ارتفاع سقف مطالب المعارضة يضاعف الضغوط على الحكومة المصرية

مصر بما لديها من أزمات اقتصادية واجتماعية ضخمة لا تتحمل خلافا حادا وقطيعة بين المعارضة والحكومة.
الخميس 2023/07/27
سقف متزايد لمطالب المعارضة

القاهرة - عاودت المعارضة المصرية إشهار سلاح الضغوط السياسية في وجه الحكومة والتلويح مجددا بالانسحاب من الحوار الوطني بسبب ملف الإفراج عن سجناء الرأي، مستثمرة غضب الشارع من الأزمة الاقتصادية.

وقالت الحركة المدنية الديمقراطية، وهي أكبر تكتل معارض في مصر، إنها اجتمعت الأحد لاستعراض التطورات السياسية وتصاعد الأزمة الاقتصادية استعدادا لاستئناف جلسات الحوار الوطني وتنفيذ المطالب الخاصة بإقامة انتخابات رئاسية حرة.

وعقد مقررا لجنة النظام الانتخابي والتمثيل النيابي بالحوار الوطني في القاهرة الأربعاء ورشة عمل تضم نحو 15 من ممثلي الأحزاب السياسية والخبراء لحسم مصير النظام الانتخابي في انتخابات مجلس النواب المقبلة.

وفي الوقت الذي أبدت فيه الترحيب بقرارات العفو الرئاسي التي صدرت بشأن عدد من سجناء الرأي أخيرا أعربت عن استيائها من عدم تنفيذ وعود الإفراج عن آخرين. وأصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قرارا بالعفو عن باتريك زكي ومحمد الباقر استجابة لدعوة مجلس أمناء الحوار الوطني بعد تلويح أحزاب وشخصيات معارضة بالانسحاب منه، وعادت الحركة المدنية لممارسة ضغوط جديدة.

خالد داوود: المعارضة لا ترغب في الصدام مع النظام وتبحث عن تنفيذ التعهدات التي تلقتها
خالد داوود: المعارضة لا ترغب في الصدام مع النظام وتبحث عن تنفيذ التعهدات التي تلقتها

واتفقت أحزاب الحركة على مراقبة التطورات في ملف الإفراج عن هؤلاء لدراسة الموقف من استمرار المشاركة في جلسات الحوار الوطني من عدمه، في تهديد واضح للحكومة المصرية التي تبدو متراخية في تلبية مطالب المعارضة في مسألة فتح المجال العام وإنهاء أجواء التضييق على حرية العمل السياسي.

وتأبى دوائر حكومية إنهاء ملف المحبوسين احتياطيا وسجناء الرأي دفعة واحدة أو تقديم تنازلات كبيرة لمعارضة تراها هشة وبلا أنياب حقيقية، ولذلك تتباطأ الحكومة في إجراءات إطلاق سراح النشطاء السياسيين، بما يمكّنها من القبض على أداة مهمة ربما تستخدمها في أيّ وقت للضغط على المعارضة .

ويرفض النظام المصري تعامل المعارضة بطريقة ليّ الذراع واستثمار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لفرض المزيد من الضغوط وتليين مواقفه السياسية، بذريعة عدم امتلاكه رفاهية رفض طلباتها، وهو ما يجعله يتمسك بعدم الانصياع لتهديدات تمارسها منظمات حقوقية وأحزاب معارضة للإفراج عن جميع سجناء الرأي، أن هذه الطريقة تحمل ابتزازا صريحا للسلطة قد يجرّها إلى تنازلات كبيرة.

ولدى بعض أحزاب الحركة المدنية قناعة بأن الانسحاب من الحوار أمام اتساع دائرة السخط الشعبي يحفظ ماء الوجه، كما تسعى لتوظيف عدم الاستجابة لمطالبها لتبرير موقفها، ما يتعارض مع توجهاتها السابقة بأن الحوار فرصة ثمينة لتحقيق المزيد من المكاسب على مستوى الإصلاحات السياسية العامة.

وأعلن مصطفى كامل السيد المقرر المساعد للمحور السياسي بالحوار الوطني الثلاثاء أن مجلس أمناء الحوار سيستأنف جلساته العامة قريبا لاستكمال مناقشة موضوعات مثل إصلاح مواد الحبس الاحتياطي في القوانين وضمانات استقلال القضاء، في إشارة إلى عدم وجود نية لدى الحكومة لغلق ملف السجناء، لكنها ترغب في أن يكون الحسم مرتبطا بنقاشات جادة مع المعارضة وليس بإطلاق سراح الجميع دون معايير لمجرد استرضاء الحركة المدنية.

ورغم الإشارات الإيجابية التي بعث بها النظام لا يزال سقف مطالب المعارضة مرتفعا بشكل وضع الحكومة في أزمة تقديم تنازلات لا تتفق مع سياستها، وهو ما يرفضه الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي سبق وتعهد بأن يوافق على كل المطالب التي ترفع إليه من الحوار الوطني طالما تدخل ضمن صلاحياته الدستورية، دون شرط أو قيد.

ولا تقتنع بعض الأصوات المطالبة بالانسحاب من الحوار بأن الجلسات التي عقدت مؤخرا فتحت أفقا جديدا لإمكانية حدوث انفتاح في الفضاء العام، وتقلل من فرص عدم الزج بالنشطاء في السجون، وأن الحكومة لديها رؤية مبهمة لطيّ هذه الصفحة وغلق الباب أمام المزيد من الأزمات.

ويقول مراقبون إنه لا سبيل أمام الحكومة سوى الإعلان عن إجراء تعديلات تشريعية لإزالة الحواجز أمام تسوية ملف سجناء الرأي، لأن أيّ زخم سياسي يريد النظام تحقيقه يرتبط بمدى استجابته لمطالب المعارضة، وعلى رأسها ملف الإفراج عن المسجونين في قضايا الرأي.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن مصر بما لديها من أزمات ضخمة لا تتحمل خلافا حادا بين المعارضة والحكومة، وإن كانت القوى المدنية خشنة أو متهورة في مطالبها فالمفترض أن تتعامل السلطة بحكمة وعقلانية ودون عناد حفاظا على الاستقرار الأمني، لأن انغلاق الأفق يؤدي إلى تداعيات قاتمة على الجميع.

وأكد خالد داوود المقرر المساعد للجنة الأحزاب السياسية بالحوار الوطني والمتحدث باسم الحركة المدنية لـ”العرب” أن المعارضة لا ترغب في الصدام مع النظام، وتبحث عن تنفيذ التعهدات التي تلقتها قبل مشاركتها في الحوار، وهي الإفراج عن سجناء الرأي، وإصلاح التشريعات المرتبطة بالحبس الاحتياطي وتصويب قوانين الانتخابات واتخاذ إجراءات جادة لتحسين المناخ العام.

◙ النظام المصري يرفض تعامل المعارضة بطريقة ليّ الذراع واستثمار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لفرض المزيد من الضغوط وتليين مواقفه السياسية

وقال إن الحركة المدنية مطالبها وطنية وليست شخصية، وتسعى لتقديم حلول للأزمات السياسية والاقتصادية، ولا تعيش في جزيرة منعزلة وتتعامل بمسؤولية وعندما تتحدث عن فتح المناخ العام والإفراج عن النشطاء تتحدث من أرضية وطنية، لافتا إلى أن الحركة ستتابع جلسات الحوار والموقف من المطالب لاتخاذ الرأي النهائي.

وترفض المعارضة الاقتناع بأن هناك تعقيدات قانونية تعترض طريق الرئيس المصري لتسوية ملف المطلوب الإفراج عنهم من سياسيين، وهناك فهم خاطئ لصلاحياته في مسألة العفو الرئاسي، فهي ليست مطلقة، وثمة إصرار من الرئاسة والحكومة على عدم التدخل في شؤون القضاء أو القفز على صلاحياته.

وأفرجت السلطات المصرية عن حوالي 1400 محبوس على ذمة قضايا رأي منذ إعلان الرئيس السيسي انطلاق الحوار قبل أكثر من عام، بينما تصر الحركة المدنية على إطلاق سراح القائمة السياسية أولا، والتي قدمتها إلى أجهزة الأمن، وتتمسك الحكومة بأنها تلتزم بالقانون ولا تميز بين سجين وآخر.

وما يخفف الضغوط الواقعة على النظام المصري أن المعارضة تعاني انقساما، وبعضها يحاول الانسحاب من الحوار حفاظا على ماء الوجه، والبعض يتعامل معه كباب للعودة إلى المشهد وجني مكاسب سياسية محدودة يمكن توظيفها في الانتخابات الرئاسية المقبلة ومن بعدها الانتخابات البرلمانية، وإذا ظلت بعيدة أو منبوذة فقد تخسر كل شيء.

وترى بعض الأصوات المعتدلة أن تجميد مشاركة أيّ حزب في الحوار أو الانسحاب منه ليسا حلا للمشكلات التي تواجه مصر، وعلى كل طرف أن يتعامل بحسابات وطنية وليست حزبية، لأن وضع البلاد صعب ولا يحتمل المزايدات، بالتالي فالمعارضة مدفوعة للتمسك بالصبر، والحكومة مطالبة بإثبات المزيد من الجدية.

وتفرض هذه المعطيات على النظام وقوى المعارضة الوصول إلى قواسم مشتركة، ومنح دفعة مادية جديدة لملف الإفراجات، وعدم وضع شروط تبدو نوعا من الابتزاز.

2