير أنه إذا استطاع التنظيم اختراق جبل الدروز في جنوب سوريا، يمكن أن تتضافر جهوده مع بعض القوى المحلية التي أعلنت له البيعة (كتائب شهداء اليرموك المتواجدة بين الحدود الإسرائيلية والأردنية) ليصبح مهددا فعليا لشمال الأردن.

ويقع تنظيم داعش على بعد كيلومترات معدودة من الحدود الأردنية-العراقية على طريق الرتبة في محافظة الأنبار، كما أن النقطة الحدودية طربيل كانت مسرحا لعدة اعتداءات، لكن القبائل المتواجدة في تلك المنطقة مازالت تقف إلى حد الآن حائلا أمام تقدمه.

باحث في جامعة السوربون
6