استفتاء الانفصال.. رهان أربيل للخروج بالصفقة الأفضل

يطمح الأكراد لإقامة دولة مستقلة منذ نهاية الحرب الأولى على الأقل عندما قسمت القوى الاستعمارية الشرق الأوسط، لكن، ولئن يبدو اليوم الوضع في المنطقة مناسبا لتحقيق هذا الحلم، فإن الأمر ليس بالسهولة التي ينظر إليها البعض، والأكراد أنفسهم واعون بذلك، إلا أنهم يسعون إلى الاستفادة قدر الإمكان من الفرص المتاحة في المرحلة الراهنة، وفيما بدأ أكراد سوريا خطواتهم الأولى نحو المطالبة بالحكم الذاتي، طرح أكراد العراق الذين حصلوا على الحكم الذاتي، مسألة الاستقلال التام والانفصال عن الخارطة العراقية، ضمن خطة يؤكد مراقبون أن الغاية الأساسية منها ليست الانفصال بل استثمار المكاسب الكردية على صعيد الأراضي وتعزيز نفوذ حكومة إقليم كردستان في الأراضي المتنازع عليها.
الجمعة 2017/09/15
نعم أم لا.. الغاية واحدة

بغداد- كان العراق من أول البلدان التي أعطت للأكراد حق الحكم الذاتي، ثم حصل الأكراد في العام 2005 على الحكم الفيدرالي. وانعكس ذلك على تطور المجتمع الكردي ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، لكن لم يكتف الطموح الكردي بهذا القدر من الاستحقاقات، وبدأ في التصادم مع الحكومة المركزية، ثم تطورت الخلافات بشأن صادرات النفط والميزانية، وغير ذلك، إلى أن وصل الأمر إلى حد إعلان الأكراد رغبتهم في الاستقلال التام والانفصال عن العراق.

ومن المنتظر أن يجري الأكراد الاستفتاء في 25 سبتمبر 2017، لكن بغداد تعارضه حيث صوت النواب لصالح رفضه. كما يعارض جيران العراق، تركيا وإيران وسوريا، الاستفتاء خشية أن يغذي النزعة الانفصالية بين سكانهم من العرق الكردي، فيما يساور القوى الغربية القلق من أن الاستفتاء في إقليم كردستان العراق شبه المستقل، الذي يشمل مدينة كركوك الغنية بالنفط، قد يصرف الانتباه عن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وحضت تركيا كردستان العراق على إلغاء الاستفتاء حول استقلاله، وحذر المتحدث باسم الرئيس رجب طيب أردوغان من أن هذا الاستفتاء سيؤدي إلى “عزل أربيل”. وقال إبراهيم كالين في مؤتمر صحافي في أنقرة “نتوقع من سلطات كردستان العراق في أربيل أن تتراجع عن هذا القرار السيء من دون تأخير”. وأضاف كالين أن إجراء الاستفتاء “سيعزز عزلتها لأنه، كما تلاحظون، ليس هناك بلد واحد باستثناء إسرائيل يدعم تنظيم هذا الاستفتاء حول الاستقلال”.

البرلمان العراقي صوت بالأغلبية على رفض استفتاء الإقليم الكردي. وألزم رئيس الوزراء حيدر العبادي باتخاذ كافة التدابير التي تحفظ وحدة العراق

استفتاء شكلي

مقابل القلق التركي من الاستفتاء، تبدو الأصوات الأخرى الرافضة له أقل قلقا، وإن توجهت إلى أربيل بتحذيرات هامة. ويرجع المراقبون هذا الموقف المزدوج إلى أن الفرضية الأكبر في ما يخص نتيجة الاستفتاء هي عدم حصول إقليم كردستان على الاستقلال التام. ويؤكد كثيرون من أن القرار في حد ذاته هو مجرد لعبة سياسية من الأكراد للخروج بأكبر قدر ممكن من الفوائد وسيبقى التهديد بالانفصال جوكر تلعب به أربيل كلما احتاجت. وحتى الكونغرس الأميركي، حيث يتمتع الأكراد العراقيون بتأثير، شدد على أن تبقى حكومة إقليم كردستان جزءا من الدولة العراقية من أجل تقديم الدعم العسكري للبيشمركة في المستقبل.

وتتبنى هذه الرؤية دنيز نتالي، زميلة أبحاث مرموقة في معهد الدراسات الإستراتيجية الوطنية في جامعة الدفاع الوطني الأميركية، موضحة في تحليل نشره مركز كارنغي، أن المراقبين وكذلك المسؤولين الأكراد، يدركون أن الاستفتاء لن يؤدّي إلى الاستقلال.

والاستفتاء، غير مُلزم، بمعنى أنه يتمحور حول استطلاع رأي سكان المحافظات الثلاث في الإقليم الكردي، وهي: أربيل والسليمانية ودهوك، ومناطق أخرى متنازع عليها، بشأن إن كانوا يرغبون بالانفصال عن العراق أم لا. لكن، حتى لو كان الاستفتاء غير ملزم، ستحاول حكومة إقليم كردستان استخدام النتائج كورقة ضغط على الحكومة العراقية. وإحدى الأولويات هي استثمار المكاسب الكردية على صعيد الأراضي وتعزيز نفوذ حكومة أربيل في الأراضي المتنازَع عليها، لا سيما كركوك وسهول نينوى. ويقتضي هذا المجهود إقناع المجتمعات المحلية – الكردية وغير الكردية – بأن مستقبلها سيكون أكثر إشراقا في ظل حكومة كردستان وليس الحكومة في بغداد.

وحق الأكراد في تقرير مصيرهم ليس موضوعا خلافيا بين أربيل وبغداد وحسب، إنما أيضا بين الفصائل الكردية. تتعلق الديناميكية الأولى بما يستطيع الأكراد كسبه من الدولة العراقية. أما الديناميكية الثانية فتتمحور حول المنافسة بين الفصائل الكردية على السلطة والإيرادات والموارد. وازدادت المنافسة بين الأكراد منذ انطلاق الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وعلى ضوء التحدّي الذي يطرحه حزب العمال الكردستاني والتنظيمات التابعة له، فضلا عن مجموعات كردية عراقية أخرى، على الحزب الديمقراطي الكردستاني المسيطر بقيادة مسعود البارزاني.

وهنا تشير نتالي إلى أن السؤال الأساسي المطروح بعد الاستفتاء ليس إذا كان التصويت بـ“نعم” سيؤدّي إلى تغيير الحدود العراقية الرسمية أو الوضع القائم، بل كيف يمكن أن تتسبب المنافسة بين الأحزاب الكردية على الحضور السياسي بالتحريض على النزاع بين الأكراد أو مجموعات أخرى داخل الدولة. وكان وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري دعا في لقاء مع وكالة رويترز، عشية تصويت برلمان كردستان العراق على مسألة الاستفتاء، زعماء أكراد العراق للاستعداد لمواجهة العواقب إذا أعلنوا الاستقلال من جانب واحد وإنهم سيجدون تنفيذه أصعب مما يتوقعون.

وصوّت البرلمان العراقي بالأغلبية على رفض استفتاء الإقليم الكردي. وألزم رئيس الوزراء حيدر العبادي باتخاذ كافة التدابير التي تحفظ وحدة العراق. وقال الجعفري “على الزعماء الأكراد أن يفكروا مليا قبل المضي قدما في خطوة الاستقلال”.

للتصدعات الكردية الداخلية تداعيات على الاستفتاء. فيمكن أن يكون للمنافسة بين الأكراد تأثير على النتائج

تصدعات الداخل الكردي

لئن لم تؤد تهديدات بغداد والتحذيرات الإقليمية والدولية إلى تراجع أربيل عن الاستفتاء، فإن هناك أسبابا أخرى قد تفشل مشروع الاستقلال برمته، حتى لو كانت أغلبية أصوات الاستفتاء “نعم”. ومن غير المرجّح، وفق دنيز نتالي، أن تنجح الأصوات الكردية المعارِضة في منع الاستفتاء أو الحؤول دون فوز خيار الـ“نعم” في التصويت. وقد يواجه مسعود البارزاني معارضة داخلية من مجموعات كردية أخرى تتحدّى سلطته، وتشمل الاتحاد الوطني الكردستاني، وحزب غوران (التغيير)، والأحزاب الإسلامية، وحزب العمال الكردستاني والتنظيمات المحلية التابعة له – على الرغم من الجهود التي بُذِلت مؤخراً لتوحيد الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. ربما تحلم جميع هذه الفصائل بدولة كردية وتعرّف عن نفسها بأنها كردية أولا، لكنها تختلف في أجنداتها السياسية وحلفائها الإقليميين، والمسارات التي تسلكها نحو الاستقلال. وتتسبّب هذه الديناميكيات بتعطيل قيام مشروع متجانس إثنيا لفرض حق تقرير المصير.

وأعادت التصدّعات الداخلية التأكيد على الانقسامات بين المعسكر الموالي للحزب الديمقراطي الكردستاني والمعسكر المناهض له، وتسبّبت بزيادة احتمالات العنف. وتعرّض النشطاء المستقلون الأكراد الذين يعارضون الاستفتاء أو ينتقدونه للتهديدات وجرى اعتقالهم واتهامهم بـ”الخيانة”. وردا على القيود السياسية والأزمة الاقتصادية المستمرة في إقليم كردستان، اليأس وليس أحلام الاستقلال هو الذي يحرّك عددا كبيرا من الشباب الأكراد. لقد أصبح بعضهم لامباليا، ويسعى آخرون إلى الهجرة، في حين تجنح شريحة أخرى نحو التشدد وتنضم إلى السلفيين أو حزب العمال الكردستاني. وتَظهر هذه النزعات في دولة عراقية تعاني من انقسامات شديدة.

للديناميكيات الكردية الداخلية تداعيات على الاستفتاء ونتائجه. فهي تُظهر أنه يمكن أن يكون للمنافسة بين الأكراد تأثير على تقرير المصير مواز لا بل أكبر من التأثير الذي تمارسه التشنّجات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية. وفي غياب الإصلاح السياسي والحوافز المالية لدى حكومة إقليم كردستان، وافتقارها إلى مصدر مستقل للإيرادات حتى التصويت بـ”نعم” سوف يشكّل تحديا للاستقرار داخل إقليم كردستان والأراضي المتنازع عليها.

7