استحضار المؤسسة العسكرية في الجدل الانتخابي المصري

شخصيات مدنية طرحت الاستعانة بالجيش لعبور مرحلة التحديات.
الأحد 2023/10/08
هل يقدر الجيش على الحياد

المؤسسة العسكرية تظل مرتبطة بشكل دائما بأيّ انتخابات بما في ذلك لدى التيارات المدنية التي تطالب بتحييدها لكنها تضطر للاستنجاد بها للبحث عن تغيير أو تأمين الانتخابات وضمان شفافيتها. لكن المؤسسة تكتفي بالصمت مع إشارات مقتضبة توحي بأنها الطرف الذي يتحكم في كل تفاصيل المشهد.

نأت المؤسسة العسكرية في مصر بنفسها عن الجدل الدائر حول الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في ديسمبر المقبل، لكن البعض حاول استحضارها بطرق مختلفة، انطلاقا من دورها الحيوي خلال الفترة الماضية، ويقينا بأنها أحد أهم صمامات توفير الأمن والهدوء والاستقرار في البلاد، وحظيت بسمعة طيبة في الوجدان العام للمصريين.

وظهرت ملامح الجدل حول الجيش في الانتخابات الرئاسية في موقفين مباشرين، أحدهما دعوة القيادي في التيار الليبرالي الحر عماد جاد بترشح رئيس أركان الجيش سابقا الفريق محمود حجازي في الانتخابات، والثاني بيان أصدره رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات وحث فيه الجيش على المشاركة في إدارة العملية الانتخابية، كإشارة لضمان نزاهتها، كما حدث في انتخابات عام 2012.

ولم يمرّ الموقفان مرور الكرام وحظي كلاهما بتفسيرات متعددة، فدعوة حجازي للترشح فُهمت على أنها تحفّظ على استمرار الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، وكان لاختيار هذا الاسم دلالات عدة، من بينها أن الرئيس المصري أقال صديقه وصهره حجازي منذ سنوات، ما خلق انطباعات بوجود خلافات بينهما، بينما مناشدة الجيش بالمشاركة في إدارة الانتخابات هي دليل على عدم الثقة تماما في الإدارة المدنية لها.

وحوت التفسيرات استنتاجات مهمة أخرى، أبرزها أن المؤسسة العسكرية تتوقع سيناريوهات قاتمة على المدى المنظور، أبرزها أن يزداد الفضاء العام غضبا وسخطا وسخونة قد تؤدي إلى تظاهرات عارمة فيصبح الجيش هو الملاذ كالعادة.

لتجاوز توتر علاقته مع بعض قيادات الجيش، السيسي يلجأ إلى الاعتماد على المؤسسة العسكرية في الكثير من المهام المدنية
◙ لتجاوز توتر علاقته مع بعض قيادات الجيش، السيسي يلجأ إلى الاعتماد على المؤسسة العسكرية في الكثير من المهام المدنية

وجاءت دحرجة أو تسريب اسم حجازي كنوع من التمهيد السياسي وجس النبض لهذا الاحتمال، ومن غير المستبعد أن يتم طرحه اسمه في مرحلة لاحقة، فالمهم أن تظل المؤسسة العريقة الحائط الصلد الذي يستند عليه المصريون مهما كانت الخلافات مع قيادات تنتمي إليها، باعتبار أن البلاد لن تتحمل رئيسا مدنيا في هذه المرحلة.

وألمح أنور السادات قبل أشهر إلى ما أطلق عليه “المرشح المفاجأة”، وتمت الإشارة وقتها من جانب متابعين إلى رئيس جهاز المخابرات العامة سابقا اللواء مراد موافي، ناهيك عن طرح اسم مساعد وزير الدفاع المصري الأسبق اللواء فؤاد عبدالحليم، ونفى قريبون من موافي وعبدالحليم عزمهما دخول سباق انتخابات الرئاسة.

وتعبر الإشارات المباشرة أو الضمنية إلى المؤسسة العسكرية أو أحد أفرادها في مواقف متفرقة عن استمرار ثقة كثير من المصريين بها، ولا تعبّر عن ممانعة الجيش لترشح الرئيس السيسي لفترة رئاسية جديدة، فقد حصل على موافقة المجلس العسكري وأعلن ترشحه رسميا وشرع في الإجراءات العملية اللازمة لدخول الانتخابات.

وجاء الحديث عن الجيش والانتخابات في خضم محاولات من قبل جماعة الإخوان لإحداث شرخ مقصود بين المؤسسة العسكرية والسيسي، وزادت التكهنات والتخمينات حول وجود تباين بينهما للوصول إلى هذا الهدف والإيحاء بأن الرئيس خسر القوة الصلبة التي يستند عليها، وتوصيل رسالة للمواطنين أن الجيش بات محايدا.

ويتنافى هذا الاستنتاج مع دور الجيش الذي حدده الدستور المصري، فمهمته “حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد”، بصرف النظر عن هوية الرئيس، وهل ينتمي للمؤسسة العسكرية أم لا.

ويعلم السيسي فحوى التقارير والشائعات التي راجت مؤخرا حول توتر علاقته مع بعض قيادات الجيش، وتحسّب لهذا السيناريو مبكرا فكان يلجأ دائما إلى الاعتماد على المؤسسة العسكرية في الكثير من المهام المدنية، ما يشير إلى عمق الثقة بين الطرفين، ولن يستطيع التخلي عن عناصرها، وفي كل المحكات الرئيسية كان الجيش حاضرا.

ومع أن هذه المسألة وثقت العلاقة بين الرئيس وجيشه، إلاّ أنها أثارت غضبا في أوساط القوى المدنية، لأن تنامي الأدوار واتساعها اصطحب معه تأثيرات سلبية على قطاعات مدنية متباينة، وهو ما انتبه إليه البعض من القادة الكبار في الجيش، لاسيما بعد أن بدأت ملامح الرفض لقرارات وإجراءات السيسي الاقتصادية تتخطاه وتحمّل الجيش جزءا من المسؤولية التضامنية.

ويؤكد الزج باسم الجيش أو أحد أفراده في مواقف عديدة أهمية دوره في الحياة المصرية العامة، وليس فقط في النواحي العسكرية، فمقتضيات الدفاع عن الأمن القومي لا تتوقف على حماية الدولة من الأعداء في الخارج، ففي صميمها حمايتها في الداخل.

وهي العلامة التي منحت الجيش دورا مركزيا في مصر على مدار العقود الماضية، وفي أحلك فترات الرفض لتوسع دوره لم يشكك غالبية المواطنين في أهميته كرمانة ميزان مهمة، وجهة قادرة على ضبط مفاصل الدولة في مجالات مختلفة.

تنطوي الإشارات المتباعدة للجيش على عدم التفريط في دوره خلال المرحلة المقبلة، وبقدر ما أراح ذلك شريحة من المصريين قلقت من التحديات التي تواجهها الدولة، بقدر ما أزعج شريحة أخرى داخل التيار المدني تريد حصر دور الجيش في القطاعات التي تقع في نطاق اختصاصه والمتعلقة بالأمن القومي، وترى أن الفرصة مواتية لنقلة مدنية مباشرة دون الحاجة إلى قائد عسكري يقود لفترة معينة كمرحلة انتقالية.

◙ الجدل حول الجيش المصري أو أحد قادته في موسم الانتخابات يعكس صعوبة استبعاده في هذه المرحلة على الأقل

فمن هؤلاء من يعتقد أن الرئيس السيسي من الواجب أن يقوم شخصيا بدور مهم في تهيئة البلاد نحو انتخاب رئيس يخرج من صفوف القوى المدنية، وأن تصبح فترته الرئاسية الثالثة معنية بإعادة ترتيب البيت المصري لتحول ديمقراطي حقيقي.

ويعزز الجدل حول الجيش المصري أو أحد قادته في موسم الانتخابات صعوبة استبعاده في هذه المرحلة على الأقل التي تشعبت فيها أنشطته، بما يصعّب الاستغناء عنه، لأن استبعاده فجأة من معادلة الحكم ربما يجرّ متاعب كثيرة على الدولة، فلا توجد أحزاب مدنية متماسكة تتولى القيادة، والترهل وأصاب معظم مؤسسات الدولة، فضلا عن استمرار الإخوان كقوة خفية في الشارع، ولا توجد جهات مدنية وازنة في مقابلها.

وتنزعج فئة في النخبة المصرية من إعادة المعادلة التقليدية، الجيش في مواجهة الإخوان أو العكس، لأنها تشي بخروج التيار المدني وأحزابه من أيّ دور في المستقبل القريب، لكن إذا اضطر هذا التيار للاختيار فحتما لن يختار جماعة دينية فاشية.

لذلك لا تمانع هذه الفئة من وجود الجيش كعنصر مركزي في الدولة شريطة أن يخفف قبضته السياسية والإعلامية، وهو الشرط الذي يوفر صيغة تفاهم مناسبة مع المؤسسة العسكرية، ويمكن من خلاله تقويض الكثير من السلبيات التي رشحت الفترة الماضية.

ومهما كان غضب المعارضة المصرية من تصورات وسياسات الرئيس السيسي لم يصل مداه إلى التشكيك في الجيش، وهو العامل الذي ظهرت تجلياته في طرح أسماء عسكرية من قبل شخصيات مدنية، ما يعني أن معالم الاحتجاج على الأوضاع الراهنة لم تصل إلى المؤسسة العريقة حتى الآن، ولا تزال الملاذ لتجاوز التحديات الصعبة.

4