الآرامية: أم اللغات السامية المهددة بالنسيان

انقرضت السريانية كلغة تخاطب بعد الفتح الإسلامي في معظم مناطق سوريا وفلسطين، ولكنها بقيت تصارع العربية عدة قرون في بعض مناطق سوريا ولبنان، حيث بقيت لغة حديث الناس في بعض القرى حتى أواخر القرن السابع عشر، وهي لا تزال تستعمل في الكنائس السريانية في سوريا والعراق ولبنان والهند.
الآرامية والأبجديات السريانية
الآرامية نسبة للشعب الآرامي الذي سمي كذلك نسبة للأرض المرتفعة التي كان يقطنها، ومثل التقاء اللغة الأكادية (بلهجتيها البابلية والآشورية) مع اللغة الكنعانية الفينيقية في سوريا وانطلقت الآرامية مع قيام الحضارة الآرامية وسط سوريا وكانت لغة رسمية في بعض الدول قديما ولغة الحياة اليومية في الهلال الخصيب، وأصبحت لغة الثقافة والعلاقات الدبلوماسية الأولى، وصار جميع سكان المنطقة يُسمّون بالآراميين نسبة للغة الآرامية. ونظرا لسهولة الحرف الآرامي تبناه الأكاديون في لغتهم الأكادية بدلا من الكتابة الصورية السومرية المسمارية وتم تداول اللهجة الآرامية السورية في الوثائق الرسمية في مختلف المناطق الآشورية، في العهد الآشوري (1100 ـ 612 ق.م)، إذ تبنت الدولة الآشورية اللغة الآرامية وأصبح المشرفون على الشؤون الإدارية يتقنونها أكثر من الأكادية، وقد تبنتها أيضا الامبراطورية الفارسية بدورها كلغة رسمية، إلى حين اعتنق الفرس الإسلام حيث بدّلوا الحرف الآرامي بالعربي.
وتعدّ الآرامية مصدرا لمعظم الأبجديات السريانية اللاحقة والحالية، لهذا توصف اللغة الآرامية بأم اللغات السامية، وبعد القرن الأول ميلادي تحولت منطقة الرها ونصيبين في شمال الرافدين (حاليا جنوب تركيا) إلى مركز ثقافي وروحي لنشر المسيحية، وتمكنت لهجة هذه المنطقة الآرامية من فرض نفسها على اللغة الأم وصارت الآرامية تعرف باللغة السريانية، وهي مشتقة من الآشورية.
السريانية كانت تعلم كلغة طقس كنسي وليس باعتبارها لغة قومية للآشوريين عبر دورات تعليمية على فترات متقطعة
عندما غزا اليونان (الإغريق) المنطقة بقيادة الإسكندر، أطلقوا على الآشوريين (أسيريان) وسميت اللغة الآرامية بالسريانية، كما أطلق الإغريق على المنطقة التي كان ينتشر فيها الآشوريون السريان وعنهم أخذت سوريا اسمها، وغدت السريانية اللغة الفصحى لجميع الكنائس المسيحية والمانوية البابلية في منطقة المشرق من خليج البصرة حتى سيناء. وفي مرحلة لاحقة ظهرت الحاجة إلى وضع قواعد للغة والضبط بالحركات للتمكن من قراءة الكتاب المقدس باللغة السريانية قراءة صحيحة، وهنا اختلف النطق الشرقي عن الغربي، وكانت تُكتب الآرامية بأبجدية واحدة وبعدة خطوط، أبرزها الخط (الإسطرنجيلي) أي خط الإنجيل، ثم ظهر اليعقوبي والنسطوري والملكي، كما كانت تُحكى بلهجات متعددة.
تاريخ هذه اللغة وما يرتبط بها لم يشفع لها لدى السلطات السورية التي لم تتمسك بها كإرث حضاري وديني، واقتصر تعليم اللغة السريانية في سوريا على المدارس الخاصة للآشوريين وهي تابعة للكنائس السريانية والكلدانية، وكانت السريانية تُعلّم كلغة طقس كنسي وليس باعتبارها لغة قومية للآشوريين عبر دورات تعليمية على فترات متقطعة.
آلام المسيح وإغلاق معهد الأرامية
بعد عرض فيلم “آلام السيد المسيح” عام 2004 الذي يُصوّر المراحل الأخيرة من حياته مستخدما اللغة الآرامية المحكية حتى الآن في بلدة معلولا وبلدات سورية أخرى كجبعبدين والبخعة، بدأت تحظى اللغة السريانية بلهجتها الآرامية القديمة باهتمام الباحثين الأميركيين والأوروبيين، وأُطلقت الدعوات لإعادة إحياء هذه اللغة. واستضافت معلولا صيف عام 2004 منتدى عالميا تمت خلاله كتابة وقراءة وتعلم النصوص باللغة الآرامية شارك فيه 120 باحثا من مختلف دول العالم، حيث رفع في حينها المشاركون توصية للقيادة السورية يدعون فيها إلى إنشاء مدرسة لتعليم اللغة الآرامية في معلولا، ولدوافع سياحية أصدرت السلطة السورية قرارا بإقامة معاهد لتعليم اللغة الآرامية في معلولا عام 2006.
الآرامية تعد مصدرا لمعظم الأبجديات السريانية اللاحقة والحالية، لهذا توصف اللغة الآرامية بأم اللغات السامية
تزامنت هذه الخطوة مع إدخال تعليم الآرامية إلى قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة دمشق، إلى جانب لغات سامية أخرى منها السريانية، لكن رمزية هذه المدرسة تم تسييسها من قبل بعض القوميين المعادين للتراث والثقافة السريانيين الآراميين، وبدؤوا يثيرون الشكوك حول سبب هذه الصحوة المتأخرة لإعادة إحياء اللغة الآرامية في سوريا.
وكانت تأثيرات الأزمة السورية على اللغة السريانية غير مباشر، فالحرب المستمرة منذ خمس سنوات تسببت في هجرة سريانية ـ آشورية من مختلف المناطق السورية، وشملت الهجرة الكادر التعليمي السرياني، فضلا عن أن الحرب حملت المزيد من الأعباء المادية والمعنوية والمجتمعية للمدارس الخاصة التي تُعلّم السريانية، وأدى كل ذلك إلى تراجع مستوى التعليم السرياني في سوريا. وتسببت تداعيات الحرب في تجميد مشروع جامعة سريانية خاصة (جامعة الأخطل) في القامشلي كان مقررا أن تفتح فيها كلية خاصة باللغة والآداب السريانية.