الأحد أهم يوم في تاريخ جمهورية تركيا

يعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمزيد تدعيم سلطته في نظام يقوم على وحدة السلطة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، في حين تعد المعارضة بإبطال النظام الرئاسي التنفيذي الذي جاء به أردوغان عن طريق العودة إلى فصل السلطات. خلال استفتاء أبريل 2017 لتعديل الدستور صوّت عدد من الأتراك بـ”نعم” وتخلّوا بذلك عن ديمقراطيتهم، وبعد حوالي سنة، يتطلع عدد كبير منهم لاسترجاع هذه الديمقراطية المفقودة بعد أن كشفت الحملات الانتخابية ليوم 24 يونيو عن حسابات جديدة للشارع التركي لا تسير على هوى أردوغان الذي بدأ يستشعر خطرا عليه على عكس ما كان واثقا منه عندما قرر مباغتة المعارضة وتقديم الانتخابات عن موعدها من الثالث من نوفمبر عام 2019 إلى 24 يونيو 2018.
إسطنبول (تركيا)- هبطت طائرة على متنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في رحلة أولى رمزية إلى المطار الثالث في إسطنبول، أحد المشاريع الكبرى التي يعمل أردوغان على إبرازها في حملته للانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستُجرى الأحد 24 يونيو 2018.
وهبطت الطائرة الرئاسية مساء الخميس في هذا المطار، الذي يشكل أحد مشاريع البنى التحتية الكبيرة الذي يطلقها أردوغان ويتفاخر بها في اجتماعاته في إطار حملته الانتخابية. وكان من المفترض أن يفتتح المطار رسميا في 29 أكتوبر الذي يصادف يوم العيد الوطني.
وتقول أنقرة إن هذا المطار الواقع في القسم الأوروبي من إسطنبول على البحر الأسود، سيكون “أكبر مطار في العالم” بمساحة تبلغ 67.5 مليون متر مربع. وتُضاف إلى المطار مشاريع أخرى مثل بناء قناة موازية لمضيق البوسفور على غرار قناتي السويس وبنما. وكان محرم إنجيه، المنافس الرئيسي لأردوغان الذي تنتهي ولايته الأحد، تخلى عن هذا المشروع المكلف كثيرا بالنسبة إليه.
ومن المفترض أن يحلّ المطار الثالث الذي لم يعلن عن اسمه بعد، محل مطار أتاتورك في إسطنبول الذي وعد الرئيس التركي بأن يحوّله إلى حديقة كبيرة على غرار هايد بارك في لندن وسنترال بارك في نيويورك.
ورأى البعض أن هذا التعهد هو في ظاهره محاولة لتهدئة الناشطين البيئيين الذين ينتقدون بشدة مشاريع أردوغان الكبيرة في مجال البنى التحتية، لكن بين سطوره تظهر ملامح المشروع الأردوغاني لإلغاء كل المشاريع الكبرى التي تذكّر بحقبة مؤسسة الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك.
وكان الرئيس التركي أثار جدلا واسعا تطور إلى مظاهرات شعبية وانتقادات كبيرة من المعارضة حين عرض مشروع هدم مركز أتاتورك الثقافي، في ميدان تقسيم الشهير، وبناء مركز إسلامي ضخم على أنقاضه. وفي خطوة أخرى لا تقل إثارة للجدل والغضب قام الرئيس التركي في نهاية سنة 2014، بافتتاح القصر الرئاسي الجديد.
وحل هذا القصر مكان المقر الرئاسي التاريخي المتواضع الواقع على مرتفعات منطقة تشانكايا، والذي احتضن رؤساء الجمهورية منذ أتاتورك. ويتألف القصر الرئاسي الذي استلهمت هندسته من الهندسة العثمانية والسلجوقية، أول سلالة تركية حكمت آسيا الصغرى من القرن الحادي عشر إلى الثالث عشر، من ألف غرفة. ويمتد على مساحة مئتي ألف متر مربع.
الأحزاب والمرشحون
الانتخابات الرئاسية:
◄ يتنافس ستة مرشحين: ميرال أكشنر (الحزب الصالح) وصلاح الدين دميرطاش (حزب الشعوب الديمقراطي) ورجب طيب أردوغان (حزب العدالة والتنمية) ومحرم إينجه (حزب الشعب الجمهوري) وتيميل كرم الله أوغلو (حزب السعادة) ودوغو برينتشيك (حزب الوطن).
الانتخابات التشريعية:
◄ "تحالف الشعب" ويضم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية، أما حزب التحالف الكبير فقد أدرج مرشحيه على لوائح حزب العدالة والتنمية.
◄ "تحالف الأمة" ويضم حزب الشعب الجمهوري (يسار الوسط) والحزب الصالح (يمين قومي) وحزب السعادة (محافظ) ويدرج الحزب الديمقراطي (يمين الوسط) مرشحيه على لائحة الحزب الصالح.
◄ يترشح كل من حزب الشعوب الديمقراطي (المناصر للقضية الكردية) وحزب الدعوة الحرة (إسلامي كردي) وحزب الوطن بشكل مستقل.
وندّدت المعارضة بمساحة المجمع الرئاسي الجديد الهائلة وفخامته وترفه، ورأت فيه مؤشرا جديدا على جنون العظمة لدى أردوغان. وكلف المشروع حوالي 1.3 مليار ليرة تركية، (أكثر من 490 مليون يورو)، وشبّهه بعض المعارضين بقصر “فرساي جديد”، فيما قارنه آخرون بقصر الدكتاتور الروماني نيكولاي تشاوشيسكو.
ويطمح سيد القصر إلى البقاء لأطول فترة ممكنة، وتتويجه سلطانا على دولة تركية جديدة أرسى أدروغان قواعدها النظرية من خلال التعديلات الدستورية التي غيرت النظام من برلماني إلى رئاسي ومنحت الرئيس سلطات شاملة ومطلقة.
وستتحدد ملامح هذه الدولة يوم 24 يونيو المقبل ضمن سباق انتخابي، لن يكون سهلا بالنسبة للرئيس التركي الذي خطط لمفاجأة المعارضة حين باغتها بقرار تقديم موعد الانتخابات بحوالي سنة، إلا أن الرياح جرت بما لا يشتهي أردوغان.
دولة عثمانية جديدة
من خلال النظام الرئاسي المنشود لا يود أردوغان تغيير النظام السياسي في تركيا فقط، بل أيضا إرساء دولة جديدة تستمد جذورها من التقاليد العثمانية بشكل يظهر فيه كلاعب معاكس لأتاتورك. وعشية الانتخابات نشر أردوغان تفاصيل النظام الرئاسي الجديد على حسابه بتويتر، مغردا “في النظام الجديد نحن مستعدون يا تركيا للتغيّر من جديد والتألق”.
وقال أردوغان إنه سيخفض بشدة عدد الوزارات إلى 16 وزارة وسيسرّع وتيرة عملية اتخاذ القرار في الحكومة المقبلة إذا فاز في الانتخابات والتحول إلى نظام رئاسي تنفيذي. وقال “في ظل النظام الجديد سنحد من البيروقراطية. سنتخذ القرارات بشكل أسرع وكل الخدمات ستركز على النتائج”. وأضاف أنه “سيجري تشكيل تسعة مجالس معنية بالسياسة سترفع تقاريرها للرئيس في مجالات مثل السياسات الاجتماعية والصحية والخارجية”.
وسيتم دمج وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية، مع وزارة العمل والضمان الاجتماعي، تحت مسمى “وزارة العمل، والخدمات الاجتماعية والأسرة”؛ لتقديم الخدمات اللازمة للأسر التركية. كما سيتم دمج وزارة العلوم، والصناعة، والتكنولوجيا، مع وزارة التنمية، ليصبح اسم الوزارة الجديدة “وزارة الصناعة والتكنولوجيا”.وستعمل هذه الوزارة على جعل تركيا رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال إنتاج علامات تجارية عالمية مرموقة ذات تكنولوجيا عالية، ورائدة في التقنيات الذكية. ودمج وزارة الجمارك والتجارة مع وزارة الاقتصاد تحت مسمى وزارة التجارة، ومن ضمن أهدافها زيادة عائدات الصادرات إلى 500 مليار دولار، وجعل إسطنبول “مركزا ماليا عالميا”.
وسيتم كذلك دمج وزارة الغذاء والزراعة والثروة الحيوانية مع وزارة الغابات وشؤون المياه، لتصبح تحت مسمى وزارة الزراعة والغابات لتتولى مهام حماية الغابات، والحفاظ على الرقعة الزراعية. وزارتا الخارجية والاتحاد الأوروبي سيتم دمجهما تحت مسمى وزارة الخارجية لتلعب الوزارة بمسماها الجديد دورا أكثر تأثيرا في السياسات الخارجية، والتطورات الدولية.
وسيشهد النظام الجديد إنشاء 9 لجان جديدة هي: لجنة سياسات الإدارة المحلية، ولجنة السياسات الاجتماعية، ولجنة سياسات الصحة والغذاء، ولجنة سياسات الثقافة والفن، ولجنة سياسات القانون، ولجنة سياسات الأمن والخارجية، ولجنة سياسات الاقتصاد، ولجنة سياسات التربية والتعليم، ولجنة سياسات العلوم والتكنولوجيا والحداثة. كما يتضمن تأسيس 4 مكاتب ستعمل مع رئيس الجمهورية مباشرة. وهذه المكاتب هي: مكتب الموارد البشرية، ومكتب الاستثمار، ومكتب التمويل، ومكتب التحول الرقمي.
وقال الرئيس التركي في تقديمه لهذه التغييرات إنها ستعمل على التقليص من البيروقراطية، في حين يؤكد معارضون أنها ستعمل على وضع كل السلطات في يد الرئيس وستضخ كل المؤسسات لسيطرته، الأمر الذي يقلل من فرص اكتشاف علميات الفساد ويساعد على احتكار السلطة ويعني أيضا تضييقا أكثر على الحريات والحياة العامة والمضي قدما في مشاريع التغيير الأشمل، الذي يهم البنية الاجتماعية والتعليمية للدولة، بعد تحقيق الخطوات الأكبر، كالسيطرة على الجيش والمخابرات والتعديلات الدستورية.
من صفر مشاكل إلى صناعة الأزمات
لا يقلق هذا الأمر الأتراك فقط، بل يمتد القلق إلى الخارج حيث لا تقل سياسة أردوغان الخارجية إثارة للجدل عن سياسته في الداخل، والتي دفعت الكثير من الأتراك إلى الهجرة والبحث عن شراء جنسيات أوروبية.
ويدفع الوضع السياسي في تركيا الكثير من أبنائها الأثرياء إلى البحث عن أوطان بديلة عبر شراء جنسيات دول أخرى أو من خلال الحصول على الفيزا الذهبية مقابل الاستثمار في إحدى دول الاتحاد الأوروبي، وذلك في مسعى لتأمين أنفسهم وثرواتهم من تداعيات التطورات السلبية التي تتجه نحو تركيا بسبب سياسية النظام ورئيسه رجب طيب أردوغان. وبدأت موجهة هرب الأتراك الخائفين بعد محاولة الانقلاب الفاشل في صيف 2016 لكنها شهدت ذروتها بعد الاستفتاء على تعديل الدستور.
ويشعر المراقبون الدوليون بقلق متزايد، ليس فقط بسبب الديمقراطية التركية وتطبيق سيادة القانون، ولكن أيضا على استقرار تركيا وتداعياته الإقليمية. فإذا فاز أردوغان بولاية جديدة وطبّق بالكامل النظام الرئاسي الجديد، فسيتم تعزيز المخاوف الغربية الحالية بشأن التطورات الداخلية التي تحدث في تركيا. ويقول إيان ليسر، نائب رئيس مركز جيرمان مارشال فاند، إن “التدقيق ومراجعة سلوك السياسة الخارجية والأمنية التركية سيكونان أمرا حتميا لا مفر منه”.
وكتب سيمون تيسدال، مساعد رئيس التحرير في صحيفة الغارديان وكاتب عمود الشؤون الخارجية، قائلا إن الكثير من الأتراك يشعرون بالقلق من احتمال فوز أردوغان بفترة جديدة حيث سيحصل حينها على سلطات رئاسية جديدة هائلة. لكن القلق لا يقتصر على الأتراك وحدهم، بل يمتد ليطال أيضا المجتمع الدولي.
وأشار تيسدال إلى أن أردوغان ومنذ صعوده للسلطة قبل 15 عاما، تحول من جار “مشاكس إلى تهديد استراتيجي. وتحت قيادته الهوجاء، لم تعد تركيا صديقا يعتمد عليه بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة. وإن خرج منتصرا من انتخابات الأحد، فالأرجح أن يتسبّب أردوغان في تعميق حالة عدم الاستقرار في سوريا وفي عموم الشرق الأوسط”.
ويتبنى أردوغان سياسة قائمة على صناعة المشاكل والأزمات، وهي سياسة معاكسة تماما لمبدأ صفر مشاكل الذي أرساه أتاتورك كمبدأ أساسي في السياسة الخارجية التركية. ودخل أردوغان في خلافات مع دول عربية بسبب الصلات المستمرة مع الإخوان المسلمين، والطموحات العسكرية الواضحة لأنقرة، التي مددت تدخلها من سوريا إلى العراق بحجة محاربة الأكراد، وأيضا بسبب محاولة دعم أنظمة الإسلام السياسي وفرض نموذج العدالة والتنمية التركي بالقوة رغم تعارضه مع طبيعة مجتمعات مثل المجتمع التونسي.
وعلى الجانب الأوروبي، يشير تيسدال إلى أن الخلافات المدمرة التي يتبناها أردوغان مع دول أوروبية حول قضايا المهاجرين وطموح تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وانتهاكاته الفاضحة لحقوق الإنسان وللقيم الديمقراطية المشتركة، وتعاونه العسكري المتعاظم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متمثلا في صفقة شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي المتقدم أس 400، كلها أمور من المؤكد أنها ستتسبب في المزيد من التدهور إن نجح أردوغان في الفوز بولاية أخرى لخمس سنوات، مشيرا إلى أن الناخبين الأتراك يتحملون مسؤولية من أجل صالح العالم بأسره، وليس لمصلحتهم هم فقط.
صلاحيات الرئيس التركي في النظام الجديد

تقاسم الرئيس ورئيس الوزراء الصلاحيات التنفيذية على مدار عقود طويلة من تاريخ الجمهورية التركية، إلا أن هذا الأمر سيتغير بعد يوم 24 يونيو 2018 في حال فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتم إقرار العمل بالنظام الرئاسي الجديد الذي يقضي بـ:
◄ يحصل الرئيس على المزيد من الصلاحيات التنفيذية ومن بينها إصدار مراسيم لها قوة القانون.
◄ إلغاء منصب رئيس الوزراء، وبدلا من ذلك يقوم الرئيس بتعيين نائب له.
◄ يعين الرئيس الوزراء بدلا من موافقة البرلمان عليهم.
◄ يمكن للرئيس أن يكون عضوا في حزب سياسي. كان القانون التركي يقضي بأن يقطع الرئيس علاقته بالحزب الذي ينتمي إليه، ويصبح شخصية محايدة لدى توليه منصبه، لكن بموجب التعديلات الدستورية يرأس رجب طيب أردوغان الدولة وفي نفس الوقت حزب العدالة والتنمية الحاكم.
◄ توسيع نطاق الشروط التي تتيح للرئيس إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
◄ إعادة تنظيم أسلوب تعيين القضاة، ووضع هذه العملية بشكل أكبر تحت سيطرة الرئاسة والسياسيين.
◄ تعرض الرئاسة مشروع الميزانية العامة للدولة، ويتعين على البرلمان الموافقة عليها.
◄ يمكن للرئيس استحداث وزارات وإلغاء أخرى. وأعلن أردوغان أنه في حال فاز بولاية خامسة سيعمل على تخفيض عدد الوزارات من 26 إلى 16 بعد دمج بعض الوزارات.