استعجال أم تريث لتطوير العلاقات بين مصر وتركيا

مصر تتريث في إتمام التطبيع مع تركيا بالرغم من زيارة وزير الخارجية سامح سكري إلى أنقرة، وذلك بسبب العجز عن حل كافة الخلافات، فيما يطح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إنهاء مختلف الترتيبات لاستثمار التهدئة في الانتخابات المقررة في مايو 2023.
كان من المتوقع أن تسفر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى أنقرة الخميس عن عودة سفيري البلدين، غير أن هذا القرار جرى تأجيله، ما يعني أن هذه الخطوة في حاجة إلى رتوش أخرى عليها، أو أنه لم يتم حل كافة الخلافات العلاقة حتى الآن، مع أن تصريحات الوزير المصري ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو في المؤتمر الصحفي المشترك جاءت إيجابية للغاية.
كما أن القمة التي ألمح إليها الوزيران بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان لم يتم تحديد موعد أو مكان لها، ما يشي بأن انعقادها وعودة سفيري البلدين تم تأجيلهما لما بعد الانتخابات الرئاسية التركية في مايو المقبل.
عززت اللقاءات الثلاثة التي عقدها سامح شكري ومولود جاويش أوغلو في تركيا ومصر خلال الشهرين الماضيين الحديث حول وجود تقدم لافت في التفاهم بشأن آليات حل القضايا الخلافية، بما يوحي بالاستعجال لطي الصفحة القاتمة بين البلدين، غير أن تتويجها بعودة السفيرين يؤكد أن هناك تفاصيل لا تزال عالقة، ومن الضروري التعامل معها بتريث لحل شفراتها وكي لا يتعطل قطار التطبيع.
وأخذت تركيا على عاتقها زمام المبادرة في مواقف عديدة حيال مصر الفترة الماضية، وبدت أنها أكثر حرصا على تطوير العلاقات لدرجة حرق مراحل متعددة، ما قابلته القاهرة بقدر مرتفع من التمهل والحذر، تارة للتأكد من حسن نوايا أنقرة في ما جرى التوصل إليه من تفاهمات سياسية وأمنية متعددة، وتارة أخرى لأنها تريد التيقن من تخلي تركيا عن مناوراتها المعروفة في التعامل مع بعض القضايا الإقليمية.
وفي الوقت الذي كانت القاهرة تسعى فيه للحصول على المزيد من التطمينات للشروع في تدشين عودة العلاقات رسميا، بدأ يداهمها قطار الانتخابات التركية وخشيت من التفسيرات الخاطئة لعملية تبادل السفراء سريعا، وبدلا من النظر إلى الأمر على أنه استئناف لعلاقة مع بلد رئيسي في المنطقة قد ينظر للمسألة على أنها مصالحة مع تركيا – أردوغان الذي يواجه انخفاضا في شعبيته مع اقتراب موعد الانتخابات.
ويتعامل النظام التركي مع ورقة تطبيع العلاقات مع قوى إقليمية، مثل السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر، على أنها تأكيد لتوجهات جديدة يتبناها في التعامل مع المنطقة، واستبدال لسياسة لم تحقق أهدافه وعليه القيام بانحناءة وتعديل للدفة والتأقلم مع التطورات الإقليمية، والتي تفرض عليه عدم التمادي في خصوماته السياسية.
ويرى أردوغان أن تطبيع العلاقات مع قوى إقليمية كبيرة في الوقت الراهن يمكّنه من دخول الانتخابات الرئاسية بأقل مستوى من العداوات الخارجية كي يحرم خصومه في الداخل من توظيف هذه الورقة سياسيا، في خضم معركة انتخابية متوقع أن تكون ساخنة بعد أن تمكنت المعارضة من تشكيل تحالف واسع، ويمكن أن يمثل مرشحها كمال كليجدار أوغلو رقما مهما في منافسة الرئيس أردوغان.
في هذا السياق تم النظر إلى عودة العلاقات مع مصر على أنها مهمة في تقديرات أنقرة، وإذا حدثت قبل الانتخابات لأوحت بأن النظام التركي تنصل فعلا من سياساته التي قادته إلى الدخول في خصومة مع القاهرة وما انطوت عليه من تدخلات إقليمية سافرة في شؤون دول أخرى، ورعاية لجماعات الإسلام السياسي في المنطقة.
وترى المعارضة التركية هذه السياسة خاطئة وأنها كبدت الدولة خسائر معنوية باهظة، وكادت مغامرات الرئيس أردوغان في هذا الاتجاه تفضي إلى أزمات تؤثر على الشعارات العلمانية التاريخية التي تتبناها الدولة وتتمسك بها المعارضة، بمعنى آخر تؤثر على هويتها وتورطها في معارك غير مجدية.
لم تكن هذه المعادلة خافية في طريقة استعجال تركيا وتريث مصر في التوجه نحو التطبيع الشامل للعلاقات، وإذا كانت الأولى رأت أن هذه الخطوة تساعدها في غلق أحد الأبواب التي تهب منها الريح، فإن الثانية رأت في التمهل وسيلة لعدم خسارة المعارضة التركية التي تزداد حظوظها وفرص فوزها في الانتخابات المقبلة.
وتحوّل المزاج العام في تركيا بشكل كبير ضد أردوغان وتوجهاته الاقتصادية والسياسية والأمنية، ما يؤثر على الانتخابات الرئاسية، ومن هنا سيفسّر الموقف المصري المتقدم في عملية التطبيع على أنه استعجال يصبّ في مصلحة أردوغان.
ولم تظهر القاهرة اكتراثا مباشرا بما يدور في تركيا من معارك بشأن الانتخابات، غير أن هذا المحدد لم يكن خافيا في قرار عودة السفراء، والذي كان يمكن اتخاذه منذ بضعة أشهر ولم يكن في حينه سيحمل تفسيرات على أنه ضمن الحسابات الانتخابية لأنقرة ، وبما أن القرار تأخر لأسباب لها علاقة بما جرى التوصل إليه من تفاهمات فضلت القاهرة التريث دون أن توحي بوجود خلافات بين البلدين أو أن الهوة سحيقة.
وكشفت تصريحات سامح شكري ومولود جاويش أوغلو في اجتماعهما بأنقرة عن وصول التفاهمات إلى مستوى مرتفع في غالبية القضايا المختلف حولها، وفي مقدمتها ليبيا التي يمكن أن تشهد تعاونا ثنائيا بخصوصها، ما يوفر فرصة حقيقية لاختبار النوايا لأن السيطرة المحسوبة على ورقة الإخوان من قبل تركيا يمكن أن تنفلت عقب الانتخابات ونجاح أردوغان.
النظام التركي يتعامل مع ورقة تطبيع العلاقات مع قوى إقليمية، مثل السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر، على أنها تأكيد لتوجهات جديدة يتبناها في التعامل مع المنطقة
ومن المؤكد أن أنقرة تفهم جيدا أسباب تريث مصر ورسالتها من وراء تأخير خطوة عودة السفراء، وحاولت هضمها سياسيا للحفاظ على ما تحقق من تطور، فالشكل العام لما تم من حوارات في القاهرة وأنقرة بين وزيري خارجية البلدين يقول إن عودة السفيرين قريبة، وتعليقها حتى إشعار آخر لن يضر كثيرا بأهداف كل طرف.
ويشير الخطاب العام لمصر وتركيا إلى أنهما قطعتا شوطا كبيرا في مجال التطبيع، وما تبقى لا يخرج عن وضع بصمات أخيرة، توقف وضعها بلا تفسير واضح، غير أنها ليست بعيدة عن معركة الانتخابات الرئاسية، والتي من المنتظر أن تكون ساخنة جدا، وإذا ربحها أردوغان لن يحدث ذلك بسهولة وقد يجعله فوزه البسيط أشبه ببطة عرجاء ويخرج منها مكبلا بالمزيد من القيود الداخلية والخارجية.
ويؤكد الاستعجال من جانب تركيا والتريث من قبل مصر أن العلاقات بينهما ينتظرها فصل جديد في المرحلة المقبلة، ليس بالضرورة أن يكون جزءا من الفصل السابق أو متطابقا في إيجابياته لأن نتيجة الانتخابات سوف تلعب دورا مهما في تحديد شكلها، ولذلك آثرت القاهرة أن تصل إلى نقطة في منتصف الطريق، لا تريد أن تتقدم عليها أو تتأخر عنها، فهي صيغة توفر لها شبكة أمان في حالة فوز أردوغان أو خسارته.