افتتاح مطار إسطنبول العملاق يذكّر بمحور الأزمات التركية

لندن - افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطار إسطنبول في احتفالية كبيرة بالتزامن مع ذكرى تأسيس الجمهورية التركية بمشاركة زعماء العديد من الدول والحكومات.
وتفوق طموحات المطار العملاق، الذي افتتحت مرحلته الأولى، جميع المطارات العالمية عند اكتمال مراحله الأربع بحلول عام 2028 رغم تشكيك المحللين في الجدوى الاقتصادية وقدرته على جذب ما يكفي من شركات الطيران.
وأعلن الرئيس أردوغان، خلال مراسم الافتتاح إطلاق اسم “مطار إسطنبول” على المطار الجديد، الذي يقام على مساحة 76.5 مليون متر مربع ويطمح لاستيعاب 200 مليون مسافر عند اكتماله بعد 10 سنوات.
ويسعى المطار لاستقبال 90 مليون مسافر سنويا في هذه المرحلة، ليصبح ضمن أكثر 5 مطارات ازدحاما في العالم، لكن تقديرات المحللين تشكك في إمكانية تحقيق ذلك بسبب موقع إسطنبول الذي لا يتوسط المسافات بين أسواق الطيران الكبرى.
200 مليون مسافر يسعى المطار لاستقبالهم بعد 10 سنوات وهو ما يستبعد الخبراء إمكانية تحقيقه
ومن المقرر أن يحل المطار الجديد محل مطار أتاتورك الدولي الذي استقبل قرابة 64 مليون مسافر في العام الماضي، فيما سجل مطار صبيحة كوكجن استقبال 30 مليون مسافر. ومن المخطط أن يضم المطار عند اكتمال مراحل البناء والتوسيع 6 مدارج ومبنيين لاستقبال المسافرين.
ويعد المطار نموذجا صارخا لاندفاع الرئيسي التركي نحو المشاريع الاستعراضية العملاقة التي تفتقر إلى حسابات الجدوى الاقتصادية والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لسقوط الاقتصاد في دوامة أزمات من المستبعد أن ينجو منها في الأمد القريب والمتوسط.
ويشير حجم المطار الهائل إلى أن حكومة أردوغان تسعى من خلال المشروع لمنافسة المطارات الخليجية العملاقة كمحطة توقف (ترانزيت) في مسارات الرحلات الطويلة بين أكبر أسواق السفر في العالم.
لكن آراء الخبراء تؤكد أن الموقع الجغرافي للمطار الذي لا يتوسط المسافة بين أي من الكتل السكانية مثل أوروبا وجنوب وشرق آسيا وأستراليا، سيحرم المطار من إمكانية القيام بذلك الدور.
ويبدو من المستبعد أن تختار رحلات شركات الطيران المتوجهة بين أوروبا وكل من أستراليا وجنوب شرق آسيا التوقف في مطار على بعد ساعتين أو 3 ساعات من الوجهات الأوروبية الرئيسية وأن تفضل محطات تقع في منصف مسافة الرحلات الطويلة.
ويجعل ذلك هدف استقطاب المطار لشركات الطيران لاتخاذه محطة ترانزيت بعيد المنال. وسيعتمد بشكل كبير على الخطوط الجوية التركية، التي تعاني من مشاكل شبيهة بمشاكل المطار بسبب خطط التوسع الجامحة، التي لا تستند هي الأخرى إلى دراسات جدوى اقتصادية رصينة.
وترزح الشركة تحت جبال من الديون بسبب صفقات شراء أعداد كبيرة من الطائرات التي ستتفاقم أعباؤها بسبب انحدار الليرة التركية، التي تأتي معظم عوائدها من خلال الرحلات المحلية.
وتؤكد تصريحات المدير العام للخطوط التركية، بلال أكشي في افتتاح المطار الجديد صعوبة استقطاب المسافرين الأجانب والعروض التي تقدمها لتحريك الطلب المحلي، والتي يمكن أن تفاقم أزماتها المالية في ظل انهيار الليرة التي فقدت أكثر من 40 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الحالي.
ويبدو يأس الخطوط التركية من إمكانية استقطاب أعداد مناسبة من المسافرين واضحا في العروض المفرطة للتخفيضات التي أعلنتها قبل شهرين من تسيير الرحلات.
وكشف أكشي أن الشركة طرحت أسعار التذاكر تتضمن خصما بنسبة 40 بالمئة على الرحلات الداخلية التي تبدأ من 49 ليرة، أي أقل من 8 دولارات، وفق الأسعار الحالية لليرة التركية.
وتؤكد مؤشرات الإقبال الضعيف على الرحلات التي تمر عبر المطار أنه سيواجه أفقا قاتما من اليوم الأول لافتتاحه الرسمي وتسيير رحلات الخطوط التركية من المطار يوم غد الأربعاء.
وينطوي مشروع المطار مثل العديد من المشاريع الاستراتيجية التي يفاخر بها أردوغان مثل الجسور المعلقة ونفق تحت مضيق البوسفور، على مخاطر شديدة بسبب استناده إلى طموحات استعراضية.
وتشير البيانات إلى أن تكلفة بناء المطار الجديد تجاوزت 11.7 مليار دولار. وتكمن انعكاسات انحدار الليرة في اقتراض نحو 5.7 مليار دولار، كانت تعادل 18 مليار ليرة عند اقتراضها قبل 3 أعوام، أما اليوم فإنها تعادل 40 مليار ليرة. ويفرض التمويل الكبير المعتمد على الاقتراض في تمويل بناء مطار إسطنبول، انتظار عوائد كبيرة ومتواصلة لكي يخرج المشروع بالحد الأدنى من التوازن أو عدم تسجيل خسائر تفاقم أعباء الديون.
ويتساءل الكثير من الأتراك عن موجبات بناء هذا المطار الضخم رغم التحديات والاعتراضات. ويرى الخبراء أنه كان بالإمكان جعل مطار أتاتورك، أكثر فاعلية بدلا من بناء مطار جديد.
ويلخّص نيهات غولتكين، المحافظ السابق للبنك المركزي التركي مشكلة مشاريع أردوغان الاستعراضية، بالقول “إذا اقترضت المال للتفاخر، فسوف يأتي يوم يطاردك فيه الدائنون وحين تكون الديون بالعملات الأجنبية فإن أعباءها ستكون مضاعفة بعد انهيار الليرة”.