استئناف محتشم للإنتاج الدرامي المشترك بين ليبيا وسوريا

"العهد مهيار" دراما اجتماعية تنهي الانقسامات الفنية الليبية.
الجمعة 2022/03/04
إعلان عن عودة الإنتاجات المشتركة

بعد سنوات من الحرب والتقوقع على الذات سياسيا وفنيا، عاد الإنتاج الدرامي في كل من سوريا وليبيا للاستثمار في فرص الأعمال الثنائية التي من شأنها إحياء التعاون المشترك بين البلدين لتقديم مسلسلات مميزة، بالإضافة إلى كسر الجمود والاختلاف اللذين أضرا بالساحة الفنية الليبية وأخضعاها لمقاييس التقسيمات السياسية التي فرقت بين الشرق والغرب.

يعود التعاون الليبي - السوري في مجال الدراما التلفزيونية، بصورة محتشمة إلى التشكل عبر عناوين جديدة خلال المرحلة القادمة، وهو ما يرى فيه المراقبون فرصة لإنعاش هذه الإنتاجات في البدلين الشقيقين وهما يواجهان آثار عقد من الحرب والدمار أثّر على كل مناحي الحياة فيهما.

ومن المنتظر أن يعرض خلال شهر رمضان القادم مسلسل مشترك يحمل عنوان “العهد مهيار”، وينقسم إلى جـزأين يتكون كل منهما مـن خمس عشرة حلقة، وتتمحور أحداثه حول ستّ عـائلات بينهم الكثير من العلاقات المتشعبة وتدور بينهم الكثير من الأحداث في سياقات درامية متعددة ومتوازية برؤية اجتماعية تراجيدية لعهود حدثت أو لم تحدث.

و”العهد مهيار” من تأليف الكاتب السوري عبدالعزيز قاسم وإخراج المخرج الليبي علاء بوفضيل، ويتولى مهمة مدير التصوير عبدالعزيز هاشم.

ويشارك في بطولة المسلسل عدد من نجوم الدراما الليبية من بينهم لطفية إبراهيم وعـبدالرزاق أبوروينة وياسمين الورفلي وحليمة الدرسي وفاطمة الورفلي وعـائـشـة الـبدري وفتحية محجوب وعـلاء الحـصان والـشريـف ياسيـن وإسـماعـيل ماسينا وحنان المجبري ونورالـدين بلقـاسـم وحـسين العوكلي وسنـد المهـدي وغيرهم، ومـن سـوريا يشارك كل من صـياد حجازي وزيـنب الحمدان ونور الحمو ونخبة بارزة مـن الممثلين.

لطفية إبراهيم: المسلسل ينهي الانقسام بين فناني الشرق والغرب في ليبيا

وقد اختار فريق الإنتاج أن يجمع من الجانب الليبي عددا من نجوم المنطقة الشرقية الذين برزوا خلال الأعوام الماضية، مع عدد من نجوم طرابلس، كما تم تصوير أحداث المسلسل بالكامل في مدينة طبرق بشرق ليبيا، ومن المنتظر عرض العمل على إحدى القنوات الفضائية التي تبث من بنغازي وكذلك على واحدة من الفضائيات الليبية المستقرة بالخارج.

وعن هذه التجربة الدرامية، قالت سيدة الشاشة الليبية لطفية إبراهيم لـ”العرب” إنها سعيدة بالتجربة، وتنتظر لها النجاح في نيل رضى المشاهد الليبي والعربي، معبرة عن إعجابها بالتجربة وبفترة الإقامة والعمل بطبرق.

وتابعت أن أهم ما تمكن الإشارة إليه هو أن هذا العمل جمع بين ممثلين من شرق وغرب البلاد، وهو ما ينهي ما كان رائجا من انقسامات فنية وحديث عن فناني المنطقة الشرقية وفناني المنطقة الغربية.

وأردفت إبراهيم أن التعاون العربي مهم على المستوى الفني، مشيرة إلى أن ليبيا كانت من الدول السباقة في تقديم أعمال مشتركة مع الأشقاء في سوريا ومصر وتونس وغيرها، وأن هناك تطلعات للمزيد من التعاون بما يفسح المجال أمام الفنان الليبي لإبراز طاقاته وقدراته ولإظهار تميزه وهو جدير بذلك.

وبحسب الممثلة ياسمين الورفلي، فإن مسلسل “العهد مهيار” يعتبر نقلة مهمة في الأعمال الدرامية الليبية بأبعادها المفتوحة على التعاون المشترك مع الكفاءات في بلدان عربية أخرى.

وحول الشخصية التي تجسدها، أشارت الورفلي إلى أنها تقدم دور “أم معتصم”، وهي من عائلة متوسطة الحال تحاول التودد إلى شقيقتها التي عادت من الخارج من أجل الوصول إلى المنصب والمال.

وفي الأثناء، دعت الهيئة العامة للخيالة والمسرح والفنون الليبيين إلى ترقب ما وصفته بالعمل الفني الضخم للهيئة خلال شهر رمضان القادم.

وأعلنت الهيئة أن الممثل الكبير يوسف الغرياني المعروف باسم “قزقيزة” وصل الأحد الماضي إلى العاصمة السورية دمشق للبدء في تصوير عمل فني مشترك بين نخبة من فنانين سوريين ممن شاركوا في مسلسل “باب الحارة” وفنانين من ليبيا، فيما تتولى الهيئة عملية الإنتاج وآلت مهمة الإخراج إلى المخرج علي الجالي الذي سبق له أن قدم عددا من الأعمال المشتركة مع نجوم من سوريا، ومن ذلك مسلسل “مطبخ خانم” الذي أنتجته الهيئة مع شركة بروسيتم للإنتاج والتوزيع عن سيناريو وحوار لفهد مرعي.

وللإنتاج الدرامي المشترك بين ليبيا وسوريا تاريخ قديم يعود إلى أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، حيث فسح التقارب السياسي بين نظامي البلدين المجال أمام التعاون الفني والثقافي وأمام إنتاج الصورة، وساعد على استقطاب الممثلين الليبيين إلى أعمال يكتبها ويخرجها سوريون، أو يكتبها ويخرجها ليبيون يتولون تصويرها في دمشق بتقنيات سورية، وأحيانا كان يتم التصوير في قبرص أو اليونان.

وقد امتد التعاون إلى مجال المنوعات الموسيقية والكوميدية، لاسيما أن السلطات الليبية كانت آنذاك تمنع بث الإنتاج المصري سواء كان غنائيا أو دراميا على قنوات الإذاعة والتلفزيون، بسبب الصراع السياسي والإعلامي الذي كان قائما مع نظام أنور السادات ثم خلال نظام حسني مبارك.

الإنتاج الدرامي المشترك يعود إلى أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، حيث فسح التقارب السياسي المجال للتعاون الفني

ومن الأعمال المشتركة بين سوريا وليبيا سلسلة “لكل الناس” إنتاج 1980، و”بصمات على جدار الزمن” وهو من إخراج هيثم حقي وتأليف داوود الشيخاني، و”طيور الحرية” و”أسود أبيض” و”الفاتحون” وغيرها من الأعمال، وصولا إلى “حرب السنوات الأربع” إنتاج 1984 وهو مسلسل من تأليف داوود الشيخاني ومراجعة تاريخية للدكتور علي فهمي خشيم، وإخراج هيثم حقي، وبطولة عدد من نجوم سوريا وليبيا ممن حاولوا تجسيد أحداث الحرب التي قامت بين حاكم طرابلس (ليبيا) يوسف باشا القره مانلي، وأخيه أحمد باشا القره مانلي، وحرب طرابلس التي استمرت أربع سنوات، حيث يبين العمل مطامع الحكومة الأميركية في ليبيا. وكذلك محاولة الولايات المتحدة احتلال الشواطئ الليبية بأكبر أسطول بحري في ذلك الوقت وبوجود أكبر سفينة بحرية (فيلادلفيا) ذات الأربعة والأربعين مدفعا ويبين المسلسل طريقة أسر السفينة وطاقمها من قبل الريس مراد آغا دون إراقة قطرة دم واحدة وتدميرها.

ويرتبط شرق ليبيا حاليا بعلاقات جيدة مع سوريا، مع وجود رحلات جوية مباشرة بين دمشق وبنغازي، وتعاون تجاري واقتصادي وثقافي بعد أن بادرت الحكومة المؤقتة في شرق ليبيا في مارس 2020 بالتوقيع على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا التي كانت منقطعة منذ العام 2011، وعلى إعادة التعاون بين البلدين إلى مجراه الطبيعي، وهو ما رفضته سلطة الميليشيات وضغوط الإخوان في طرابلس بسبب طبيعة التوازنات في المنطقة.

ويشير مراقبون إلى وجود تقارب بين الجانبين السوري والليبي في دعم الإنتاج الدرامي والفني ضمن إطار التعاون المشترك لظروف ما بعد الصراعات والأزمات والحروب الأهلية التي عرفها البلدان لاسيما في ظل العلاقات الشخصية القائمة بين فناني البلدين، وميل المتلقي الليبي بالذات إلى متابعة الأعمال السورية بكل ألوانها وبيئاتها الحضرية والبدوية والتاريخية، وهو ميل ناتج عن عقود من تركيز القنوات الليبية على بث الإنتاج السوري دون غيره، يضاف إلى ذلك أن الإنتاج الحالي مع الجانب السوري يعتبر مربحا من ناحية التقديرات المالية نظرا إلى الظروف التي يمر بها البلدان وخاصة سوريا مع تراجع كبير لسعر الليرة مقابل العملات الأجنبية.

15