الأردن أكثر المستائين من صفقة القرن الأميركية

لم تكشف الإدارة الأميركية عن كامل تفاصيل خطتها “صفقة القرن” للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين رغم ما تسيله من حبر، لكن ورغم الرفض العربي وخاصة من قبل الفلسطينيينل المعنيين بدرجة أولى بهذه الخطة، فإن المخاوف تتصاعد أكثر في الأردن من أن تصبح المملكة بمثابة الوطن البديل للفلسطينيين رغم كل ما يمكن عرضه من إغراءات مالية واقتصادية قد تشجع الأردن على قبولها. ويرى بعض الخبراء أنه لا يوجد أمام المملكة الهاشمية سوى رفض خطة واشنطن لأن المملكة ستكون ربما أكبر خاسر من هذه الصفقة السياسية المثيرة للجدل.
عمان – ينطلق مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر بداية الأسبوع في القيام بجولة على منطقة الشرق الأوسط ستشمل وفق ما تم تداوله إسرائيل وخمس دول عربية، لوضع اللمسات النهائية على الشق الاقتصادي من خطة التسوية السياسية الأميركية للشرق الأوسط، المعروفة باسم “صفقة القرن”.
هذه الجولة الجديدة لصهر ترامب تثير مخاوف الأردنيين من أن يتحوّل بلدهم إلى موطن بديل للفلسطينيين رغم اللاءات الملكية الرافضة لصفقة القرن شكلا ومضمونا.
وأكّدت العديد من التقارير الأميركية وأبرزها تلك الصادرة بصحيفة “واشنطن بوست” أن كوشنر سيعود إلى الشرق الأوسط، نهاية الشهر الجاري، للترويج لخطة الإدارة الاقتصادية البالغة قيمتها 50 مليار دولار، والتي سيتم تخصيصها للأراضي الفلسطينية ودول عربية مجاورة وعلى رأسها الأردن.
وستشمل جولة كوشنر الشرق أوسطية، إسرائيل والأردن ومصر والسعودية وقطر والإمارات، دون تحديد جدول زمني لذلك، إذ يترأس وفد يضم المبعوث الخاص للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات، والمبعوث الأميركي الخاص لإيران براين هوك.
وجدد الحديث عن جولة مرتقبة لنائب الرئيس الأميركي جاريد كوشنر إلى الشرق الأوسط مخاوف الأردنيين الرافضين لخطته للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، خشية أن تدفع المملكة الثمن الأكبر لـ”صفقة القرن” وأن تصبح وطنا بديلا للفلسطينيين.
هل تكون صفقة القرن الأميركية بمثابة التصفية للقضية الفلسطينية ومسح للهوية الأردنية في الوقت نفسه
ويعود كوشنر إلى الشرق الأوسط في أواخر يوليو وذلك في إطار جولة جديدة تهدف إلى الدفع قدما بخطته التي لم يُكشف بعد عن تفاصيلها، ويستبعد أن تدخل حيز التنفيذ في المدى القريب في ظل الرفض الواسع لها.
ويقول الموظف الأردني المتقاعد خالد الخريشا (65 عاما) من محافظة المفرق (نحو 70 كلم شمال شرق عمان) إن “صفقة القرن هي تصفية للقضية الفلسطينية ومسح للهوية الأردنية في الوقت نفسه. من دون شك الأردن سيكون الخاسر الأكبر بعد الفلسطينيين”.
ويضيف الرجل الستيني المنحدر من عشيرة الخريشا، والذي ارتدى الزي العربي التقليدي أثناء مشاركته في إحدى التظاهرات أمام السفارة الأميركية في عمان ضد الخطة الأميركية للسلام، “نرفض الصفقة جملة وتفصيلا”، معتبرا أنها “خطر على الأردن”.
وتستند المخاوف والرفض إلى مجرد تسريبات عن الخطة تؤكد أنها لن تأتي على ذكر حل الدولتين، وإلى سياسة الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل خارجا عن إجماع الرؤساء الأميركيين السابقين.
وقالت وداد العاروري (81 عاما) التي تعود أصول عائلتها إلى رام الله وجنين في الأراضي الفلسطينية لوكالة فرانس برس خلال التظاهرة، “نأمل في أن يعلن الأردن الذي هو بلدنا أرضا وشعبا وقيادة رفضه وبشكل حازم لهذه الصفقة التي تعني بيع فلسطين”.
الكابوس
شهد الأردن موجتين من اللجوء الفلسطيني: الأولى عقب “النكبة” عام 1948 إثر إعلان قيام دولة إسرائيل، والثانية بعد “النكسة” إثر حرب يونيو عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية التي كانت تحت السيطرة الأردنية. ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأمم المتحدة في الأردن أكثر من 2.2 مليون لاجئ. وأكثر من نصف عدد سكان الأردن البالغ 9.5 مليون نسمة من أصول فلسطينية ويحمل ثلثهم الجنسية الأردنية.
ويخشى الأردنيون في حال إسقاط حق العودة للاجئين، أن تصبح المملكة تحت ضغط مطالبتها بتجنيس الثلث الأخير.
ودعت واشنطن نهاية مايو الماضي إلى مؤتمر في البحرين عقد في 25 و26 يونيو عرضت فيه الشق الاقتصادي من خطة السلام الهادف، بحسب قولها، إلى جذب استثمارات تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار لصالح الفلسطينيين وخلق مليون فرصة عمل لهم ومضاعفة إجمالي ناتجهم المحلي، وذلك خلال عشرة أعوام.
وقاطع الفلسطينيون مؤتمر البحرين، وشارك فيه الأردن ممثلا بأمين عام وزارة المالية الأردنية.
ويرى مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أن “ثاني أكبر ضحية لصفقة القرن بعد الفلسطينيين هو الأردن بلا منازع”. ويقول إن المملكة قلقة من أن تفتح الصفقة الباب “حول حلول وخيارات في الأردن وعلى حسابه“. ويتطرق مدير مركز الفينيق للدراسات أحمد عوض من جهته إلى أحد هذه الحلول المتداولة وهو إعطاء الأردن دورا في إدارة الضفة الغربية، معتبرا أن “هذا عبء سياسي كبير لا أعتقد أن الدولة العميقة في الأردن ترغب فيه”.
ويتخوف الرنتاوي من “ربط استدامة الكيان الفلسطيني بشرط ارتباطه بصيغة ما مع الأردن. هذا سيفتح على الأردن أبواب جهنم”.
ويرى الرنتاوي أن الخطة ستضع على الأردن ضغطا لتوطين عدد آخر من الفلسطينيين ومنحهم الجنسية، مضيفا “لا توجد دولة في المنطقة عليها عبء في موضوع اللاجئين الفلسطينيين مثل الأردن، فهو لديه عدد هائل يشكل نحو 60 في المئة من سكانه. هذا كابوس”.
ويعتمد الأردن الذي تشكل الصحراء نحو 92 في المئة من مساحته إلى حد كبير على المساعدات الخارجية. وتجاوز الدين العام لهذا البلد 40 مليار دولار بما يفوق 96 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع ارتفاع نسبة الفقر إلى نحو 16 في المئة والبطالة إلى نحو 20 في المئة وفقا للأرقام الرسمية.
وصرح مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات في يونيو بأن كشف الخطة لتسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين قد يتم في نوفمبر المقبل بعد الانتخابات الإسرائيلية.
منافع معروضة

يشير المحلل كيرك سويل من مركز “يوتيكا ريسك سيرفسز” للأبحاث في واشنطن إلى أن “الأردن لا يملك إلا أن يرفض الصفقة”، لأنها “قد تحوّل الأردن إلى دولة فلسطينية”. ويضيف “قد تكون هناك منافع اقتصادية للأردن، لكن الملك أكد موقفه تجاه الدفاع عن القدس لقاعدته الشعبية العشائرية، لأن الصفقة تهددهم”.
ويقول الرنتاوي إن “الوصاية على المقدسات أمر بالغ الرمزية بالنسبة للهاشميين والأردنيين، فمكانة القدس عندهم تفوق مكانتها عند غيرهم من العرب والمسلمين، وهي مصدر من مصادر شرعية نظام الحكم في البلاد”.
ويرى أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها “عزز مخاوف الأردن”.
ويضيف “عندما يقول كوشنر إن القدس وكل ما فيها لإسرائيل، فهو يستفز الملك عبدالله، الهاشميين بشكل خاص والأردنيين بشكل أوسع”.
وأكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أكثر من مرة ما بات يعرف بلاءاته الثلاث: لا للوطن البديل، لا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، ولا للتنازل عن القدس أو الوصاية على المقدسات فيها.