ارتفاع نسبة مؤيدي داعش الأتراك تكشف تناقضات المجتمع

أنقرة - ما يتداول حول الدور التركي في دعم الإرهاب والجهاد في سوريا، لا يتخذ الخطورة نفسها التي يمثلها ارتفاع نسبة التأييد لداعش داخل المجتمع التركي. فتغاضي السلطات التركية على نشاط المجموعات الإرهابية على أراضيها وفي حدودها قد يتغير إما بتغير الحكومة أو بتغير المعادلات السياسية لكن توفر التنظيم على حاضنة شعبية تركية أمر أشد خطورة على البلاد ومستقبلها وهو ما أثاره استطلاع جديد للرأي كشف ارتفاع نسبة المتعاطفين الأتراك معه.
المجتمع التركي الذي عاش عقودا طويلة في ظلال العلمانية الأتاتوركية، والتي طالما رددت قراءات عديدة أنها صنعت مجتمعا تركيا متجانسا ومتماسكا ومحصنا من شتى أنواع التطرف، تبين أنه ليس متجانسا بالقدر الذي أوحت به القراءات المتفائلة، والعيب هنا ليس في علمانية أتاتورك بل في طبيعة المجتمع التركي ذاته، وما يحمله من تنوعات متبيانة، فضلا عن تعرضه المستمر لضغوط اجتماعية واقتصادية حادة، إلى جانب تركيز الحكومات المتعاقبة منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم على شعارات هوياتية داعبت أصولية كامنة لدى بعض الفئات.
وكشفت دراسة بيو أنه في الوقت الذي تهتز فيه تركيا على وقع أحداث العنف والإرهاب على أراضيها وفي المناطق المجاورة لها، قفزت نسبة دعم تنظيم داعش الإرهابي الذي يرتكب أكثر الجرائم دموية وعنفا في العالم إلى ثمانية بالمئة. وأوضح الخبراء أن رفض الوقوف دقيقة حداد على ضحايا هجمات باريس قبل مباراة تركيا واليونان الودية في إسطنبول مؤخرا يُظهر مدى ازدياد حالة العنف وعدم الاكتراث في المجتمع التركي لفظاعة ما ارتكبه التنظيم في حق أشخاص أبرياء في مناطق مختلفة من العالم.
البروفيسور خلوق صواش رئيس قسم الأمراض النفسية بكلية الطب في جامعة غازي عنتاب التركية أكّد أن لغة العنف والإهانة التي يستخدمها السياسيون في خطاباتهم لها تأثير على الحالة النفسية للمجتمع. وقال، “الجماهير الـمُهمشة تشعر بأنها غريبة ومُستبعدة في بلدها. ولهذا السبب لا يطيق الناس بعضهم بعضًا ويُصابون باضطرابات نفسية”. أما الأخصائي النفسي أوزجور دوران يورت سيفر فقد أكد أن حالة العنف والكراهية تظهر لدى المجتمعات التي تعاني حالة من اليأس بشأن المستقبل وتشهد حالة من عدم التكافؤ اقتصاديا. وأضاف “جميع أفراد المجتمع هم ضد العنف في الأصل لكنهم يلجأون إليه”.
الربط بين الأرقام التي أوردها مركز بيو الأميركي وبين هذه التحاليل الاجتماعية والنفسية للمجتمع التركي، يحيل إلى أن تلك النسبة من التأييد، والتي تحتل فيها تركيا مرتبة متقدمة ضمن العديد من البلدان الأخرى، تتضمن خطورة كبرى على مستقبل البلاد، كما أنها تنطلق من دوافع اجتماعية واقتصادية ونفسية ودينية متضافرة، جعلت المجتمع التركي الذي عاش عقودا طويلة في ظلال العلمانية الأتاتوركية يفرز نسبة تأييد مرتفعة لتنظيم إرهابي ينطلق من أيديولوجية دينية متناقضة جدا من البنية القانونية والدستورية التي تقوم عليها تركيا.
المجتمع التركي الذي عاش عقودا طويلة في ظلال العلمانية الأتاتوركية يفرز نسبة تأييد مرتفعة لتنظيم إرهابي
وليس مستغربا وجود متعاطفين مع داعش من الأتراك ولا تكاثرهم لأن القراءات الاجتماعية والنفسية تنطبق على الشعب التركي الذي أصبح يعاني دكتاتورية جديدة في ظل حكم الحزب الإسلامي له برئاسة أردوغان، وبعد الاعتداءات الثلاثة الدامية التي استهدفت المواطنين الأتراك وسط المدن التركية والتي نسبت إلى تنظيم الدولة الإسلامية تبيّن أن لهذا التنظيم أذرعه الداخلية التي تؤيده وله أنصاره الذين يفجرون أنفسهم من أجل تنفيذ عملياته من الأتراك. وكانت الشرطة التركية قد أعلنت مرارا أنها تقوم بتفكيك خلايا جهادية على أراضيها حيث كانت أغلب عناصرها من المواطنين الأتراك.
وعوض أن تتزايد أعداد الرافضين لداعش ازدادت نسبة المتعاطفين معه وهو ما يدل على أن الحزب الإسلامي الحاكم عجز عن تأمين وحماية شعبه من انتشار الفكر المتشدد والفكر الإرهابي، بل إن تغاضي السلطات التركية والجهات الرسمية على مرور الجهاديين إلى سوريا عبر أراضيها وعلى تعامل المهربين والتجار الأتراك معهم في تهريب السلاح والجهاديين واللاجئين، نمىَّ بشكل غير مباشر عقلية التعامل والتعاطف مع الجماعات الإرهابية لدى بعض الأتراك.
ومن جهة أخرى وجد الشعور بالتعاطف مع الإرهاب أرضية ملائمة للازدهار لدى فئات معينة من الشعب التركي التي تعاني ضغوطا سياسية واجتماعية وصعوبات اقتصادية أوصلت بعض الشباب إلى اليأس من مستقبلهم وجعلتهم يرتمون في أحضان الإرهاب ويدعمون داعش وغيره من الجماعات الإرهابية التي تستقطبهم بخطابها الديني مستغلة أوضاعهم الهشة.
ولعل تهديد تنظيم داعش الإرهابي بـ”فتح إسطنبول وتحقيق بشرى الرسول” الذي نشر في عدده الأخير من مجلة القسطنطينية التي يصدرها باللغة التركية ودعوته لأنصاره من الأتراك إلى مقاطعة نظام التعليم “العلماني” في تركيا، ما كانت لتكون بهذه الجرأة لولا ثقة التنظيم في أنه كسب مؤيدين أتراكا وأن أعدادهم في تزايد وأنه بصدد الانتشار والتغلغل في أعماق المجتمع التركي لتحقيق أهدافه.
مهما كانت نسبة المؤيدين والمتعاطفين من الشعب التركي مع التنظيم الإرهابي فإن وجودهم ولو بأعداد قليلة يثير مخاوف على مستقبل المجتمع التركي، كما يثير الشبهات حول علاقة الدولة والحكومة التركية بالإرهاب وبداعش. فماذا فعلت هذه الحكومة لحماية أبناء الشعب من هذا الفكر وماذا اتخذت من إجراءات تمنعهم من مناصرته وخاصة من الانتماء إليه؟
إن تزايد أعداد المتعاطفين الأتراك مع داعش يثير تساؤلات حول إدراك ووعي الحكومة التركية بأن خطورة التنظيم ليست فقط في ما بلغه تنظيميا وبنيويا وخططيا، بل إن أشد درجات هذه الخطورة تكمن في قدرته على استقطاب مؤيدين جدد وكسب داعمين له يصبحون بدورهم أداة لنشر فكره وخططه وتنفيذها في تركيا.