استغلال الشمس يمكّن دول شمال أفريقيا من سد عجز الطاقة

تدرك دول شمال أفريقيا وقادتها أن مواردها الطبيعية من الطاقة المتجددة هي الحل الأمثل أمامها لسد العجز في الطاقة، ورغم أنها بالفعل تسير نحو إقامة مشاريع كبرى في هذا المجال إلا أنها لا تزال تفتقر إلى السياسات الجدية وتشكو من بيروقراطية إدارية تقف عائقا كبيرا أمام المستثمرين.
تونس - دفعت أزمة الطاقة العالمية كل الدول إلى تقييم مواردها التقليدية والبحث عن تعزيز مواردها المتجددة ومحاولة استغلالها لتحقيق اكتفائها الذاتي في المستقبل. ومن هذه الدول بلدان شمال أفريقيا التي تحاول منذ سنوات الاستثمار في الطاقة الشمسية دون تحقيق تقدم كبير.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية تمكنت بلدان شمال أفريقيا خلال العقد الماضي من زيادة إنتاجها من الطاقة المتجددة بنسبة 40 في المئة، إلا أن هذا لم يخفّض استخدام الوقود الأحفوري.
ورغم امتلاك المنطقة بعض المشاريع التي تعدّ مِن بين الأكبر عالميّا في مجال الطاقة المتجددة مازالت الحكومات تسير ببطء في هذا الاتجاه، في ظل الظروف الراهنة المتأثرة بالأزمات الاقتصادية المحلية والدولية والبيروقراطية الإدارية المتفشية.
تدارك التأخير
تنعكس أشعة الشمس على العشرات من ألواح الطاقة الشمسية المنتشرة في بحيرة تونس، الساعية كغيرها من الدول المغاربية لتدارك تأخرها في استغلال هذا المصدر الطبيعي للطاقة المتوفر على مدار العام تقريبا.
ورغم عوائق البيروقراطية على المستوى الإداري، إلاّ أن الكثير من الدول تقدمت أشواطا مهمّة في إنتاج الطاقة الشمسية، على خلفية ارتفاع أسعار المحروقات جرّاء الحرب الروسية – الأوكرانية وازدياد الوعي بأهمية العودة إلى الموارد الطبيعية واستغلالها، بحسب خبراء.
ويقول الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن مايكل تانشوم إن “الضغط الهائل على الغاز الطبيعي وبالخصوص في أوروبا غيّر معادلات الاستثمار في هذا المجال”.
لكن توجد في كل من “الجزائر وتونس والمغرب موارد هائلة من طاقة الشمس والرياح”، وفقا لتانشوم المتخصص في التجارة والطاقة والشؤون الجيوسياسية في منطقة شمال أفريقيا.
ويأمل المدير في شركة “كيير” عمر الباي أن يكون نموذج محطة الطاقة الشمسية العائمة في البحيرة الواقعة في العاصمة التونسية، والتي تنتج 200 كيلواط وتعد الأولى في منطقة شمال أفريقيا، محفزا على إطلاق مشاريع أخرى مشابهة في المنطقة.
ويؤكد الباي أن تونس التي تملك موارد محدودة “ليس لديها خيار آخر سوى المراهنة على مصادر الطاقة المتجددة”.
وتمتلك محطات الطاقة العائمة خاصية التبريد الطبيعي للألواح مما يجعلها أكثر فائدة، فضلا عن كونها تفسح المجال أمام عملية استخدام الأراضي “استخدامات أخرى كالزراعة أو بناء المساكن”، بحسب الباي.
ويعد مناخ دول المنطقة معتدلا إلى حار بينما تقدّر ساعات سطوع الشمس بالآلاف على مدى العام بأكمله، وهو ما يعزز إمكانية أن تصير المنطقة أحد عمالقة إنتاج الطاقة الشمسية البديلة ويصبح بمقدورها تلبية احتياجاتها الخاصة بل وحتى التصدير إلى أوروبا.
شلل سياسي
يرجع تانشوم التأخر في استغلال هذا المورد إلى وجود “شلل سياسي” تسبب فيه غياب الاستقرار السياسي مع تعاقب نحو عشر حكومات على البلاد خلال العقد الأخير.
فضلا عن ذلك، فإن تونس مثقلة بالديون في إطار أزمة تحتدّ يوما بعد يوم على خلفية تداعيات وباء كوفيد – 19 والحرب في أوكرانيا التي أدت إلى زيادة فاتورة وارداتها من المواد الغذائية والطاقة المدعومة من الدولة.
وغالبا ما تواجه المشاريع عقبات قانونية وإجراءات إدارية معقدة بسبب البيروقراطية، كما يؤكد رئيس “الغرفة النقابية الوطنية لتركيب وصيانة المعدات الفولطاضوئية” علي الكنزاري.
فمثلا، الألواح التي يتم توريدها من خارج البلاد “تتعطل أحيانا لمدة شهر أو شهر ونصف الشهر في الجمارك. نحن بحاجة إلى قوانين أكثر مرونة ويحتاج المسار برمته إلى التعجيل”، بحسب الكنزاري.
وبدوره يشير الباي إلى وجود “خلاف” مع نقابات في الشركة التونسية للكهرباء والغاز تعارض أي محاولة لخصخصة الشركة.
وأبرز مثال على ذلك مشروع محطة الطاقة الذي أقيم في الصحراء قرب تطاوين لإنتاج 10 ميغاواط وتزويد 10 آلاف أسرة بالكهرباء، ولم تبدأ الاستفادة منه إلا في أكتوبر، أي بعد سنتين من إنشائه.
أمل رغم الصعوبات
لكن ما زال هناك بعض الأمل، بحسب الباي الذي يؤكد “(أنّنا) تجاوزنا اليوم كلّ هذه المشاكل”.
واليوم فسحت السلطات في المنطقة مجال تدارك ما فات من تأخير، بحسب الخبير الذي يرى أن “المغرب هو البلد الوحيد الرائد” في هذا المجال مقارنة بالجزائر وتونس.
وقد اتخذت المملكة المغربية منذ عام 2009 خطوات استثمارية هامة في مجال الطاقة المتجددة وحددت هدف أن تشكّل الطاقة النظيفة نسبة 52 في المئة من مجموع أنواع الطاقة لديها بحلول عام 2030. وحاليا يأتي خُمس إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة.
وتؤكد وزارة الطاقة المغربية أنها “تجني ثمار رؤيتها بـ111 مشروعا تم إنجازه أو بصدد التطوير في مجال الطاقات المتجددة”.
وأحد البرامج الرئيسية التي تم إحداثها في المغرب هو مشروع “إكس - لينك”، بطاقة توليد تتجاوز 10 غيغاواط، ويعتمد على الشمس والرياح. يصدّر المشروع الطاقة إلى بريطانيا عبر كابلات (أنابيب أسلاك) في البحر بطول 3800 كيلومتر. ويهدف إلى تزويد سبع ملايين أسرة بحلول عام 2030.
وأطلقت تونس مشروعا أكثر تواضعا لكنه مشابه. وفي أكتوبر الماضي قدمت طلبا للحصول على مساعدة أوروبية من أجل مد كابل بطول 200 كيلومتر يربطها بإيطاليا، وهو مشروع بقيمة 800 مليون يورو، تأمل البلاد في أن يبدأ الخدمة بحلول عام 2027.
ولو أمكن إنجاز هذا المشروع بطاقة إنتاجية تتراوح ما بين 4 و5 غيغاواط في جنوب تونس “لتمكنت البلاد من بيع الكهرباء لأوروبا وحصّلت عائدات مهمة من ذلك” وتفادت التأخير، في تقدير الكنزاري.
أمّا الجزائر المجاورة، والتي تدرك تمام الإدراك أن مواردها من الغاز ستنضب يوما ما، فحددت لنفسها أيضا هدفا طموحا لإنتاج 15 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2035. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل الجزء الأول من مشروع ضخم بقدرة 1 غيغاواط في نهاية عام 2023 أو مطلع 2024.
لكن الجزائر لا تنتج حاليا من الطاقة الشمسية غير كميات من الكهرباء محدودة لا تتجاوز 3 في المئة.
وأفادت رئيسة برنامج شمال أفريقيا في معهد الشرق الأوسط انتصار فقير بأنه على الرغم من التسهيلات عبر سنّ التشريعات “لا تزال هناك صعوبات أمام الاستثمار الأجنبي، بما في ذلك البيروقراطية الجزائرية”.
