استخبارات المصادر المفتوحة أساسية للدول لمواجهة التهديدات

واشنطن - يربط معظم الناس كلمة استخبارات بالمصادر والاجتماعات السرية والجواسيس، لكنهم لا يدركون أنه في الحقيقة مازالت أجهزة الاستخبارات تعتمد على معلومات المصادر البشرية والاتصالات التي يتم اعتراضها.
وفي القرن الحادي والعشرين أصبحت استخبارات المصادر المفتوحة أو العلنية أمرا لا غنى عنه لفهم الأعداء وغالبا ما تكون المصدر الأساسي والأكثر أهمية للمعلومات الأكيدة. فوفقا لمقال مفصل عن قوة استخبارات المصادر المفتوحة نشرته صحيفة وول ستريت جورنال يأتي 80 في المئة مما يحتاجه أي رئيس أميركي أو قادة عسكريون أميركيون من استخبارات المصادر المفتوحة.
إذن ما هي استخبارات المصادر المفتوحة؟ ولماذا تعتبر مهمة للغاية في عام 2023؟
في المجتمعات المغلقة أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي للمعارضة مشاركة المعلومات مع العالم الخارجي
يقول الدكتور إيريك مانديل مدير الشبكة المعلوماتية والسياسية للشرق الأوسط، وساريت زهافي الرئيسة التنفيذية لمركز ألما للأبحاث والتعليم الإسرائيلي، التي عملت 15 عاما كضابطة في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في تقرير نشرته مجلة ناشونال أنتريست الأميركية “إن استخبارات المصادر المفتوحة باختصار هي عملية الجمع والتحليل الدؤوب للمعلومات من مجموعة واسعة النطاق من الأوساط العسكرية والاستخباراتية والشرطية وأوساط الأعمال”.
وأسفر التطور الهائل الذي عرفته وسائل التواصل الاجتماعي -ابتداء من مقاطع الفيديو الفورية مرورا بالمدونات وغرف الدردشة وليس انتهاء بتويتر وفيسبوك- عن فرص لم يسبق لها مثيل للتعرف على شخصيات ومجالات لا تحقق فيها الاستخبارات البشرية والاستخبارات التي يتم اعتراضها نفس الفاعلية، أو أنها ذات كلفة باهظة بينما يتم الحد من تعرض مصادر الاستخبارات البشرية للخطر.
وعلاوة على ذلك تؤدي استخبارات المصادر المفتوحة إلى إدخال تغيير كبير على تحليل الاستخبارات السرية.
وعلى هذا الأساس، فإن استخبارات الأجهزة المفتوحة والاستخبارات البشرية والاستخبارات البصرية والاستخبارات التي تم اعتراضها مجتمعة تتيح لأجهزة الأمن القومي والأجهزة الدبلوماسية للدولة القيام بعمل استباقي لإحباط التهديدات وإبلاغ الحلفاء والتفاوض من موقع قوة ومواجهة المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية بمعلومات دقيقة، خاصة ذات النوايا العدائية.
الصين لديها نحو 100 ألف محلل يتابعون التطور العلمي والفني عالميا من خلال المصادر المفتوحة
وأوضح مانديل وزهافي أن أهمية الاستخبارات المفتوحة ليست غائبة عن بال أعداء الولايات المتحدة أيضا. فبالنسبة إلى الصين على سبيل المثال، قال وليام هاناس الأستاذ بجامعة جورج تاون إن لدى بكين “نحو 100 ألف محلل يتابعون التطور العلمي والفني عالميا” من خلال المصادر المفتوحة. وحتى في المجتمعات المغلقة أتاح النمو الهائل الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي لقوى المعارضة الأدوات اللازمة لمشاركة المعلومات مع العالم الخارجي. وعموما، فإن المعارضة الإيرانية كانت أول من كشف عن البرنامج النووي الإيراني المتقدم.
ولكن ربما يكون المجال الخاص هو الأكثر شعورا بتأثيرات استخبارات المصادر المفتوحة، فشركات الاستخبارات الخاصة قد تفوق أجهزة الاستخبارات الحكومية في جمع المعلومات الأكيدة؛ إذ هناك وحدة استخبارات تابعة لشركة داو كيميكال الأميركية، التي تستخدم فقط المصادر المفتوحة، توقعت الغزو الروسي لأوكرانيا في 23 فبراير العام الماضي.
ووفقا لما ذكره كبار المسؤولين السابقين الذين قضوا عشرات السنين في العمل ضمن المجالات السرية لتلك الأجهزة، تمثل الزيادة في استخبارات المصادر المفتوحة، التي تشمل كل شيء من صور الأقمار الاصطناعية التجارية إلى مواقع التواصل الاجتماعي وقواعد البيانات التي يمكن شراؤها، تحديات كبيرة لوكالات المخابرات المركزية وأجهزة التجسس الأخرى.
ومع ذلك لا تخلو استخبارات المصادر المفتوحة من سلبيات، لا بد من مراعاتها.
أصبح من الواضح بشكل متزايد اليوم أن محللي استخبارات المصادر المفتوحة المتخصصين المبدعين يمكنهم رسم صورة ممتازة للحقيقة
ومن بين هذه السلبيات أنه في ضوء الكم الهائل للغاية من استخبارات المصادر المفتوحة يتعين على المحللين المتخصصين بشكل ما الفصل بين الغث والسمين.
ومصادر الاستخبارات المفتوحة لا نهاية لها وتشمل تحليل التصريحات الصحفية، والمواقع الإلكترونية، والصحف الحكومية، والصور التجارية الخاصة من الأقمار الاصطناعية، والتقارير الفنية، وقواعد بيانات الشركات والحكومات، والملاحظات المباشرة، وغير ذلك.
ويضيف مانديل وزهافي أن المعلومات الزائدة عن الحد تمثل مشكلة محتملة يتعين التعامل معها. وفي الماضي كان الناس يميلون إلى الاعتقاد بأن المصادر السرية توفر المعلومات الأكثر أهمية. واليوم أصبح من الواضح بشكل متزايد أن محللي استخبارات المصادر المفتوحة المتخصصين المبدعين يمكنهم رسم صورة ممتازة للحقيقة، ولكن ذلك مشروط بقدرة المحللين على تكثيف كمية هائلة من المعلومات في منتج استخباراتي ملموس ومتاح.
ثم هناك المشكلة التي يمثلها التضليل؛ فعلى مدى سنوات طويلة تعين على أوساط الاستخبارات، التي تعتمد على مجموعة كاملة من مصادر الاستخبارات، أن تحذر من ذلك. وهناك اعتقاد بأن استخبارات المصادر المفتوحة يمكن أن تكون أكثر تحديا بالنسبة إلى محللي الاستخبارات، حيث قد يكون هناك خطر أكبر من هذا التضليل.
وفي الوقت نفسه من الواضح اليوم أن كل شكل من أشكال الاستخبارات، سواء كان مصدرا مفتوحا أو سريا، صار “مصابا” بالتضليل. وأصبح الحكم الملائم والتقييم الدقيق أكثر أهمية.
كما أن المعلومات السرية التي يتم تسريبها إلى المصادر المفتوحة تمثل سلاحا ذا حدين: فبينما يمكن أن تكون المعلومات مساعدة لصانعي السياسات الذين لم توفر لهم أجهزتهم الأمنية هذه المعلومات المسربة، تكمن المشكلة في أن العدو صار يعرف ذلك أيضا.
ويقول مانديل وزهافي في ختام تقريرهما إنه “لا أحد يعرف مستقبل الاستخبارات، ولكن تقدير أهمية استخبارات المصادر المفتوحة، إلى جانب الاستخبارات البشرية والاستخبارات التي يتم اعتراضها، سوف يوفر لنا فرصة لإطلاع قادتنا على أفضل المعلومات لحماية مصالحنا ومجتمعاتنا من أولئك الذين يرغبون في إلحاق الضرر بنا”.