اختراق هام يكشف أسرار مرض التوحد

اكتشف الخبراء أن طفرة جينية تؤثر على توازن الخلايا الدماغية أثناء النمو يمكن أن تكون سبب الإصابة بمرض التوحد. وعوض أن تصبح الخلايا الجذعية خلايا عصبية تميل إلى أن تصير خلايا دبقية، ما يؤدي إلى اختلال التوازن بين الخلايا العصبية والخلايا الدبقية. وقد استخدم الباحثون خلايا جلدية معزولة، وحولوها إلى خلايا جذعية بشرية؛ وذلك بهدف دراسة كيفية تفاعل خلايا الدماغ.
واشنطن - يعرف طيف التوحد بأنه اضطراب عصبي يؤثر على التفاعلات الاجتماعية والتواصل. وعلى الرغم من ارتباط عدة عوامل جينية بهذا الاضطراب، إلا أن الأسباب لا تزال غير واضحة بالكامل. وخلال عقود من الزمن، ركزت الدراسات على نمذجة الاضطراب في الفئران، أو دراسة خلايا الدماغ البشرية المعزولة، إلا أنه لا توجد نماذج مثالية لتعقيد الدماغ البشري.
وبهذا الصدد، استخدم علماء معهد ” سكريب ريسارتش” الأميركي، خلايا جذعية مأخوذة من مرضى يعانون من شكل نادر من اضطراب طيف التوحد، لتنمية “أدمغة صغيرة” (عضويات) بهدف دراسة هذا الاضطراب بشكل أعمق.
وركز فريق البحث على متلازمة نقص صبغيات “آم إي أف 2 سي”، وهو شكل نادر من اضطراب طيف التوحد. (في الأدمغة الصحية، تتطور الخلايا الجذعية العصبية إلى خلايا عصبية ترسل وتستقبل الرسائل. لكن في الأدمغة المتأثرة بمتلازمة نقص صبغيات ” آم إي أف 2 سي”، تميل الخلايا الجذعية إلى التحول إلى خلايا دبقية، ما يؤدي إلى اختلال التوازن بين الخلايا العصبية والخلايا الدبقية).
واستخدم الباحثون خلايا جلدية معزولة من مرضى، وحولوها إلى خلايا جذعية بشرية، ثم زرعوها لتكوين “أدمغة صغيرة” (عضويات) لدراسة كيفية تفاعل خلايا الدماغ. وساهمت هذه العضويات المزروعة في المختبر في فهم تأثير طفرة جينية واحدة على اضطراب طيف التوحد.
ويقول ستيوارت أ. ليبتون، المدير المشارك لمركز الأدوية الجديدة في”سكريبس ريسارتش “يُظهر عملنا كيف تؤثر هذه الطفرة الجينية على توازن الخلايا الدماغية أثناء النمو، لكننا أثبتنا أيضا إمكانية معالجة هذا الخلل لاحقا في الحياة”.
واكتشف الفريق أن طفرة “آم إي أف 2 سي”، تؤثر على حوالي 200 جين، بما في ذلك 3 جينات تتحكم في تنظيم التعبير الجيني. ووجد الباحثون أن الخلايا الدماغية النامية من مرضى “آم إي أف 2 سي”، تحتوي على مستويات منخفضة من بعض “ميكرو أر إن إيه آس”. وعندما أضاف الباحثون هذه الجزيئات إلى العضويات الدماغية، تطورت الأدمغة بشكل أكثر طبيعية.
وعلى الرغم من أن اضطراب طيف التوحد لا يُشخّص عادة أثناء نمو دماغ الجنين، إلا أن ليبتون طور دواء يمكن أن يساعد في تعزيز التوازن بين الخلايا العصبية. وتم اختبار “نيتروسينبسين” على الأدمغة الصغيرة، وأظهر أنه قادر على تصحيح الخلل جزئيا، واستعادة التوازن بين الخلايا. ويقول ليبتون “نواصل اختبار هذا الدواء في نماذج حيوانية، ونتطلع إلى استخدامه لدى البشر قريبا”.
ومؤخرا، أعلنت مؤسسة العلوم الروسية أن علماء من روسيا والصين تمكنوا من تطوير خوارزمية ذكاء اصطناعي ستسهل عملية الكشف عن مرض التوحد من خلال فحص بيانات التخطيط الكهربائي للدماغ. وجاء في بيان صادر عن الخدمة الصحافية للمؤسسة: “تمكن علماء من روسيا والصين من تطوير خوارزمية ذكاء اصطناعي يمكنها الكشف عن مرض التوحد بنسبة 95 في المئة، من خلال تحليل بيانات التخطيط الكهربائي للدماغ”.
ومن جهته قال البروفيسور في جامعة البلطيق الفيدرالية الروسية، ألكسندر خراموف: “تهدف الخوارزمية التي طورناها بشكل خاص للبحث عن السمات المميزة لدى الأطفال المصابين بالتوحد، ومقارنة بيانات التخطيط الكهربائي لأدمغتهم مع البيانات المتعلقة بالأطفال الأصحاء، هذه الخوارزمية ستمكننا من الاستفادة من التعلم الآلي للذكاء الاصطناعي في الكشف السريع عن أعراض مرض التوحد في مراحله المبكرة”.
وأشار خراموف إلى أن العلماء طوروا الخوارزمية المذكورة باستخدام نوع خاص من تقنيات الذكاء الاصطناعي يدعى نظام التشفير التلقائي المتباين، وتمت برمجة الخوارزمية لاكتشاف أنماط محددة من البيانات التي يتم الحصول عليها من المخططات الكهربائية للدماغ، وللقيام بهذا الأمر تم جمع بيانات المخططات الكهربائية لأدمغة 298 طفلا تتراوح أعمارهم بين 2 إلى 16 سنة، نصفهم مصابون بأشكال مختلفة من مرض التوحد، وتمت مقارنة بيانات الأطفال المصابين بالمرض مع بيانات الأطفال الأصحاء.
وأظهرت الاختبارات التي أجريت على الخوارزمية بعد تطويرها أنها كانت قادرة على التعرف على المصابين بالتوحد بناء على بيانات المخططات الكهربائية للدماغ بنسبة 95 في المئة، كما أنها لم تعط أية نتائج كاذبة، أي أنها لم تصنف الأشخاص الأصحاء على أنهم مصابين بمرض التوحد.
وبالإضافة إلى ذلك، أتاحت الخوارزمية للعلماء تحديد العديد من السمات المميزة للمصابين بمرض التوحد، بما في ذلك ضعف بعض الاتصالات الوظيفية في الفص الأمامي للدماغ، لذا اقترح مطوروها أن يتم الاستفادة منها ومن بيانات التخطيط الكهربائي للدماغ في تطوير آليات جديدة للكشف عن المرض.
وتظهر علامات مرض التوحد لدى بعض الأطفال في الأشهر الأولى من عمرهم، ولكن في حالات أخرى، لا تظهر أي علامات على الإطلاق. وتحدث الدكتور بونيت شاه، أستاذ علم النفس والخبير في التنوع العصبي من جامعة باث، عن بعض العلامات المحتملة للمرض، وهي:
♦ تجنب التواصل البصري: يعد عدم التواصل البصري أثناء المحادثة أحد علامات مرض التوحد لدى الأطفال، نظرا لأن تجنب التواصل بالعين يساعد في تقليل القلق، ما يساعد على التعامل بشكل أفضل في المواقف الاجتماعية، كما يقول شاه.
♦ الحساسية الحسية: يعتبر الشعور بالضيق عند سماع أصوات عالية، أحد الاختلافات الحسية التي غالبا ما يمكن ملاحظتها لدى الأطفال المصابين بالتوحد.
وقال الدكتور شاه: “بشكل عام، الأطفال المصابون بالتوحد لديهم حساسية حسية تجاه أشياء مختلفة. وقد يكون هذا في كثير من الأحيان بسبب أمور يمكن التنبؤ بها، مثل الأضواء الساطعة والأصوات العالية، ولكن أيضا الألوان والأنماط غير العادية”.
♦ صعوبة الكلام: قال شاه إن علامات مرض التوحد قد تشمل ترديد الكلمات والعبارات، وعدم التحدث كثيرا مثل الأطفال الآخرين.
◙ علامات مرض التوحد تظهر لدى بعض الأطفال في الأشهر الأولى من أعمارهم لكن في حالات أخرى لا تظهر أي علامات على الإطلاق
وأضاف: “يتأخر الكلام بشكل عام قليلا عند الأطفال المصابين بالتوحد، ولكن ليس دائما. يمكن أن تكون العلامة الأخرى عبارة عن أصوات أو كلام متكرر، يُعرف أحيانا باسم الإيكولاليا، والذي يمكن أن يكون سمة من سمات التوحد”.
♦ السلوك المتكرر: تقول هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية إن تفضيل روتين يومي صارم للغاية، والانزعاج إذا تغير، هو علامة على مرض التوحد لدى الأطفال.
ويوضح شاه أن هذه الحاجة إلى الروتين يمكن أن تظهر بطرق مختلفة، ويمكن أن تكون ذات طابع خاص، ما يعني أن الأطفال ستكون لديهم عادات أو طرق غير عادية في التصرف.
♦ الحركات المتكررة: يمكن للأطفال المصابين بالتوحد القيام بالحركات نفسها بشكل متكرر.
وتقول هيئة الخدمات الصحية الوطنية إن هذا يظهر عند الأطفال الصغار على شكل رفرفة أيديهم أو نقر أصابعهم أو هز أجسادهم. ومع ذلك، قد يرغب الأطفال أيضا في البحث عن تجارب بصرية أو سمعية محددة، بما في ذلك أفعال نسبية مثل تدوير العجلات في قطار لعبة، أو النظر عبر قضبان السياج، أو الاستماع إلى نغمات البرامج المفضلة.
♦ سوء فهم العاطفة: قد يكون من الصعب على الأطفال المصابين بالتوحد تكوين صداقات، وغالبا ما يختارون اللعب بمفردهم.
وقد يجد بعض الأطفال صعوبة أيضا في التعبير عما يشعرون به، وفي بعض الأحيان لا يفهمون ما يشعر به الآخرون. ومع ذلك، فإن سوء فهم المشاعر وعدم فهم ما يفكر فيه الآخرون أو يشعرون به يمكن أن يكون علامة على عدة حالات. وقال شاه "هذا يعتمد على الشخص ويمكن أن يكون مرتبطا في كثير من الأحيان بالحالات التي تتداخل مع مرض التوحد، مثل أليكسيثيميا (أو العمى العاطفي)".