استفحال الأزمة الاقتصادية يقود شباب لبنان إلى هجْرِ التعليم

الأسر اللبنانية تعجز عن تحمل مصاريف دراسة أبنائهم في ظل الأزمة المالية الخانقة.
الاثنين 2022/03/14
نفور من التعليم

بيروت - تقود الأزمة المالية الخانقة التي يشهدها لبنان إلى نفور الشباب من التعليم وهجْرِه، حيث لم يعد يمثل في تصوّر هؤلاء مصعدا اجتماعيا.

وقبل اندلاع الأزمة المالية المدمرة في لبنان اعتقد فرج فرج أن الجامعة يمكن أن تصير سبيله للخروج من منزل العائلة المكتظ بأفرادها في منطقة فقيرة في بيروت والسير في طريق الاستقلال المالي.

غير أن التكاليف المرتفعة أجبرت الشاب البالغ من العمر 19 عاما -شأنه في ذلك شأن أعداد متزايدة من شباب لبنان- على ترك الدراسة قبل أكثر من عام، دون أن ينهي دراسته الثانوية.

وقال فرج فرج “في سنة 2020 تركت المدرسة بسبب الوضعية الاقتصادية والمادية الصعبة”.

وأضاف أن أهله لا يقدرون على تحمل مصاريف دراسته وفرص العمل معدومة في البلد. ورغم أنه كان يزاول تعليمه في مدرسة حكومية أوضح أنه أصبح من الصعب تحمل تكلفة المواصلات.

ألكسندر شاهين: المهارات المطلوبة لإعادة بناء لبنان لن تكون موجودة

وأظهر بحث أجرته الأمم المتحدة ونُشر في يناير الماضي أن 30 في المئة ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما في لبنان قد انقطعوا عن التعليم. وأوضح المسح أن المزيد من الشباب يفوتون بعض وجبات الطعام ويَعرضون عن الاهتمام بالجانب الصحي.

وفرج ووالداه وشقيقان عاطلان عن العمل وشقيقتان صغيرتان لا تزالان في مرحلة التعليم الابتدائي ينامون في غرفتين ضمن شقة صغيرة في برج حمود ببيروت، وهو حي به شوارع ضيقة ومزدحمة دمره انفجار مرفأ المدينة في الرابع من أغسطس عام 2020.

وقد أدت جائحة كورونا وانفجار الميناء، الذي لا تزال معالم دماره تشوه الواجهة البحرية لبيروت، إلى تعميق ما وصفه البنك الدولي بأنه أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وعلى الرغم من أن النخبة التي تتقاضى رواتب بالدولار لا تزال تملأ الحانات والمقاهي في الأحياء الراقية، ارتفع معدل الفقر إلى 80 في المئة ويكافح الكثيرون من أجل تدبير ثمن الطعام والأدوية.

وقال فرج “كنت أشتري بس كمان كان فيه صعوبات، ما كنا قادرين نشتري كل شيء، يعني هلا مع الأزمة هاي تأثرنا أكتر، صار مثلا أكل وشرب بس. ما فينا نجيب شيء تاني (صحيح كنت أقتني بعض الأشياء لكن كانت هناك صعوبات أيضا؛ إذ لم نكن قادرين على شراء كل ما نحتاجه، وبظهور الأزمة تأثرنا أكثر، صرنا مثلا نكتفي باقتناء ما نأكله ونشربه فحسب، لم يعد باستطاعتنا شراء أشياء أخرى)”.

ويتدرب فرج ليصبح مصفف شعر في برنامج تدعمه منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، ويهدف إلى مساعدة الشباب اللبنانيين الذين يواجهون البطالة المتزايدة أو أولئك الذين أمكنهم العثور على عمل بأجور منخفضة تبلغ دولارين يوميا.

وقال ألكسندر شاهين رئيس قسم الشباب في اليونيسيف في لبنان “بمجرد أن يترك الشاب المدرسة في سن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، من الصعب حقا إعادته إلى المدرسة، وبالتالي يدخل في سوق عمل محفوف جدا بالمخاطر مع نقص خطير في التعليم والمهارات”.

عباس الحلبي: صحيح، هناك الكثير من العائلات لم تعد مهتمة بالتعليم

وأضاف “(من أبرز) التداعيات أن المهارات المطلوبة لإعادة بناء لبنان وانتشاله من الأزمة لن تكون موجودة في البلاد”.

وتظهر بيانات الأمم المتحدة والحكومة أيضا انخفاضا في الإنفاق على التعليم والالتحاق بالمدارس بالنسبة إلى الأطفال دون سن الخامسة عشرة، فضلا عن ارتفاع معدل عمالة الأطفال.

ونقلت بعض العائلات أبناءها من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، لكن تلك العائلات كافحت لتوفير التعليم عن بعد عندما تفشى الوباء وتعرضت هذه المدارس للإضرابات المتكررة بسبب تدني أجور المعلمين بعد إعادة فتح أبوابها.

وترك الكثير من أعضاء هيئات التدريس في المدارس والجامعات وظائفهم أو غادروا البلاد، لينضموا بذلك إلى موجة متسارعة من هجرة العقول.

وقال وزير التربية والتعليم عباس الحلبي إن المشاكل مرتبطة بالأزمة السياسية والاقتصادية الأوسع في البلاد.

وأضاف أن هذه مشكلة جزئية من مشكلة البلد العامة “التي لا تقتصر إطلاقا على قطاع التربية والتعليم، المشكلة في البلد هي مشكلة كبرى تتعلق تحديدا بالثقة في مستقبل البلد”. وذكر أن هذا هو الموضوع الرئيسي “الذي يجب أن نفكر فيه لأن شباب لبنان يفقدون الأمل تدريجيا ويفقدون الثقة في استمرار عيشهم في لبنان”.

وتابع “صحيح أننا لاحظنا نزوحا أو تخليا أو تسربا على صعيد المدارس، صحيح هناك الكثير من العائلات لم تعد مهتمة بالتعليم. ولكنْ هناك أيضاً اهتمام كبير عند فئة من اللبنانيين بأنه هذا هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يعطوه لأولادهم”.

7