استثمارات الخليج.. هل هذا ما يريده المصريون

دخلت بعض الدول الخليجية عبر صناديق الثروة السيادية فيها سباق المنافسة للفوز بفرص استثمارية في مصر، بحافز من تطوير البنية التحتية، ومناخ استثماري ملائم، وأسعار أصول رخيصة بدرجة كبيرة مع انهيار الجنيه أمام الدولار، فضلاً عن اضطرابات الأسواق العالمية التي أنهكت الاحتياطي النقدي الأجنبي في البنك المركزي.
القاهرة - أثار فتح السلطات المصرية الباب على مصراعيه لبلدان الخليج لشراء أصول في الشركات الحكومية العملاقة الفترة الماضية، لاسيما شركات الأسمدة التي مضى على تأسيسها نصف قرن وتجلب العملة الصعبة للبلاد، جدلاً واسعًا في الشارع، مع اعتبار الحكومة أن ذلك استثمار في وقت يعاني فيه الاقتصاد من شُح العملة.
وتنصب ملامح الاقتصاد الجديد الذي تتحول إليه مصر على توطين الصناعات وجذب الاستثمارات المباشرة المحلية والأجنبية، حيث شهد العام الجاري ضخ استثمارات خليجية في صندوق مصر السيادي بلغت نحو 3.5 مليار دولار، تمثلت في شراء حصص في شركات يتعاون فيها الصندوق مع نظرائه في السعودية والإمارات.
وتلوح في أفق المشهد الاستثماري الجديد تدفقات استثمارية من الكويت إلى السوق المصرية على غرار تعهدات الدول الخليجية الأخرى بضخ استثمارات تصل قيمتها إلى 22 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد في التغلب على الرياح المعاكسة العالمية. كما تعهدت قطر باستثمار خمسة مليارات دولار كجزء من الجهود الخليجية الأوسع لدعم اقتصاد البلاد.
ومنذ أيام زار وفد من رجال الأعمال القطريين القاهرة بهدف تطوير علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري مع مجتمع رجال الأعمال والشركات القطرية، وتنمية الاستثمارات المشتركة، وتعزيز التعاون مع صندوق مصر السيادي.
وتأتي الاستثمارات الخليجية المتدفقة على مصر في إطار إعادة هيكلة الاقتصاد، وما تشهده الدولة ليس بدعة اقتصادية أو اختراعًا، فالحكومة تسعى لتحقيق ازدهار اقتصادي عبر تحرير القطاع الخاص، ومنحه الفرصة للانطلاق، لذلك دشنت وثيقة سياسة ملكية الدولة.
تكمن أهمية هذه الاستثمارات بشكلها الحالي المترجم في شراء الأصول المصرية في أنها بمثابة جس نبض لأوضاع الاستثمار في مصر ومدى التسهيلات المناسبة للاستثمار، وبمجرد كسب الثقة وتفعيل وثيقة سياسة ملكية الدولة من المتوقع أن تظهر الاستثمارات الخليجية المباشرة بشكلها الحقيقي في تأسيس مختلف المشروعات.
وثيقة سياسة ملكية الدولة التي أعلنت عنها مصر عملت بها أكثر من 80 دولة وفق تصريحات عدد من مسؤولي الحكومة، وهي جزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي يهدف إلى إدارة أصول الدولة وليس بيعها، ولتحقيق ذلك بصورة واقعية وإدراجه ضمن موازنة الدولة لا بد من تحقيق مشاركة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، الخليجي أو الأوروبي وغيرهما.
واستحوذ صندوق أبوظبي السيادي على حصص في خمس شركات مصرية في أبريل الماضي مقابل نحو 1.8 مليار دولار، تضمنت التجاري الدولي وفوري والإسكندرية لتداول الحاويات وأبوقير للأسمدة ومصر لإنتاج الأسمدة موبكو، رغم أن شركات الأسمدة تعمل منذ ما يقرب من نصف قرن وهي من القطاعات الرابحة.
ودشنت الحكومة في سبيل جذب استثمارات مباشرة صندوق مصر السيادي، والذي عزز من قيمة أصول الدولة غير المستغلة أو التي لا تدر ربحًا مأمولاً مثل مجمع التحرير الشهير أو أرض الحزب الوطني بالقاهرة.
وليس أمام النظام الحالي لإنقاذ الأوضاع المتأزمة لغياب الدولار بالأسواق من وسيلة فعالة سوى المشاركات الخليجية، ولذلك ثمة ترحيب بالآلية الحالية، خاصة أن هذا من شأنه إعادة تقييم الأصول والتسويق لها.
وقال مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية في مصر خالد الشافعي إن الاستثمارات الخليجية المتدفقة حاليًا تسهم في مساندة الحكومة وتعزز من قدرتها على إدارة الاقتصاد، وهذا ليس بيعًا للأصول، لأن الحكومة مضطرة إلى ذلك لعدم وفرة العملة الصعبة وترتبت عليه شكاوى عدة من المستثمرين بالتوقف عن تشغيل المصانع، ومن ثم تعمل السلطات على علاج الأزمة.
وما تشمله الاستثمارات الخليجية هو المساهمات في حصص ملكية تصل إلى 30 في المئة وليس نسبا مسيطرة في بعض الشركات العملاقة المملوكة للدولة، وهو أفضل حالاً من المنح والودائع التي تمثل علاجا قصير الأجل ولا تُجدي في حل الأزمة.
وأضاف الشافعي في تصريح لـ”العرب” أن تلك الاستثمارات تعزز من جذب التدفقات من بلدان العالم وتحسين صورة مصر أمام المؤسسات الدولية الكبرى، وتبرز الفرص المتاحة في مصر بناء على الشراكات مع قطر أو الإمارات أو السعودية أو غيرهم.
ولا تزال القاهرة بحاجة ماسة إلى هذه الاستثمارات نتيجة أزمتها الاقتصادية المتراكمة منذ 2011، حيث تعثرت الدولة لعدم وجود صناعة حقيقية أو تصدير ضخم يدر العملة الصعبة.
وكان ينبغي على السلطات في مصر تمكين القطاع الخاص بشكل عام، حتى لو لم تشهد البلاد أزمات متلاحقة، لكن الصدمات المتكررة عجلت بتك الإجراءات منذ بدء الإصلاح الاقتصادي في 2016 وحتى الإعلان عن وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تمهد لتمكين القطاع الخاص المصري والأجنبي.
ينظر مصريون إلى الاستثمار بشكله الحالي على أنه لا يُسمن ولا يُغني من جوع، ويقول “ع . ط” وهو طبيب شاب في تصريح لـ”العرب”، “أنا كأحد أفراد الشعب أفضل أن تكون الاستثمارات الخليجية في مصر في قطاعات الزراعة والصناعة من خلال تأسيس مشروعات جديدة توفر فرص عمل جديدة وليس شراء الشركات الوطنية التي يعود تأسيسها إلى الرئيس الراحل أنور السادات”.
ويعد القطاع الخاص قاطرة التنمية في أي دولة، وليس شرطًا أن يدخل المستثمر الأجنبي بتأسيس المشروعات الجديدة، إذ أن الحكومة هيأت البنية التحتية اللازمة، ليس الطرق والكباري فقط بل وجود بيئة مواتية للاستثمار في قطاعات الغاز والطاقة ومناطق صناعية متخصصة في الغزل والنسيج والأغذية وغيرهم، وتدعو مستثمري الخارج للمشاركة فيها.
وأكد المحلل الاقتصادي سيد عويضي أن التواجد الخليجي الراهن من خلال شراء حصص في الشركات المصرية بداية للاستثمار المباشر، موضحًا أن تمكين القطاع الخاص مسألة مهمة، إلا أن الصورة الراهنة ليست المأمولة من جانب الحكومة.
ويعد إعلان جهاز قطر للاستثمار الذراع الاستثمارية لدولة قطر، بدراسة مشروع جدي في مجال الطاقة المتجددة بمنطقة قناة السويس باستثمارات تتجاوز مليار دولار، وتتم دراسة المشروع مع صندوق مصر السيادي، بداية حقيقية للاستثمار في مصر، وربما تشهد الفترة المقبلة استثمارات مماثلة من السعودية والإمارات.
كما اتفق صندوق مصر السيادي ونظيره السعودي على تأسيس الشركة السعودية المصرية للاستثمار المملوكة بالكامل من قبل صندوق الاستثمارات العامة بالمملكة، وهي تعزز من الاستثمارات المباشرة الحقيقة بالبلاد.
وأوضح عويضي لـ”العرب” أن الاستثمارات الخليجية الحالية مقبولة لو تم بيع الأصول بسعرها الحقيقي، لكن حاجة السلطات إلى الدولار والضغوط العالمية، حالا دون تحقيق المراد، ولم يتم تقييم أصول الشركات بصورة حقيقية.
وبدأت تلوح في الأفق إيجابيات الاستثمارات الخليجية، إذ كشف صندوق النقد الدولي عن أن الخليج يحفز قرض مصر بتوسيع الودائع، وسوف يقدم الخليجيون الحافز المناسب والداعم لقرض صندوق النقد الدولي المزمع أن تحصل عليه مصر عقب التصويت عليه بمجلس إدارة الصندوق في ديسمبر المقبل.
وصرح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق جهاد أزعور “نعم، الدول الخليجية ستحفز مصر، وقد أصدرت بعض سلطات الخليج بالفعل بيانات لدعم البرنامج المصري، ومبلغ 5 مليارات دولار للسنة المالية 2022 – 2023، إضافة إلى توسيع ودائع دول الخليج في البنك المركزي المصري”.
ولفت إلى ضرورة منح مساحة أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد المصري، مع مرونة سعر الصرف، وهو ما يساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد.