ارتفاع الانقطاع المدرسي يفاقم متاعب التعليم العمومي في تونس

ارتفع عدد المنقطعين بشكل مبكر عن الدراسة في تونس وسجلت وزارة التربية 280 حالة انقطاع عن الدراسة بصفة يومية. وتفاقم هذه الأرقام متاعب قطاع التعليم العمومي، حيث تكشف عن تراجع الثقة في المدرسة التونسية، الأمر الذي يستدعي إصلاحا جذريا للمنظومة التربوية في البلاد.
تونس – كشف وزير التربية في تونس حاتم بن سالم، خلال جلسة استماع له بالبرلمان عقدت الخميس الماضي، أن 280 تلميذا ينقطعون يوميا عن الدراسة، مشيرا إلى أنها “ظاهرة تمس أساسا الذكور وتكبد الدولة 1135 مليون دينار أي ما يمثل نسبة 20 بالمئة من ميزانية وزارة التربية”.
وأقر بن سالم بعجز الوزارة عن مقاومة ظاهرة الانقطاع المدرسي بمفردها ومتابعة المنقطعين لاسيما في ظل غياب التنسيق مع وزارة التكوين المهني والتشغيل، مشددا على وجوب تدخل جميع الأطراف المعنية وضبط إستراتيجية وطنية شمولية لمقاومتها.
وارتفع عدد المنقطعين عن الدراسة من سنة إلى أخرى حيث بلغ عددهم السنة الماضية 101 ألف منقطع، وأكثر من 526 ألفا خلال الخمس سنوات الأخيرة.
ويتراوح الانقطاع المدرسي من السنة الثالثة من التعليم الابتدائي إلى الباكالوريا ومعظم عمليات الانقطاع الدراسي تكون بالنسبة للابتدائي تحديدا في السنوات الرابعة والخامسة والسادسة وبنسبة 41 بالمئة من جملة المنقطعين، في حين تكون عمليات الانقطاع عن الدراسة في مستوى السنة الأولى من التعليم الثانوي بنسبة 49 بالمئة.
وتضيف ظاهرة الانقطاع المدرسي تحديا جديدا وخطيرا أمام وزارة التربية التي انشغلت لأشهر طويلة بحل أزمة التعليم الثانوي فيما تغافلت عن تراجع الثقة في التعليم العمومي يوما بعد يوم. ويعاني قطاع التعليم العمومي في تونس من متاعب ترتبط بتدهور البنية التحتية ونقص المدرسين، على غرار تفشي ظاهرة الانقطاع المبكر عن التعليم.
ويعزو خبراء استشراء الانقطاع المدرسي في تونس إلى الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الأسر محدودة الدخل التي باتت مصاريف المدرسة مكلفة بالنسبة لها. ويلفت الخبراء إلى أن هذه العائلات المهمشة اقتصاديا لم تعد مقتنعة بالتعليم كوسيلة لحياة أفضل أمام تواصل بطالة أصحاب الشهادات العليا وانتظارهم الوظيفة سنوات طويلة.
280 تلميذا ينقطعون يوميا عن الدراسة في تونس، ويكبد الإنقطاع المدرسي الدولة 1135 مليون دينار
ويعتقد مسعود رمضاني الناشط في المجتمع المدني أن العائلات ضعيفة الدخل خاصة في المحافظات الداخلية لم يعد لديها اقتناع بأن التعليم سيغير أوضاعها للأفضل فيما أصبح ينتج جيلا من العاطلين.
وأضاف رمضاني لـ”العرب” أن “هذه العائلات خاصة في الأرياف لم تعد ترى المناهج والاختصاصات المتعددة مجدية في السلم الاجتماعي”.
وأوضحت دراسات محلية أن المدن الداخلية على غرار القصرين والقيروان وجندوبة وسليانة وسيدي بوزيد هي أكثر المدن تعرضا للانقطاع المدرسي بسبب انتشار الفقر وتردي الأوضاع الاجتماعية للأسر، وأحيانا يعود الانقطاع المدرسي إلى أسباب بيداغوجية نتيجة عدم القدرة على التأقلم مع الضغط الدراسي وعدم الحصول على حصص دعم أو دروس تدارك تمكن أبناء هذه الأسر من تحسين تكوينهم.
وسبق أن حذر تقرير مشترك نشر سابقا بين منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” والبنك الدولي أن 25 بالمئة من أطفال تونس فقراء، وأن هنالك فوارق جهوية كبيرة في نسبة الفقر، الأمر الذي انعكس على عملية التمدرس.
وحذرت اليونيسيف من أن مقاومة الانقطاع المدرسي من أكبر التحديات التي على تونس رفعها.
و اللافت في ظاهرة الانقطاع المدرسي أنها تتجاهل إجبارية التعليم في تونس. ويقر الدستور التونسي بأن التعليم إلزامي إلى سن السادسة عشرة.
ويلفت الرمضاني إلى أنه “لم تعد هناك مساءلة قانونية لمن يخرق إجبارية التعليم، كما أن مجانية التعليم باتت شبه صورية”. ويرى أن تكاليف المدرسة وحتى المناهج تستهدف العائلات ذات الدخل الجيد.
وتابع بقوله “تحول التعليم من تعليم عمومي إلى تعليم النخبة، والتركيز على طبقة معينة أضر بالتعليم”. وتشير وزارة التربية إلى أن الانقطاع المدرسي المبكر يعود أساسا إلى التكوين الأساسي للمدرسين.
وحسب الدراسات والإحصائيات التي وقفت عليها وزارة التربية، فإن الانتدابات خاصة بعد ثورة يناير، تمت دون الأخذ بعين الاعتبار تكوين الأساتذة الأساسي، أو احتياجات التلميذ، وكشفت الوزارة أنه سيتم في الأيام القادمة إرساء مركز تكوين مستمر للفاعلين التربويين، لمعالجة هذا الإشكال.
ويعتقد معز الشريف رئيس الجمعية التونسية لحقوق الطفل أن الانقطاع المبكر عن الدراسة يعود إلى صعوبات مدرسية، ويضيف الشريف لـ”العرب” “الأطفال لا يتحملون الإخفاق لذلك ينقطعون بسرعة خاصة إذا كانت أوضاع عائلاتهم المادية صعبة”.
وشرح بقوله “أغلبية الأطفال ينقطعون في مرحلة انتقالهم من الابتدائي إلى الإعدادي أو من الإعدادي إلى الثانوي وذلك لعدم تطابق المناهج مع قدراتهم”.
ورغم جهود وزارة التربية لإصلاح قطاع التعليم، يعتقد الخبراء أن القطاع مطالب بمواكبة المناهج المتطورة في العالم وجعلها جذابة للأطفال تعيد إليهم الحماس وتشعرهم بالانتماء إلى المدرسة، كما يجب أن تكون هذه المناهج مطابقة لحاجيات سوق العمل مستقبلا.
وتسعى وزارة التربية إلى إيجاد حلول سريعة تحفز على عودة التلاميذ وإدماجهم مجددا في المدارس؛ إذ أن الأرقام المفزعة للانقطاع المدرسي قد تهدد بتهاوي منظومة التعليم العمومي.
وأقر وزير التربية بأن هؤلاء المنقطعين أصبحوا يمثلون نقطة استفهام كبرى للمجتمع من خلال انتشار مشاكل التسكع والمخدرات وظاهرة التردد على المؤسسات التربوية للتأثير في بقية التلاميذ. وفتحت وزارة التربية مكاتب إنصات واستماع للتلاميذ داخل المؤسسات التربوية بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة، من المنتظر تكثيفها وتعميمها على جميع المؤسسات التربوية الأخرى الفترة القادمة وهي من الحلول التي وضعتها وزارة التربية لمعالجة ظاهرة الانقطاع المدرسي. كما تسعى لمقاومة هذه الظاهرة عبر الاستناد إلى التجارب الدولية الناجحة في التصدي للتسرب المدرسي، والبحث عن آليات التمويل الأجنبية، وإدخال دروس التدارك يوم السبت لتفادي الفشل المدرسي.
ولفت بن سالم إلى أن “مدرسة الفرصة الثانية التي ستفتح أبوابها خلال السنة الدراسية القادمة مع أول مدرسة بالعاصمة، ستساهم في إيجاد العديد من الحلول للمنقطعين عن الدراسة”.