احتجاج الأحياء الشعبية إنذار للساسة بخطورة الأوضاع في المناطق التونسية المهمشة

تونس – تحولت الأحياء الشعبية خلال الأيام الماضية، إلى مراكز احتجاجات يشتدّ فيها الاحتقان بين المدنيين الغاضبين من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المأزومة ورجال الأمن الرافضين للمظاهرات.
وخلال الأسبوع الماضي، صعد اسم "حي التّضامن" بسرعة البرق في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بعد كسر أبناء هذا الحي الشّعبي حظر التجوال ومواجهة قوات الأمن، لأسباب غابت عن الكثيرين وحضرت لدى أبناء المنطقة.
ولا تملك السلطات التونسية والسّياسيون تفسيرا رسميا لدوافع هذه الأحداث اللّيلية، إلا أنها وفق مراقبين، صورة تعكسُ غياب الأمل وتفشي الفقر والبطالة وتردي الظّروف الاقتصادية والاجتماعية، التي لم يُغيّر مرور عقد من الزمن على اندلاع الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عام 2011 شيئا منها.
ويقع هذا الحيّ على بعد نحو 6 كيلومترات من العاصمة التونسية بمحافظة أريانة، ويمتد على مساحة لا تتعدى 5 كيلومترات مربعة يسكنها نحو 200 ألف نسمة، في مساكن متراصة وكثافة سكانية تخفي العشرات من العاطلين عن العمل أو غير المُصنفين (سواء من العاملين أو غير العاملين) في حياة يرونها صعبة ومكلفة.
ويؤوي "حي التضامن" كما الأحياء الشعبية بصفة عامة، فئات اجتماعية متنوعة ومختلفة، أغلبها من النازحين من المحافظات الداخلية للبلاد (ظاهرة انطلقت منذ 1960)، وينتشر فيها العنف.
وخلال بداية تسعينات القرن الماضي، كان حي التضامن معقلا لإسلاميي حركة النهضة الملاحقين من قبل النظام السابق. وبعد أحداث الثورة تحول الحيّ إلى مركز تنشط فيه عناصر تنتمي إلى التيارات الدينية المتشددة، منها تنظيم "أنصار الشريعة" المحظور، الذي دخل في مواجهات أمنية في مايو 2013 عندما مُنع من تنظيم مؤتمره الثاني بالقيروان.
محاولة لتغيير الواقع
تقول إيمان (إعلامية تقطن حي التّضامن) إن "الأحداث الأخيرة بالمنطقة كانت مُنتظرة وهي مرتبطة بالوضع العام الصّعب الذي تعيشه تونس".
وتضيف أن "المناطق الشعبية غالبا تحتمل الكثير من الصّبر في مواجهة واقعها، لكن حين ينفجر الوضع تصعب معه العودة خطوة إلى الوراء".
وحسب إيمان فإنّ "البؤس والحيرة على وجوه السّكان هنا، عشر سنوات مرت على اندلاع الثورة ولا شيء تغير (..) كل الآمال والأمنيات تضمحل تدريجيا مع مرور الأيام، الأمر الذي أثار الشّبان لإعلان عدم رضاهم عن الواقع ورغبتهم في التّغيير تبقى مشروعة".
وكانت وزارة الدّاخلية التّونسية أعلنت توقيف 630 من المحتجين في أنحاء البلاد على خلفية الأحداث التي رافقت التحركات الليلية المتزامنة بين 14 و17 يناير الجاري، أكثرهم من القصّر والأطفال ممن لم تتعد أعمارهم 18 سنة، فيما تحدثت منظمات حقوقية عن إيقاف أكثر من 1000 محتج.
ودعت منظمة "العفو الدولية" أجهزة إنفاذ القانون (وزارة الداخلية والنيابة العمومية)، إلى الإفراج عن جميع المعتقلين تعسفيا، والإفراج المؤقت عن أولئك الذين يُحتمل أن يواجهوا المحاكمة في حالات لا يوجد فيها دليل واضح على ارتكابهم جرائم.
لا أمل في التغيير
يقول حمودة (شاب ثلاثيني) من سكان "حي التضامن" إنه "من الغريب أن يعتبر السّياسيون والمحللون أن التّحركات الماضية لا سبب لها، (..) عليهم أن يزوروا الأحياء الشعبية وسيعرفون أسبابها ومطالب سكانها".
ويوضّح أن "الكثيرين تجاوزوا الثلاثين لا يجدون عملا، الأمل شبه منعدم والشباب يتجهون لاستهلاك الأقراص المخدرة وكل ما يمكن له أن يبعدهم عن الواقع".
ويردف حمودة أنه "يجب أن تتوفر حلول للحدّ من البطالة الإجبارية للشباب والآلاف من التونسيين (..) على الدولة أن تكون حاضرة في الأوقات الصعبة لا في زيارات رسمية فقط لالتقاط الصّور دون أن تُغيّر شيئا من المأساة المستمرة".
من جهته، يقول شهاب (20 عاما) وهو أيضا من سكان حي التضامن "قد تكون الصورة عادية للكثيرين ممن لا يعرفون المنطقة، الحقيقة مؤلمة جدا (..) المئات من العائلات لا تستطيع توفير قوت يومها بسبب غلاء الأسعار والبطالة، مرت عشر سنوات منذ الثورة ولا شيء تغير هنا".
ويؤكد الشاب العشريني "لا أرى أملا كبيرا ولا أعتقد أن الكثير سيتغير"، حتى أنه لا يلوم "من يغادرون البلد الذي يشيد السّجون ولا يوفرُ العمل (..) أطلب فقط أن يُفرج عن الشّبان الذين تمّ إيقافهم، وأن يعملوا على إيجاد حلول لتغيير واقع المنطقة وتونس ككل".
وبجانب عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي وأزمة انتشار كورونا وصلت نسبة البطالة في تونس حتى أغسطس الماضي وفق إحصائيات رسمية إلى 16.2 في المئة من السكان، 30.1 في المئة منهم ممن يحملون شهادات عليا.
إنذار للطبقة السياسية
ويرى أستاذ علم الاجتماع جهاد الحاج سالم أن "الاحتجاجات خاصة في الأحياء الشعبية، هي نتاج لفشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية وهي نتيجة لغضب مشروع".
ويقول الحاج سالم إن "الانتخابات الأخيرة كانت مؤشرا لضرورة عمل أكبر للطبقة السياسية على تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي وتطبيق عدالة حقيقية وإصلاح المؤسسات، وهو ما لم يحصل".
ويتابع "رغم رفض الكثيرين الإفصاح عن أسباب موجة الغضب الجارية، إلا أن المتابع بعمق للسّنوات الماضية يستنتج أن التّراكمات ستؤدي لانفجار الوضع بلا ريب".
ويضيف أن "عددا من الجهات السياسية عبّرت عن تضامنها مع الاحتجاجات، باعتبارها تتحمل جزءا من المسؤولية على غرار حزب التيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي/22 نائبا بالبرلمان)".
في المقابل، يوضّح أن "أحزابا أخرى تعتبر الاحتجاجات مجرد أعمال شغب وتخريب، الأمر الذي يعكس انفصالها عن واقع جزء هام من الشباب والطبقة الشعبية والمهمشة في تونس".
ويطالب الحاج سالم الطبقة السياسية والأحزاب بـ"الاعتراف بفشل اقترابها من الواقع بعدم تحصيل المطالب الأساسية للثورة، التي تبقى ملهمة لأبناء الأحياء الشعبية الذين قد يختلفون عن طبقات أخرى في التعبير، باختيارهم الاحتجاجات الليلية، مقابل الإضراب والاعتصام والاحتجاج نهارا".
وبحسب أستاذ علم الاجتماع فإن الحيلولة دون انفجار الوضع في البلاد ممكنة "بالتقاط إشارة الاحتجاجات والوعي بجدية هموم الشباب والمجتمع، والابتعاد عن البحث عن المنافع الخاصة وتصويب مسار الديمقراطية".
والثلاثاء، أفاد رئيس الحكومة هشام المشّيشي بأنه على وعي بأن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية متأزمة وأنه يتفهم الغضب والإحباط لدى الشباب الذين سيتعامل معهم فريقه الحكومي كقوة اقتراح للحلول وسترافقهم الدولة بإدارتها وقوانينها لتحقيق طموحاتهم وأحلامهم.