استحواذات الجيش الجديدة لا تؤثر على تمكين القطاع الخاص بمصر

قلل خبراء من تأثير عودة جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش إلى التوسع في النشاط الاقتصادي، على مسار الإصلاح الهيكلي في مصر أو الاستثمار الأجنبي، واعتبروه وضعا مؤقتا لإعادة التوازن للقيم العادلة للأصول وعدم بيعها بأسعار بخسة.
القاهرة - خطت الحكومة المصرية خطوات بغرض حفظ حقوق الأجيال القادمة بعد أن استشعرت مخاطر الانجراف وراء تعليمات صندوق النقد الدولي، وتدخلت جهات تابعة للجيش لشراء كيانات كبرى خوفا من الاستغناء عنها مقابل حفنة من الدولارات.
ويبدو لبعض المتابعين أن مصر تخالف الاتفاق مع صندوق النقد أو لا تلتزم بشروط وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تقضي بإفساح المجال أمام القطاع الخاص، لكن حرص السلطات على استقرار البلاد يدفعها إلى استخدام أدوات بديلة لتوفير العملات الصعبة، مثل إصدار سندات الباندا والساموراي وغيرهما.
ما يقوم به جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة من استحواذ على بعض شركات القطاع الخاص هو طريق فرضته دواع اقتصادية لدعم الكيانات المحلية عند طرحها للبيع أو البورصة.
وبلغة أسواق المال، يمكن وصف دور الجهاز بأنه “صانع سوق” ويعني قدرة الشركة على التدخل في البورصة لبيع أو شراء الأسهم والسندات بشكل نظامي من أجل توفير السيولة الكافية والعدالة والتوازن السعري ثم تخرج مباشرة.
ويقول خبراء إن هذا وضع استثنائي ومنهج اقتصادي يتم عبر "اتفاقية المساهمين"، إذ تلتزم الشركات التابعة للدولة ببيع الحصص التي تشتريها في فترة قصيرة لاحقة حتى لا تزاحم الكيانات الخاصة وتكون سببا في هروب الاستثمارات.
ويوحي هذا الاتجاه بوجود تذبذب في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، لكنه لن يعيد مصر إلى ما انتهت أو كأن شيئا لم يحدث بخصوص تمكين القطاع ومرونة التعامل مع المؤسسات الدولية والجهات المانحة.
وتبرهن ذلك المفاوضات من جانب صناديق سيادية خليجية للاستحواذ على كيانات مصرية، مثل اعتزام الذراع الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة السعودي زيادة حصتها في شركة إي فاينانس إلى 28 في المئة، وتسعى ADQ التابعة لجهاز أبوظبي للاستثمار إلى شراء حصص في نحو 3 كيانات تابعة لوزارة البترول المصرية.
وأعلنت شركات أجنبية مثل رولنج بلس وبلاك دونتس الفنلندية قبل أيام توقيع عقد إنشاء مصنع إطارات باستثمارات تبلغ مليار يورو بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بالإضافة إلى استمارات أجنبية وخليجية أخرى تم الإعلان عنها بعد الاستحواذ الأخير من جانب الجيش على ثلاث شركات تابعة لمجموعة بشاي للصلب.
وكشفت وزارة المالية المصرية عن اتفاق كل من صندوق النقد الدولي والقاهرة على دمج المراجعتين الأولى والثانية في توقيت واحد من المتوقع تحديده مع نهاية العام الجاري، وأن المفاوضات مع الصندوق تسير بشكل مثمر وفقا للشروط المتفق عليها.
وأبدت ثلاث شركات محلية خاصة للصلب، وهو المجال الذي اقتحمه جهاز مشروعات الخدمة الوطنية أخيرا، اهتمامها بالاستحواذ على شركة الدلتا للصلب المملوكة للحكومة، وهي شركات الجيوشي والمراكبي والجارحي للصلب.
ويؤكد الخبراء أن هذه الكيانات لو رأت أن الجيش يزاحمها في قطاعها لما قررت السباق لشراء 100 في المئة من حصة الدلتا التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، وهذه رسالة تدعم ثقة القطاع الخاص في الاقتصاد وعدم منافسة الدولة.
وتسعى القاهرة لتوجيه رسالة لصندوق النقد الدولي وشروطه القاسية، حيث يضغط عليها لتنفيذ إجراءات اقتصادية أكثر خطورة في وقت قصير قد تهدد السلم الاجتماعي، ولن تحل مشاكل الاقتصاد، ويتمثل ذلك في مراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وحدد صندوق النقد المراجعة الأولى في مارس الماضي للتسهيل الائتماني الممتد الذي تمت الموافقة عليه في ديسمبر الماضي بعد الحصول على 350 مليون دولار، وجرى تأجيلها إلى وقت غير معلوم.
وقال إبراهيم بشاري، عضو جمعية مستثمري الإسماعيلية (شرق القاهرة)، إن سياسة مصر في التعامل مع صندوق النقد الدولي تسير في اتجاه حماية الأمن والسلم الاجتماعيين دون اكتراث بنظرة المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف الائتماني، بعد استشعار مخاطر شروط الصندوق على طبقات محدودة ومتوسطة الدخل في البلاد.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه ينبغي تطويل أمد مراجعات الصندوق لبرامجه لتصل إلى عام على الأقل، لأن قيمة القرض الذي تحصل عليه البلاد من الصندوق ضئيلة ويصعب الرهان عليها لحل أزمة شح العملة، ويطلب تحريرا كاملا للاقتصاد والتخلص من الشركات القومية بأي وسيلة .
وكان يمكن أن توافق السلطات على شروط صندوق النقد بكاملها، لكنها آثرت الحفاظ على الاستقرار، وبدا ذلك في حالتين، الأولى عندما صرح الرئيس عبدالفتاح السيسي في يونيو الماضي بأن قضية سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية أمن قومي، مع تأكيده مرونة الدولة في الوصول إلى سعر صرف مقبول للجنيه أمام الدولار.
والثانية عندما رفضت السلطات المالية التفريط في الشركات المملوكة للجيش والحكومة إلا بأسعار تتماشى مع القيمة العادلة باستثناء الشركات المطروحة في البورصة وتخضع لسعر السوق، وهذا يظهر حاليا من خلال تدخل جهاز مشروعات الخدمة الوطنية وهيئة التأمينات الاجتماعية لشراء بعض الأصول مؤقتا، لإظهار القيمة الحقيقية لها عند بيعها لمستثمر إستراتيجي أو بالطرح في سوق المال.
وعلى الرغم من التأخر في بيع الشركات المحددة ضمن برنامج الطروحات الحكومية، لكنها تحت أعين مستثمري الخليج، وستكشف الفترة المقبلة مرونة التفاوض بينهم والمسؤولين بمصر.
وأكد بشاري أن الجنيه المصري مقوم بأقل من قيمته بنحو 30 في المئة وفق تقديرات مؤسسات وبنوك دولية، وينبغي أن يتراوح سعره بين 20 و23 جنيها على الأكثر للدولار الواحد، وهو تحليل تؤمن به الحكومة، لذلك ترفض التفريط في الأصول.
وتسعى مصر إلى توجيه رسالة للصندوق بأنها لن تفلس أو تتعثر بسبب الـ 354 مليون دولار التي يرفض الإفراج عنها إلا بعد المراجعة، حيث استطاعت أن تسدد أقساط الديون في حينه وتفرج عن البضائع بالجمارك بأدوات مالية أخرى.
أوضح الخبير الاقتصادي المصري عبدالنبي عبدالمطلب أن الوضع يُظهر تضاربا في تنفيذ برنامج الإصلاح ا، لكن مصر لا تريد التفريط في أصولها حماية للأجيال القادمة وكي تحصل على عروض تليق بقيمة الكيانات التابعة لها.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الخطوة الحالية رسالة موجهة للشارع بأن السلطات لن تتخلى عن مقدراتها بقيم بخسة ولو ترتبت على ذلك مخاوف لدى المستثمرين، وما يحدث من استحواذ لشركات خاصة لا يعيد الأوضاع إلى سابق عهدها. وأشار عبدالمطلب إلى أن مصر تريد أن تكون البائع والمشتري للأصول، فتشتري بغرض النمو وتبيع بأفضل الأسعار، لذلك تمهد الشركات للطرح في البورصة.
وبعثت السلطات المصرية بإشارة إيجابية للمستثمرين المصريين الراغبين في شراء كيانات محلية بأن الأصول ستظل مرتفعة القيمة لمن يرغب في الاستحواذ عليها، ولن تزاحم القطاع الخاص طالما قدم عروضا بقيم عادلة للشراء.
ويدلل على ذلك باستحواذ مجموعة طلعت مصطفى على حصص مؤثرة في ملكية وحقوق إدارة 7 فنادق مهمة تابعة للحكومة بقيمة بلغت نحو 1.9 مليار دولار، كما أنها لا تمانع في استثمارات الشركات الخاصة خارج البلاد، ما يعزز الناتج القومي.