احتجاجات غيزي أسوأ سيناريو لأردوغان تلهم المتظاهرين

ما تزال ارتدادات حادثة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، قائمة ومتفاعلة في تركيا بعد ستة أيام من اعتقاله رغم حظر السلطات التركية للتظاهرات. ومع تصميم المحتجين على تحدي السلطات تبدو الأمور مرشحة للمزيد من الاحتقان.
إسطنبول - أعادت الدعوات إلى المقاومة والسير نحو ساحة تقسيم في إسطنبول التي أطلقها المتظاهرون الأتراك خلال الأيام الستة الماضية، إلى الذاكرة أسوأ سيناريو بالنسية إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ألا وهي احتجاجات غيزي عام 2013.
وانطلقت حركة الاحتجاج بتعبئة نفذتها مجموعة صغيرة من الناشطين المدافعين عن البيئة ضد مشروع كان سيدمر متنزّه غيزي في إسطنبول المجاورة لساحة تقسيم، قبل أن تتحول إلى تظاهرات أوسع ضد أردوغان الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك.
وعلى مدى أسابيع، خرج الملايين إلى الشارع في كل أنحاء البلاد. وأسفرت المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة الآلاف.
وفي نهاية المطاف تراجع زخم التحرك الذي قمع بشدة، لكن تأثيره كان كبيرا. ومنذ ذلك الحين، تمنع السلطات أي تجمع في ساحة تقسيم التي طوقتها الشرطة منذ بدء التظاهرات الأربعاء التي اندلعت بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو، خصم أردوغان الرئيسي.
ولم يردع الحظر المفروض على التجمعات في كل أنحاء المدينة المطبق منذ ذلك الحين، المتظاهرين ومعظمهم من الشباب الذين يحتشدون بالآلاف كل ليلة أمام مبنى بلدية إسطنبول.
موجة الاحتجاجات العارمة تبدو فرصة للمزيد من الترويج لشعبية إمام أوغلو وبالتالي لحزب المعارضة الذي ينتمي إليه
وانتشرت في كل مكان شعارات احتجاجات غيزي، ويردد المتظاهرون كل مساء “ساحة تقسيم في كل مكان، المقاومة في كل مكان!” وهو شعار يعود لعام 2013.
ويناشد المحتجون زعيم حزب المعارضة الرئيسي أوزغور أوزيل الذي يدعو الحشود كل مساء للتجمع امام مقر بلدية المدينة مرددين “أوزغور إلى ساحة تقسيم!”
واتخذت الشرطة التي انتشرت بأعداد كبيرة، إجراءات مشددة بحق المتظاهرين الذين حاولوا السير نحو ساحة تقسيم في تحد لأردوغان.
وقال آرون شتاين مدير معهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة إن احتجاجات عام 2013 “ساهمت بالتأكيد في تأجيج مخاوف (الرئيس أردوغان) من التظاهرات” ويرى شتاين أن الرئيس التركي سيبذل كل ما في وسعه لمنع التحرك الحالي من اكتساب المزيد من الزخم.
وقال المحلل سيركان دميرطاش لوكالة فرانس برس إن “أردوغان لا يحب التظاهرات لأنه لا يؤمن بالديمقراطية ولأنها تشوه صورته كزعيم قوي.”
وفي عام 2013، ترجم الغضب خصوصا بين الشباب بما كان يُعتبر أنه تغيير في أسلوب حياتهم، مشددا من ناحية أخرى على أن وراء الاحتجاج الحالي “الظلم السياسي العميق.”
ويضيف شتاين الذي يرى أن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول “يطيح العقد الاجتماعي بين الأتراك وحكومتهم”، أن “ما يحدث الآن أكثر خطورة بكثير.”
وتقول إليف وهي عازفة من إسطنبول تبلغ 36 عاما تشارك في التظاهرات، إنه خلافا لما يحصل اليوم، لم تكن احتجاجات 2013 مدعومة من حزب سياسي. وتؤكد “كان أمرا غير مسبوق لأنه كان تحركا شعبيا.”
مراقبون يخشون أن يؤدي الاحتقان السياسي إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي
وقامت الحكومة بحملة قمع وأوقفت شخصيات من المجتمع المدني والناشطين، واتهمتهم بالإرهاب أو التجسس.
والمستهدف الأكثر شهرة لحملة القمع هو رجل الأعمال عثمان كافالا الذي حكم عليه بالسجن المؤبد بعدما اتهم بمحاولة إطاحة الحكومة من خلال دعم احتجاجات غيزي وهو ما كان ينفيه دائما. ومنذ ذلك الحين، لم تشهد تركيا تظاهرات بهذا الحجم.
ويرى دوغان غوربينار المؤرخ في جامعة إسطنبول التقنية، أن احتجاجات غيزي عززت موقف رجب طيب أردوغان: فقد رأى فيها “فرصة لإعادة توجيه الأجندة السياسية بالاستناد الى الحروب الثقافية،” ما يزيد من استقطاب المجتمع “لتعزيز قاعدته.”
ويضيف “يعرف جيدا كيف يستغل هذا الوضع ويناور بسهولة.” ومع ذلك، يشكك المؤرخ في قدرة الرئيس التركي على الخروج منتصرا مرة أخرى من الاحتجاجات الحالية.
ويؤكد أن “قاعدته الانتخابية، والأهم من ذلك قاعدته الاجتماعية، تراجعت إلى حد كبير” منذ العام 2013.
ويضيف غوربينار “هذه المرة تختلف اللعبة عن الحروب الثقافية الكلاسيكية التي استلهمها من الإستراتيجيات الشعبوية.”
ويعتبر إمام أوغلو الذي رشحته المعارضة التركية الأحد، لخوض الانتخابات الرئاسية في 2028 رغم إيقافه، المنافس الرئيسي للرئيس التركي أو مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ويتميز إمام أوغلو بامتلاكه شعبية واسعة بين مختلف الكتل الانتخابية. إذ أنه قادر على جذب أصوات الأكراد مع الحفاظ على علاقات قوية مع السياسيين القوميين من خلال كاريزمته وحديثه العام.
والأهم من ذلك، أنه قادر على استقطاب الناخبين العلمانيين والإسلاميين على حد سواء. فهو يحظى بدعم شريحة من المجتمع التركي تلتزم بالرؤية العلمانية التي وضعها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
وفي الوقت نفسه، يستطيع التقرّب من الناخبين المتدينين، مثل تلاوته لآيات من القرآن الكريم علنا.
وساعدت هذه القدرة على توحيد الدوائر الانتخابية المتنوعة إمام أوغلو على هزيمة حزب أردوغان في إسطنبول مرتين عام 2019، فبعد الهزيمة الأولى، رفض أردوغان قبول النتيجة، وألغى المجلس الأعلى للانتخابات.
وعززت إعادة انتخاب إمام أوغلو رئيسا لبلدية إسطنبول عام 2024 سمعته كسياسي بارز قادر على هزيمة أردوغان في صناديق الاقتراع.
وتبدو موجة الاحتجاجات العارمة فرصة للمزيد من الترويج لشعبية إمام أوغلو وبالتالي لحزب المعارضة الذي ينتمي إليه.
ويقول محللون أنه في صورة ما أدين إمام أوغلو بعد استكمال التحقيقات وهي نتيجة مرجحة، فإن عددا كبيرا من مناصري الديمقراطية والحريات في البلاد سيصوتون لمرشح المعارضة البديل لإمام أوغلو في ما يشبه التصويت العقابي لحزب العدالة والتنمية.
وقوبل اعتقال إمام أوغلو باستهجان واسع من جانب جميع أحزاب المعارضة التركية، ودعوات إلى توحيد الصفوف للفوز بأغلبية البرلمان في الانتخابات المقبلة، وممارسة الضغط التشريعي على السلطة الحاكمة.
ويخشى مراقبون أن يؤدي الاحتقان السياسي إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي، مما قد يؤثر على تدفقات رأس المال والاستثمارات المباشرة. وقد تواجه تركيا ضغوطا اقتصادية إضافية إذا استمرت التوترات السياسية، خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية.
وشهدت الليرة التركية تراجعا فور الإعلان عن اعتقال إمام أوغلو، حيث انخفضت قيمتها أمام الدولار وسط مخاوف من عدم الاستقرار السياسي. كما تراجعت مؤشرات البورصة التركية، مما يعكس قلق المستثمرين من تداعيات الأزمة السياسية.