استغلال طلاب الدكتوراه يكشف الوجه الآخر للجامعات

لندن - دفعت أزمة استغلال الطلاب، خصوصا طلاب الدراسات العليا، الذين يخوضون تجارب التدريس بالعديد من المؤسسات الجامعية، المسؤولين والأكاديميين إلى المطالبة بالكفّ عن السير في هذا النهج غير المشروع، والذي يصل أحيانا إلى حد التنكّر لسداد أجور هؤلاء.
وتؤكد مصادر أن العديد من الطلاب ممن يعملون بمجال التدريس في الجامعات يحصلون على أجور أقل من الحدّ الأدنى، كما أنهم يعملون بعقود غير آمنة ولا يوجد من ينوب عنهم أو يمثلهم.
ومثلما هو الحال في العديد من الجامعات، يعمل طلاب الدراسات العليا بمجال التدريس والشرح والتعليم وغيرها من الأعمال الأكاديمية إلى أن يحصلوا على درجة بحثهم.
ورغم أن هذه التجربة تعتبر مفيدة لكلا الطرفين، إذ أنها تمكن الطلاب من خوض في المسار المهني مبكرا، حيث يستطيعون من خلالها أن يكتسبوا بعض الخبرات في مجال التدريس والتعامل مع الطلاب، إضافة إلى أنها تعدّ مصدرا مهمّا للعمالة بالجامعات. إلا أنه في الوقت الذي يتعين فيه على الطرفين الاستفادة من هذه الخبرات، يتخذ العمل في بعض الأحيان مسارا استغلاليا وغير رسمي وغير مدفوع الأجر.
ويقول أحد الطلاب من الذين يتعرضون إلى مثل هذه الممارسات “بصفتي محاضرا مساعدا وطالب دكتوراه واجهت شخصيا بعض هذه المشكلات في جامعتي، بل واستمعت إلى أسوأ التجارب من زملائي الطلاب”. ويضيف “هناك بعض المشكلات التي يواجهها طلاب الدكتوراه في مؤسستي ومنها الدفع المتأخر وأحيانا غير الموجود للرواتب، إضافة أيضا إلى التأخير في توقيع العقود وعدم كفاية المرافق المكتبية للطلاب وعدم وجود تدريب رسمي وجولات تعريفية ودعم للموظفين الجدد”.
ويعترف أكاديميون بالجهد الكبير الذي يبذله هؤلاء الطلاب لإنجاز مهامهم على أكمل وجه، في المقابل واستنادا إلى مصادر أكاديمية، فإنهم لا يحصلون سوى على القليل مما ينتظرونه.
وبالنظر إلى كم الأعمال التي يتوجب على الطلاب إنجازها بشكل سليم، سواء كان الإعداد المسبق أو التعليم أو التعامل مع استفسارات الطلاب، فإن العديد من طلاب درجة الدكتوراه يقومون بعمل أكثر بكثير مما يتقاضونه.
ومثلما جرت العادة يحصل طلاب الدكتوراه على حوالي 5 جنيهات إسترلينية في الساعة (أقل من الحدّ الأدنى للأجور) عند أخذ وقت التحضير في الاعتبار.
وهذه الحقائق أكدها “تقرير اتحاد الطلاب القومي لعام 2012” الذي ورد فيه أن “ما يقرب من واحد من كل ثلاثة طلاب في مرحلة الدراسات العليا يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور”.
كما ﺷﻌر ﻣﺎ ﯾﻘرب ﻣن ﻧﺻف طلاب التقرير أن السياسة التي يتقاضون وفقها رواتبهم “ﻏﯾر ﻋﺎدﻟﺔ”، ﻻ ﺳﯾﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﯽ ﻋدد اﻟطﻼب اﻟذﯾن ﯾﺟﺑرون ﻋﻟﯽ التدريس ﮐﺷرط ﻟﺗﻟﻘﻲ هذا اﻟﺗﻣوﯾل. وتوضح بعض الأبحاث الحديثة التي قام بها اتحاد الجامعات والكليات مدى اعتماد القطاع الجامعي على هذا النوع من التوظيف، حيث أن أكثر من ربع الموظفين الذين يدرّسون بالجامعات (وليس فقط طلاب الدراسات العليا) في المتوسط يتم تعيينهم بعقود مدفوعة الأجر بالساعة. كما وجد اتحاد الجامعات أن نصف جميع الموظفين الأكاديميين لا يشعرون بالأمان في وظائفهم.
وكان وزير التعليم العالي البريطاني داميان هيندز قد صرح بأن نظام التعليم العالي يتمتع بنقاط قوة عديدة وسمعة عالمية رائعة، لكنه في المقابل أكد أن جامعات بريطانيا تضم عددا كبيرا من الطلاب المحرومين.
وكثيرا ما يكون قبول الاستقالة هو الرد المعتاد على مثل هذا النوع من القضايا داخل الأوساط الأكاديمية، فالعمل غير مدفوع الأجر هو أمر ضروري لتسلق السلم الوظيفي الأكاديمي.
وهو أيضا جزء لا يتجزأ من عملية التسويق الأوسع التي تجتاحها الجامعات. ولكن ربما يكون هذا أحد مظاهر الثقافة الغادرة للشركات، حيث تدفع الرواتب المرتفعة لكبار الموظفين، بينما يتقاضى الموظفون الصغار مبالغ قليلة، وغالبا ما يكون ذلك وفق عقود غير آمنة.
ومما يضاعف من أثر تلك الحقيقة أن العديد من طلاب الدكتوراه يجدون أنفسهم تائهين وسط خلل أنظمة التمثيل الرسمية. فيما تبقى بعض نقابات الطلاب بمنأى عن إطلاق حملات لمناقشة حقوق توظيف طلاب درجة الدكتوراه خشية ألا تتماشى هذه الحملات، التي يقومون بها نيابة عنهم، “مع أهدافهم الخيرية” في الحملات التي يقومون بها لصالح قضايا الطلاب.
لذلك تقف النقابات العمالية مكتوفة الأيدي إذا لم يتم توظيف هؤلاء الطلاب بشكل رسمي من قبل الجامعة أو أحد أعضاء النقابة. ولا يوجد أي تمثيل قومي محدد داخل الاتحاد الوطني للطلاب، على الرغم من أنه تم تمرير اقتراح في أحدث مؤتمر له يدعو إلى مراجعة تمثيل طلاب الدراسات العليا.
ويحتاج طلاب الدراسات العليا إلى شنّ حملة منسقة للتصدي لممارسات التوظيف الاستغلالية. ويجب أن تدار هذه الحملات من قبل نشطاء وحلفاء محليين، وتحت قيادة الاتحاد الوطني للطلاب واتحاد الجامعات والكليات على المستوى الوطني.
ويقر خبراء بأن الجامعات يجب أن تخجل من تعاملاتها الخادعة مع طلاب الدراسات العليا، حتى أن الموجة الأخيرة التي أثارها بعض نشطاء الحرم الجامعي، والتي بدأها نزاع تخفيض الرواتب التقاعدية، أظهرت ما يمكن تحقيقه عندما يعمل الطلاب والموظفون معا.
لكن يقف طلاب الدراسات العليا حائرين بين الطرفين، خشية أن يتم إهمال شؤونهم بشكل واضح. لكن الوقت قد حان من أجل تعزيز ثقافة يتم بواسطتها الدفاع عنهم وتعزيز الدور الذي يقومون به.