اختبار جدي لقانون التحرش الجنسي في لبنان

يواجه قانون التحرش الجنسي في لبنان اختبارا لمدى فاعليته في حماية ضحايا التحرش، خصوصا في مواقع العمل. وتعتبر حادثة التحرش التي تعرضت لها الممثلة اللبنانية ترايسي يونس، والتي فسحت المجال لأخريات كي يحكين قصصا مشابهة، اختبارا جديّا لهذا القانون حيث ستثبت ما إذا كان قادرا على حماية النساء حقا أم أن مآله الفشل.
بيروت - أعلنت ترايسي يونس عن اتهامات بالتحرش الجنسي ضد مخرج سينمائي محلي، وقالت الممثلة اللبنانية إنها تحدثت “حتى يعرف أمثاله حدودهم”.
وفي غضون أيام تقدّمت أكثر من اثنتي عشرة امرأة لسرد تجارب مماثلة مع نفس الرجل، مُتشكّيات من ممارسات تشمل تقديم نصوص في وقت متأخر من الليل وعروض لأدوار في أفلامه تحولت إلى تحرش جنسي ووصف للتخيلات الجنسية.
وجذبت قصصهن انتباه وسائل الإعلام بسرعة، مما دفع الشرطة إلى إجراء تحقيق في أولى الشكاوى الجنائية المعروفة التي قدمتها نساء بموجب قانون التحرش الجنسي الجديد في لبنان.
وقالت يونس (27 عاما) لمؤسسة تومسون رويترز “قلن لي ‘أنا أيضا، جرّب نفس الطرق معي’…”.
ولم توجه أي اتهامات للمخرج والصحافي جعفر العطار، ونفى جميع مزاعم التحرش الجنسي قائلا إن أفعاله ربما تشكل “مصدر إزعاج” وليس تحرشا.
وأدلت ست نساء بشهاداتهن حول ما اعتبرنه رسائل متكررة غير مرغوب فيها ومكالمات هاتفية وتقربات جنسية من المخرج العطار، فيما وصفه محاميهن أيمن رعد بـ”قضية اختبار”.
وقال المطلعون إن هذه القضية التاريخية من المحتمل أن تجعل الرجال في السلطة يحاسبون على أفعالهم في بلد تكسر فيه النساء الحواجز وسط أزمة اقتصادية واحتجاجات في الشوارع استمرت أشهرا.
وقال رعد “لدينا القدرة على تسجيل سابقة”.
60 في المئة من النساء في لبنان تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي مثل المضايقة
ووجد استطلاع أجرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة في 2017 أن ما يقرب من 60 في المئة من النساء في لبنان تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي مثل المضايقة في الشوارع والتحرش عبر الإنترنت في الأشهر الثلاثة السابقة.
ويجرم القانون الجديد، الذي تبناه البرلمان في ديسمبر، “أي سلوك سيء متكرّر خارج عن المألوف وغير مرغوب فيه من الضحية بمدلول جنسي” بصفته “يشكّل انتهاكا للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر ويقع على الضحية في أي مكان وُجدت فيه عبر أقوال أو أفعال أو إشارات أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، وبأي وسيلة تمَّ التحرش بها، بما في ذلك الوسائل الإلكترونية”، ويمكن أن تتم معاقبة الجاني بالسجن لمدة تصل إلى عام وغرامة تصل إلى 10 أضعاف الحد الأدنى للأجور.
وقالت جماعات نسوية إن القانون فتح طريقا جديدا للمساءلة في بلد تواجه فيه المرأة التمييز في مجموعة من المحاكم الدينية التي تشرف على قضايا الزواج وحضانة الأطفال.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن التشريع فشل في إجبار أصحاب العمل على اتخاذ تدابير وقائية ضد التحرش الجنسي ولم يحم النساء من الانتقام المحتمل بشكل كاف، بما في ذلك التجاوزات التي تقع في مكان العمل.
وقالت حياة مرشاد، وهي عضوة مؤسسة ومديرة البرامج في المنظمة النسوية “في-مال”، “تضع هذه القضية القانون أمام المحاكمة؛ إما أن نثبت أنه يمكن أن يحمي النساء حقا أو يفشل في الاختبار الأول”.
مصدر إزعاج
وإثر سؤاله عن مزاعم النساء قال عطار إن مكالماته المتكررة ورسائله والصور غير الصريحة التي شاركها مع النساء تشكل “مصدر إزعاج” وليس تحرشا جنسيا.
وقال الرجل البالغ من العمر 33 عاما لمؤسسة تومسون رويترز عبر الهاتف “كان من الخطإ القيام بذلك”، موضّحا أن سلوكه كان مدفوعا باستهلاك الحشيش الذي اختلط بشكل سيء مع الأدوية التي كان يتناولها، بما في ذلك علاج الاضطراب ثنائي القطب.
وقال رعد إن بعض الحالات الفردية تضمنت عناصر من التحرش الجسدي ومن بينها الاغتصاب المزعوم. ونفى العطار هذه المزاعم وقال إن السلطات لم تقرر استدعاءه للاستجواب بعد.
وأكد متحدث باسم قوى الأمن الداخلي اللبنانية أن التحقيق جارٍ، لكنه امتنع عن الإدلاء بالمزيد من التفاصيل.
وتقول بعض النساء اللاتي اتهمن عطار بالتحرش الجنسي إنه استخدم العمل كذريعة للاتصال بهن، بما في ذلك عروض التمثيل في فيلم قال إنه ينتجه.
وقالت يونس إنها تلقت من عطار عددا من الرسائل وصورا على غرار سيلفي ومكالمات في وقت متأخر من الليل على مدى شهرين بعد أن بدأ الاتصال ليعرض عليها دورا في فيلم.
وعندما أغلقت عليه أحد التطبيقات أرسل إليها رسالة على تطبيق آخر باستخدام اسم مزيف، وفق قولها، مما دفعها إلى إخباره بأنها ستتصل بالشرطة إذا تحدث إليها مرة أخرى.
وقالت الصحافية اللبنانية لونا صفوان إن العطار اتصل بها في البداية ليحدثها عن مسألة تتعلق بالعمل ثم غيّر الموضوع ووصف التخيلات الجنسية التي تشمل الدور المزمع أداؤه.
وعندما حاولت صفوان صدّه أصر على مواصلة ممارساته، على حد قولها، مضيفة أنها كانت تأمل في أن يؤدي القرار الذي اتخذته النساء -المتعلق بالتحدث عن التحرش علنا- إلى دفع نظام المحاكم اللبناني البطيء إلى العمل.
وتابعت “إنها خطوة مهمة نتخذها معا ولكننا بحاجة إلى الانتظار لنرى كيف ستسير الأمور”.
نطاق محدود

ويرى المختصون أن قانون تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه، الذي أقره لبنان في 21 ديسمبر 2020 ، لا يرقى إلى مستوى اتفاقية القضاء على العنف والتحرّش التي تنصّ على معالجة الحكومات للعنف والتحرّش في العمل من خلال “نهج شامل ومتكامل ومراعٍ لقضايا الجنسَيْن”، بما في ذلك اعتماد القوانين المتعلقة بالعمل، والصحة والسلامة المهنيّتَيْن، والمساواة وعدم التمييز، بالإضافة إلى القانون الجنائي.
وقالت نيشا فاريا، مديرة مناصرة حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش، إن “تجريم التحرّش الجنسي خطوة مهمة لإدانة الاعتداء السلوكي الذي طالما جرى تقبّله واعتباره طبيعيا في لبنان، لكنّ ذلك غير كافٍ”، مشيرة إلى أن الحملات الإعلامية وفرض شروط إلزامية على أصحاب العمل لمنع التحرّش الجنسي والاستجابة له، والرصد، والتطبيق… جميعها خطوات أساسية لمعالجة هذه المسألة الخطيرة التي تؤثّر على الحياة المهنية والشخصية للمرأة.
ويعد التحرّش الجنسي مشكلة متفشية في لبنان. ووفق تقرير صدر في 2016 عن الدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسَيْن في لبنان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة تعرض ثلثَا المستجيبات للتحرّش الجنسي في أماكن عامة، وأكدت كثيرات منهنّ أنهن واجهن ذلك خلال الأشهر الثلاثة السابقة.
وعبرت عدة مجموعات لحقوق المرأة عن خيبة أملها بسبب النطاق المحدود للقانون الذي اعتُمد واستبعاد مجموعات المجتمع المدني من النقاشات والمراجعة النهائية للقانون. وكانت العديد من هذه المجموعات قد عملت خلال عقد من الزمن على نسخة أخرى من المشروع.
وطرح المحامي كريم نمّور في المجلة الحقوقية “المفكّرة القانونية” مخاوف عديدة اعتبر أنّها قد تعطّل فاعلية القانون في حماية ضحايا التحرّش، خصوصا في أماكن العمل. وقال لـهيومن رايتس ووتش “ينبغي تحديد إجراءات حماية واقعية للمشتكين. كيف تستمرّين في الذهاب إلى عملك إذا كنتِ قد تقدّمتِ بشكوى جنائية ضدّ صاحب العمل؟ تستغرق المحاكم ثلاثة إلى أربعة أعوام. قد تحصلين على تعويض بعدها، لكن على الأرجح ستكونين قد خسرتِ وظيفتك”.
وغالبا ما تواجه ضحايا التحرّش الجنسي والعنف خطر معاودة التعرض للوصم عند التماس التعويضات من خلال نظام القانون الجنائي، بسبب التمييز في مراكز الشرطة ومن قبل المدعين العامين والقضاة، وعبء الإثبات الثقيل عليهنّ، وكون جلسات الاستماع الجنائية علنية.
ووجدت لجنة الحقوقيين الدولية عقبات كثيرة في إدارة النظام الجنائي اللبناني تعيق نيل النساء حقوقهن في القضايا المتعلقة بالعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الجندر). وتشمل العقبات غياب تحقيقات فعّالة مراعية للجندر، وعدم كفاءة الأشخاص الذين يجرونها، وقلّة الموارد، والقوالب النمطية التي تطغى على عقليات مسؤولي القضاء، بالإضافة إلى التمييز في السياسات والممارسات.
ويعاقب القانون المتحرّش جنسيّا بالسجن حتى عام وبغرامة تصل إلى عشرة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور. وفي بعض الأوضاع، بما فيها التبعية أو علاقة العمل، يُعتبر التحرّش جريمة خطيرة وتزداد فترة السجن إلى أربعة أعوام والغرامات إلى 50 ضعف الحدّ الأدنى للأجور.
ويملك القانون جانبا إيجابيا، إذ يحمي الضحايا من الثأر عبر المس براتبهنّ أو بترقيتهنّ، أو نقلهنّ إلى قسم آخر، أو عدم تجديد عقدهنّ، أو اتخاذ إجراءات تأديبية بحقّهن. ويتضمّن القانون تدابير لحماية المبلّغين عن المخالفات ويمنع التمييز ضدّ من يبلغ عن التحرّش أو يدلي بشهادته بشأنه، ويمنع الاعتداء عليه أو اتخاذ إجراءات تأديبية بحقّه.