اغتيال سليماني يحيي ميليشيا "جيش المهدي" في العراق

بغداد – بعد ساعات من مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني أعلن مقتدى الصدر عن إعادة إحياء “جيش المهدي” في قرار وصف بمحاولة التماهي مع ردود فعل الميليشيات المسلحة الموالية لطهران في العراق.
وبرّر الصدر هذا القرار في بيان وجّهه إلى أتباعه بأنه لحماية العراق ووصف نفسه في ذلك البيان بأنه “المسؤول عن المقاومة العراقية الوطنية”، فيما يبدو القرار كجزء من ردود الفعل الإيرانية المتوقّعة داخل العراق على مقتل سليماني ونائب قائد الحشد الشعبي أبومهدي المهندس.
يعتبر مراقبون أن “جيش المهدي” هو مجموعة من ميليشيات مسلّحة تكوّنت من متطوعين ليسوا عسكريين، لديه تاريخ مثقل بانتهاكات قتل العراقيين منذ تأسيسه عام 2004 حين كان غرضه الأول المُعلن حماية المراقد الشيعية في العراق ثم تحوّل إلى طرف في صراع ضد القوات الأميركية وبعدها تحوّل إلى نزاع سياسي داخل العملية السياسية عبر مراحلها المتواصلة منذ تولّي إياد علاوي رئاسة الوزارة عام 2004 مروراً بالجعفري والمالكي والعبادي وأخيرا المستقيل عادل عبدالمهدي.
كان هذا “الجيش” يضمّ جميع التشكيلات الميليشياوية التي خرجت وتمرّد قادتها على الصدر في ما بعد بسبب المصالح النفعية المباشرة مع طهران وبتوجيه المقتول قاسم سليماني الذي أدار تلك المجموعات وفق نظريته اللوجستية بتعدد المنظمات والتشكيلات ليسهل اللعب بها دون الخضوع لأهواء زعيم واحد.
أوّل الخارجين عن مقتدى الصدر كان قيس الخزعلي وكذلك أكرم الكعبي زعيم ميليشيا “النجباء” وميليشيا “أبودرع” وميليشيا “الخراساني” التي رغم تبعيتها المباشرة لخامنئي إلا أن زعيمها علي الياسري كان تابعاً لجيش المهدي، وميليشيا أبوالفضل العباس التابعة لأحد شخوص التيار الصدري وهو قاسم الطائي.
في الثلاثين من أغسطس من عام 2018 نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية وثائق مسرّبة لاعترافات قيس الخزعلي خلال اعتقاله من قبل القوات الأميركية في العراق عام 2007.
وبحسب تلك الاعترافات فقد دفع الخزعلي نحو مليون ونصف المليون دينار عراقي عام 1997 للتهرّب من الخدمة العسكرية، وأقرّ بتنسيقه الدائم مع إيران وزياراته المتكررة إليها، حيث التقى خلالها ضباطا في المخابرات. كما ذكر بأن مقتدى الصدر توصل إلى اتفاق مع المخابرات الإيرانية عام 2003 لتمويل قيس الخزعلي، وذلك خلال زيارة القياديين الشيعيين إلى طهران في ذكرى وفاة الخميني. وبحسب الصحيفة فإن اعتقال قيس الخزعلي لم يدُم أكثر من عامين إذ أفرج عنه بصفقة تبادل أسرى مع ميليشيات شيعية.
وأبشع صفحات “جيش المهدي” بقيادة الصدر كانت عام 2006 بعد تدبير حادثة تفجير مرقد الإمامين (الهادي وحسن العسكري) في سامراء ثم مقتل الصحافية في قناة العربية أطوار بهجت، حيث تسرّبت الأخبار في حينها بأن المسؤول عن اغتيالها كان قاسم سليماني، ثم بدأت حملات القتل الجماعي للعرب السنة وإحراق 200 مسجد تابعة لهم عن طريق ما سمي بـ”فرق الموت” وهي الذراع العسكري لجيش المهدي التي نفذت عمليات القتل الوحشية التي وثقتها في ما بعد منظمات حقوق الإنسان في جنيف، مما دفع مقتدى الصدر للتبرؤ من مرتكبيها.

وكانت مواقف الصدر متذبذبة ما بين حلّ هذه الميليشيا ثم إعادة تنظيمها حسب ظروف علاقته برفاقه في الحكم، ففي نهاية أغسطس 2007 أعلن الصدر تجميد جيش المهدي لمدة ستة أشهر لإعادة تنظيمه، ثم أمر من جديد بعد انتهاء المدة بالتجميد لمدة ستة أشهر أخرى، قبل أن ينشط من جديد عام 2008 خصوصا بعد أن أصبحت خصومته بنوري المالكي ذات طابع دموي، حيث أشرف المالكي على عملية عسكرية أسماها “صولة الفرسان” تم خلالها سحق مقاتلي الصدر في مدينة البصرة.
وأعيد جيش المهدي مجدداً تحت اسم “سرايا السلام” للمشاركة في الحرب على داعش عام 2014، ثم لترابط تلك الميليشيا وإلى حدّ اليوم في مدينة سامراء تحت شعار “حماية المراقد المقدسة” هناك، في حين تتوارد الكثير من التقارير حول انتهاكات تلك الميليشيات ضد المواطنين هناك، ومصادرة العديد من ممتلكاتهم العقارية.
ويوصف الصدر برجل المفاجآت والتكيّف مع الأحداث ومحاولة التميّز بمواقف تبدو استقلالية لكسب الأنظار وإيهام جمهوره من الفقراء في المدن العراقية المسحوقة وخصوصا مدينة الصدر ببغداد. واشتغل على الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة القائمة فنظم مظاهرة كبيرة دخلت أبواب المنطقة الخضراء، واعتصم مع جمهوره فيها لحين إعلانه الانسحاب في أواخر مارس 2016 وادعائه بأن الرسالة وصلت، وفهمت على أنها رسالة قدّمها لرئيس الوزراء في حينه حيدر العبادي الذي قدّم برنامجا حكوميّا وصف بالإصلاحي لكنه لم ينفّذ.
وأثارت مواقف الصدر خلال العامين الماضيين الكثير من الأسئلة حول جدّية مواقفه مثلما يريد أن يوحي بأنه زعيم وطني. وحاول استثمار مهادناته مع العرب السنّة بعد ذلك السجل الدموي ضدهم، من خلال مبادراته بزيارة كل من السعودية والإمارات والأردن، وهي بلدان دائما ما تعاطت مع الشأن العراقي بما يحقق له الاستقرار والأمن. لكن هذه المواقف الموسمية وُصفت من قبل كثير من المتابعين بأنها لا تلغي علاقته الحميمة بطهران.
ويصفه كثيرون من الشيعة بأنه شريك رئيسي في كلّ الخراب الذي حلّ بالشعب العراقي، وهو مسؤول عن كلّ ما حصل له باسم الدين والمذهب والعقيدة. وما زال الصدر غامضاً بموقفه من ترشيح رئيس وزراء خلفا لعبدالمهدي الذي عيّن بقرار مشترك بينه وبين هادي العامري الذي أصبح الآن خليفة لأبي مهدي المهندس كنائب لهيئة الحشد الشعبي، ووصف الصدر في هذا الملف بأنه يتلاعب بقضية “الكتلة الأكبر” عن طريق التنازل عنها خروجا على أدبيات الدستور الذي يدير العملية السياسية بصورة وضعت رئيس الجمهورية أمام حرج كبير.