الأبحاث العلمية تنقل شجرة الورد الطائفي في السعودية إلى العالمية

اهتمام بعمليات استخلاص الزيوت من الورد الطائفي بتطبيق الطرق الحديثة.
السبت 2024/02/17
الورد الطائفي حكاية تمتد إلى ثلاثة قرون

تشتهر مدينة الطائف في السعودية بوردها الطائفي المزدهر منذ حوالي ثلاثة قرون، ويتكون ورد الطائف الجذاب محليّا وعالميّا من 30 بتلة. وتبدأ دورة حياة الورد الطائفي في شهر ديسمبر من كل عام، حين يعاود المزارعون العناية بحقوله وشجيراته. ويشتهر هذا النوع من الورود بزيوته العطرية التي تخضع لمعالجات صناعية كي تتحول إلى منتجات عطرية باهظة الثمن.

الطائف (السعودية) - يشق أبناء الطائف طريقهم فجرًا في عتمة الليل لكشف ملامح نضوج الورد الطائفي، فوق قمم سلسلة جبال السروات الشاهقة في منطقة مكة المكرمة غرب المملكة، ومع كل إطلالة لفجر الربيع وقرب وداع نسيم فصل شتاء، تزدهر وردة الطائف الفاتنة، منذ حوالي ثلاثة قرون، في حقول المزارع القديمة المحروثة في قلب الصخور الغرانيتية العملاقة، بين المنحدرات الجبلية التي يبلغ ارتفاعها قرابة ألفي متر فوق سطح البحر.

ويستمتع الأبناء بما أورثه الآباء والأجداد من شجيرات الورد الطائفي المغروسة جذورها في الترب الغنية بالمواد العضوية، بينما تظل سيقانها المغطاة بالأشواك ثابتة أمام هبات نسائم الجبال، في حين يطربون مع حفيف أوراق أشجار التوت والبخارى والحماط، والرمان واللوز والفواكه المجاورة، وتغريد عصافير الشروق، لتترجم لديهم انشراح أجواء الجبال وتنتقي حواسهم الخبيرة أولى الأزهار التي تشكل في حياتهم اليومية نبعًا ثقافيًا وموروثًا سعوديًا منذ القدم، وأحد أهم الكنوز الخمسة المصنفة إقليميًا ووطنيا.

ويتكون ورد الطائف الجذاب محليًا وعالميًا من 30 بتلة، والبتلة “هي جزء من الزهرة وهي عبارة عن أوراق نباتية متجاورة ومتحورة” وتشتهر بنقاوتها ورائحتها الزكية الفريدة شديدة التركيز والغنية بالزيوت العطرية، التي تخضع للمعالجة لتتحول إلى زيت الورد باهظ الثمن وإلى الأبحاث العلمية المضمنة في كرسي ورد الطائف الذي تتبناه جامعة الطائف منذ عشرات السنين؛ حيث أوجدت الأبحاث العلمية فيه نافذة حديثة محملة بآفاق الاهتمام بتطوير آليات التعامل مع وردة الطائف على المستوى الثقافي والاقتصادي والعلمي، وإخضاعه للعديد من الأبحاث والدراسات العلمية لتطويره، والوصول إلى منتج ذي أثر بالغ على تنمية الفرد والمجتمع، للرقي بالمنتجات الصناعية السعودية إلى المستوى العالمي، وتحقيق الريادة في الورد الطائفي من خلال توجيه الأبحاث التي تهدف إلى تعميق ثقافة زراعة الورد والطرق العلمية الكفيلة بزيادة المنتج، وتتبع المشاكل الزراعية له، والدراسات التي تجعل منه داعماً اقتصادياً من دعامات التنمية المستدامة.

ورد الطائف الجذاب محليا وعالميا يتكون من 30 بتلة، والبتلة هي جزء من الزهرة، وهي عبارة عن أوراق نباتية متجاورة

وأكد عميد الدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الطائف الدكتور ولاء الصانع لوكالة الأنباء السعودية أن عناية الجامعة تأتي من خلال كرسي الورد الطائفي الذي يعمل على تحقيق الريادة العالمية للورد الطائفي ومنتجاته عبر توجيه الأبحاث والدراسات العلمية إلى تطوير صناعة الورد الطائفي من قبل أكاديميين متخصصين، والاهتمام بعمليات استخلاص الزيوت من الورد الطائفي بتطبيق الطرق الحديثة، واستخلاص السوائل ما فوق وما دون الحرجة، حيث يكون الاستخلاص بالميكروويف وبالموجات فوق الصوتية، وإجراء أبحاث لحماية الورد من الأمراض الميكروبية والطفيلية والحشرية، وأبحاث مقاومة الملوحة في نباتات الورد الطائفي باستخدام حامض الجبريلليك، وأبحاث تقييم فاعلية المعاملة بجسيمات الفضة النانوية في مكافحة مرض صدأ الأوراق لنبات الورد بالطائف، ونشر المطبوعات العلمية عن التنوع الجيني داخل وبين عشائر الورد الطائفي، وطرق إكثار الورد، وغير ذلك.

وأشار إلى أن الجامعة بصدد التوسع النوعي لكرسي الورد الطائفي في المرحلة القادمة من خلال طرح العديد من البرامج والأعمال والخطط الإستراتيجية النوعية، وعقد الورش العلمية والندوات المرتبطة بالورد الطائفي، وإكساب المزارعين المهارات التطبيقية والمعارف النظرية باعتبارهم قوى مهنية تتوارث ثقافة الورد، والتعرف على الخبرات من قدامى منتجي الورد الطائفي وتطوير العمل معهم لبناء جسر من التواصل بينهم وبين حديثي العهد العاملين في مجال إنتاجه وتصنيعه، وتأكيد أهمية مكونات النباتات العطرية الاقتصادية السعودية في الصناعة كدعامة من دعامات التنمية المستدامة، وإكساب الطلاب والمجتمع المحلي والمزارعين المهارات المحملة بالبرامج النوعية.

حواس الطائفيين الخبيرة تنتقي أولى الأزهار التي تشكل في حياتهم اليومية نبعا ثقافيا وموروثا سعوديا منذ القدم، وأحد أهم الكنوز
حواس الطائفيين الخبيرة تنتقي أولى الأزهار التي تشكل في حياتهم اليومية نبعا ثقافيا وموروثا سعوديا منذ القدم، وأحد أهم الكنوز

تبدأ دورة حياة الورد الطائفي في شهر ديسمبر من كل عام، حين يعاود المزارعون العناية بحقوله وشجيراته، وبعد مرور 55 يوما يختلط أريجه مع عبق أشجار العرعر المورقة في ممرات البساتين، وتمتزج ألوان الطبيعة الغنية معلنة موسم قطاف بتلات الورد بالتزامن مع بواكير فصل الربيع من كل عام، ثم تنقل في أكياس إلى مصانع استخراج زيت الورد الطائفي.

وتنتعش حواس السيّاح في كل ربيع، إذ يحفزهم عبق البتلات المخملية على اقتناء ماء الورد الطائفي وعطوره الزكية من المصانع المحليّة التي تنتج أجود أنواع العطور في عبوات زجاجية جذابة يقتنيها الزائر لروعة شذاها.

وتعد زراعة الورد في السعودية إحدى الزراعات التي تنتشر في المملكة ابتداءً من مرحلة غرس الفسائل حتى تصنيع المنتجات النهائية للورد، كالعطور والزيوت العطرية، وتشتهر محافظة الطائف في منطقة مكة المكرمة بالورد الطائفي في حين تشتهر المدينة المنورة بالورد المديني، وأصبحا إحدى العلامات المميزة فيهما.

وتضم محافظة الطائف 860 مزرعة تنتج سنويًّا نحو 500 مليون وردة، إضافة إلى 45 معملًا لتصنيع منتجات الورد، وتُزرع شتلات الورد في الطائف بدءًا من شهر ديسمبر، وهو الوقت المناسب لحرث وتسميد حقول الورد وسقيها، وفي منتصف يناير حين تنخفض درجات الحرارة في المحافظة إلى نحو خمس درجات مئوية، يبدأ تقليم شُجيرات الورد استعدادًا لموسم الإزهار في فصل الربيع، إذ يبدأ موسم قطاف الورد في الطائف مع نهاية شهر مارس، ويستمر بين 35 و45 يومًا، وتنتج المزارع نحو 70 ألف وردة يوميًّا.

وتتركز زراعة الورد الطائفي في الشفا والهدا ووادي الأعمق ووادي البني ووادي محرم، إضافة إلى بلاد طويرق والمخاضة. وتشتهر الطائف بزراعة نوعين من الورد، الأول الورد الطائفي ذو اللون الأحمر الفاتح والرائحة النفاذة، والثاني هو الورد الأحمر القاني. ويؤخذ محصول الورد بعد حصاده إلى المصانع المحلية حيث يمر بعدة مراحل صناعية ليتحول إلى منتجات عطرية، كماء الورد وعطر الورد وماء العروس، إضافة إلى الزيوت العطرية والصابون ومعطرات الهواء والمناديل المعطرة، ويحتاج إنتاج تولة واحدة من عطر الورد الطائفي إلى نحو 13 ألف وردة.

تبدأ زراعة شجرة الورد المديني في منطقة المدينة المنورة نهاية فصل الشتاء، إذ تُزرع وتتكاثر عن طريق العُقْل أو الترقيد في التربة أو الترقيد الهوائي، وهي شجرة مستديمة، تبدأ الإزهار بعد ستة أشهر من زراعتها، وكلما زاد عمر الشجرة زاد إنتاجها.

استخراج الزيوت بطريقة عصرية
استخراج الزيوت بطريقة عصرية

وتتميز مزارع الورد في المدينة المنورة بأن إنتاجها يكون طيلة فصول السنة، بحيث يكون وفيرًا في الأجواء المعتدلة الأقرب إلى البرودة، ويقل مع ارتفاع درجة الحرارة صيفًا. وتخضع الشجرة بعد مرور سنتين من زراعتها لعملية التقليم، التي تُقص فيها السيقان المرتفعة ويُعاد طولها إلى نحو نصف متر، ويُستفاد منها في ظهور براعم وسيقان أكثر من السابق في كل سنة جديدة. ويُستخدم الورد المديني في صناعة أجود أنواع العطور وزيت الورد الخام وماء الورد الذي يُستخدم في التجميل والزينة.

وتزرع شجرة الورد في مناطق متعددة في السعودية لإجراء التجارب البحثية، ومعرفة أنسب الأماكن والظروف لزراعتها، إذ زُرعت نحو 100 شتلة من الورد الطائفي في وادي بن هشبل بمنطقة عسير، كما تُستكمل تجربة الزراعة بإجراء مقارنات زراعية في بعض المواقع الأخرى، منها منطقة المدينة المنورة ومحافظة سكاكا بمنطقة الجوف.

وفي مايو 2022 سجلت سلّة طائف الورد، التي ضمت أكثر من 84 ألف وردة من نحو 26 نوعًا، رقمًا قياسيًّا جديدًا في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كأضخم سلة ورد في العالم، إذ بلغ طولها 12.1 متر، وعرضها 7.98 متر، وارتفاعها 1.3 متر، واستُخدمت في صناعتها مواد من الحديد والفلين والبلاستيك والخشب. وهذه المواد، بما فيها الورد، مواد قابلة لإعادة التدوير، وبُنيت السلة بمشاركة 190 شابًّا وشابة من أبناء محافظة الطائف، استغرقوا في بنائها نحو 168 ساعة عمل.

16