افتتاح البرلمان التونسي في غياب الإعلام الخاص والعالمي.. غياب عملي وحضور معنوي

يثير غياب الإعلام الخاص والعالمي عن افتتاح أعمال البرلمان التونسي الجديد جدلا إعلاميا واسعا، بالتزامن مع الإشارة إلى أنه غياب عملي لكن حضوره المعنوي كبير جدا، في ظل تركيزه على ترويج صورة سلبية عن تونس بتغطية منحازة اختارت جانبا دون آخر.
تونس - أثار افتتاح البرلمان التونسي الجديد الاثنين أولى جلساته العامة وسط إجراءات أمنية مشددة ومنع لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية من تأمين التغطية الإعلامية، باستثناء التلفزيون التونسي ووكالة الأنباء الرسمية “وكالة تونس أفريقيا للأنباء”، وهي سابقة منذ ثورة 2011، جدلا إعلاميا واسعا.
وشهد محيط مبنى البرلمان انتشارا أمنيّا لافتا، ووضعت الحواجز لمنع ممثلي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية من الوصول إلى داخل البرلمان حيث تعقد الجلسة الافتتاحية، ما أثار احتجاجات وانتقادات من الصحافيين، فيما لم يصدر عن المكتب الإعلامي أي توضيح بخصوص أسباب المنع.
وقالت النائبة بالبرلمان الجديد فاطمة المسدّي إن مجموعة من النواب “ارتأوا الاقتصار على حضور الإعلام العمومي فقط” لتغطية الجلسة الافتتاحية من داخل مقر مجلس نواب الشعب.
وأوضحت المسدي، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، أنّ قرار منع وسائل إعلام محلية ومراسلي وسائل الإعلام الأجنبية صدر عن عدد من النواب، وهي من بينهم، وذلك في اجتماع قبل انعقاد الجلسة العامة الافتتاحية، مشيرة إلى أنه كان بهدف “تجنّب البلبلة وربّما نقل صورة لا تليق بالبرلمان”.
وأضافت أنّ لجنة النظام الداخلي، التي ستتكون، ستنظر في كيفية تنظيم العلاقة بين البرلمان ووسائل الإعلام، وكذلك العلاقة مع منظمات المجتمع المدني المهتمة بالشأن البرلماني، على غرار جمعية “البوصلة”.
وووصف أستاذ الصحافة والإعلام صلاح الدين الدريدي تصريح المسدي بأنه “دليل على تفشي الأمية الإعلامية والاتصالية لدى الطبقة السياسية”.
في المقابل، أكد نواب آخرون عدم علمهم بهذا القرار وأنهم تفاجؤوا به، مؤكدين رفضهم له وحقّ الإعلاميين في تغطية أول جلسة عامّة لمجلس نواب الشعب الجديد. وقال النواب عبدالرزاق عويدات عن حركة الشعب، ونسرين مرابط (مستقلة) ومعز بن يوسف (مستقل) إنهم “تفاجؤوا” بمنع الإعلام من الحضور، وأبرزوا أنّ “الإعلام ركيزة أساسية للعمل البرلماني”.
وكان عدد من الصحافيين المحليين ومراسلي المؤسسات الإعلامية الأجنبية تجمعوا الاثنين أمام باب مجلس نواب الشعب، بعد أن منعهم أعوان الأمن من الدخول لتغطية الجلسة الافتتاحية.
وعبروا عن رفضهم لهذا القرار، في الوقت الذي تعلل فيه الأمنيون بعدم وجود أسمائهم بالقائمات الخاصة بالصحافيين المعنيين بمتابعة الجلسة من داخل مقر البرلمان. واقتصرت التغطية الصحافية للجلسة من داخل البرلمان على صحافيين من مؤسسات إعلامية عمومية محلية، وهي التلفزة والإذاعة ووكالة تونس أفريقيا للأنباء.
وعبر صحافيون ومصورون وتقنيون ممن سمح لهم بالدخول إلى مقر مجلس النواب، وبينهم عضو نقابة الصحافيين ياسين البحري وكاتب عام مساعد الجامعة العامة للإعلام هادي الطرشوني، عن تضامنهم التام مع زملائهم الذين تم منعهم من الدخول.
ووصفوا ما حدث، في بيان، بـ”الممارسات الإقصائية” غير المبررة، وقالوا إنها “خطوة إلى الوراء في مجال حرية الصحافة والإعلام وفي الإنصاف والمساواة في الوصول إلى المعلومة والتغطية”. وطالبوا إدارة مجلس النواب بالتراجع فورا عن هذا الإجراء وتمكين كل وسائل الإعلام المحلية والدولية من ممارسة حقها وواجبها المهني.
وقالت نائبة نقيب الصحافيين أميرة محمد “ما يحدث خطير ويعكس تجاهل السلطات لوسائل الإعلام”.
ورغم تعبير عدد من الصحافيين عن استنكارهم من قرار المنع وضرب حقهم في تغطية أشغال الجلسة، اعتبر مراقبون أن الغياب رغم أنه معنوي فإن حضور الإعلام الخاص والعالمي كبير جدا في تونس، فالبلاد منذ مدة في عين العاصفة الإعلامية وهي تحظى بتغطية مكثفة من الإعلام العالمي، والتغطية في أغلبها “متحيزة”.
وفي الغالب لا يحظى الإعلام الخاص في تونس بثقة التونسيين. وفي الوقت الذي تخلّص فيه الإعلام من رقابة السلطة السياسية، يعاني الصحافيون من نوع آخر من الرقابة وهو “التدافع الاجتماعي” كما سمّاه زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، فالجميع يريد توجيه الصحافة.
وقد نجحت قوى سياسية تحت غطاء المال السياسي في توجيه وسائل الإعلام التونسية الخاصة نحو أجندات معينة. وتحولت بعض وسائل الإعلام الخاصة إلى أحزاب سياسية معارضة.
وتعد الوجوه المحسوبة على المعارضة ضيوفا دائمة على هذا الإعلام، محاولة تأليب الرأي العام المحلي والدولي ضد الحكومة عبر الاحتفاء بالتقارير السلبية عن تونس والترويج لها كمكاسب في معركتها مع الرئيس قيس سعيّد.
وفي وقت سابق انتقد الرئيس قيس سعيّد وسائل الإعلام انتقادا لاذعا. واعتبر أن بعض وسائل الإعلام تتعمّد في نشراتها الإخبارية تشويه الحقائق، حيث قال “يشوّهون الحقائق ويتحدثون عن بعض المسائل التافهة، ثمّ بعد ذلك يتحدثون عن القضايا الأساسية”.
واعتبر أستاذ الصحافة والإعلام صلاح الدين الدريدي في تدوينة على حسابه على فيسبوك “لو لم يكن الإعلام مصطفا لما اكتفى اليوم بالوقوف في نافورة باردو وهو يموت غما. الموقف مدعاة للإقرار بأن منظومة المهندس الإعلامية أضرت كثيرا بالبلاد والعباد وأن المعايير الدولية متاع المهندس الإعلامي طلعت فاشوش”.
وسبق لأستاذ علوم الاتصال والأكاديمي والباحث في الميديا الصادق الحمامي أن صرح بأنّ الرأي العام في تونس لا تحكمه العقلانية، بل توجّهه المشاعر، معتبرا أنّ الإعلام كان له دور كبير في ذلك.
وتابع “الإعلام ساهم بشكل كبير في أزمة الأجسام الوسيطة وتصاعد الشعبوية، بما يعني أنّه ساهم في ترسيخ أمراض الديمقراطية”. وأشار إلى أن الإعلام في تونس فشل في كسب ثقة الرأي العام بسبب عدم استقلالية غرف الأخبار عن الإدارات والقوى السياسية، وقال “المهنة لم تكن قادرة على بناء استقلالية حقيقية”.

وطرح خبراء في سياق آخر غياب الإعلام النيابي (البرلماني) في تونس الذي يبقي حلقة مفقودة في الإعلام منذ عام 2011 وحتى عام 2021.
وينتمي الإعلام البرلماني إلى مفهوم الإعلام السياسي، وإن أفضل تعريف لهذا العالم هو ما قدمه الباحث الاجتماعي الفرنسي دومينيك والتون، حيث قال “إن العالم البرلماني هو الفضاء الذي يتم فيه تبادل الآراء المتعارضة من قبل ثلاثة لاعبين هم: رجال السياسة، االعالميون والرأي العام.
وقد أكد خبراء ضرورة التفاعلية في النقاشات التي تدور بين هؤلاء اللاعبين، والذين من خلال مواقعهم في “المجال العام” يشكلون الشرط الأساسي لممارسة الديمقراطية الشاملة.
ويعتبر الدريدي أن “التغطية الإعلامية لافتتاح المجلس النيابي حكر على التلفزة الوطنية ووكالة تونس أفريقيا للأنباء، لأن الإشكال مهني بالأساس”. وأوضح أن “الإعلام النيابي فن ولم ينتبه له المهندس الإعلامي في برامجه التدريبية. التلفزة والوكالة متعودتان على النقل بأسلوب كرونولوجي جاف يشبه تقارير الحرس الوطني الخاصة بحوادث الطرقات وريبورتاجات فرحة عودة العيد من محطة باب عليوة”.
وأضاف أستاذ الصحافة والإعلام أن “الإعلام النيابي فن مجهول.. لا أحد قيّم مهنيا أداء الإعلام النيابي من 2011 إلى 2021. كان إعلاما يساير نهج التوافق السائد ولم يكن مدركا لمعنى المعارضة، لأنه لم تكن توجد معارضة أصلا. مع صعود كتلة الدستوري الحر كان الإعلام، بشكل عام، يعتبر المعارضة ضربا من ضروب الزيغ والضلالة. ما كشفت عنه آنذاك مثلا رئيسة حزب الدستوري الحر عبير موسي بهاتفها الجوال كان على الإعلام النيابي الحقيقي أن يكشف عنه قبلها”.