اجتثاث الفساد.. أصعب مهمة تواجهها الدولة المصرية

فتح إلقاء القبض على وزير الزراعة المصري بالقرب من ميدان التحرير الذي شهد اندلاع ثورة 25 يناير 2011 للقضاء على الفساد، الباب أمام كثير من التكهنات حول الدلالات السياسية للموقف الذي يعد الأول في تاريخ مصر الحديثة بأن يتم القبض على وزير بشكل علني ومهين في الشارع.
والتفسير الأقرب لما حدث يقول إنها رسالة واضحة المعاني من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي تبنى نهج محاربة الفساد، بأنه لن تكون هناك عصمة أو اعتبار لفاسد مهما كان منصبه أو وضعه الاجتماعي.
في المقابل فرضت الواقعة مخاوف من التأثيرات السياسية والاقتصادية لخطة مواجهة الفساد، خصوصا في ضوء معلومات مخيفة بأن انعدام النزاهة ربما يطال عددا غير قليل من المسؤولين الحكوميين في الدرجات العليا والمتوسطة، ما يعني أن الرئيس المصري قرر الدخول في حرب ضد أجهزة الدولة نفسها.
لكن خبراء، سألتهم “العرب”، قالوا إن القضية يمكن أن تساهم بشكل كبير في رفع شعبية الرئيس السيسي، لاسيما في أوساط قطاعات كبيرة من شباب الثورة المصرية، أصبحوا محملين بمواقف سلبية تجاهه.
وقال مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب”، إن الحكومة تسعى من خلال هذه القضية إلى التأكيد عزمها على مواجهة الفساد وعدم التستر على أي مسؤول، لافتا في الوقت نفسه إلى أن حجم الفساد في مصر انخفض خلال العامين الماضيين، طبقا لتقارير منظمة الشفافية الدولية.
النيابة العامة قررت حبس 4 متهمين احتياطيا يتقدمهم وزير الزراعة المستقيل في القضية التي تشير تسريبات عدة إلى تورط مسؤولين وإعلاميين آخرين فيها
ودعا السيد للانتظار حتى تظهر الحقائق كاملة، في ظل حظر النشر المفروض من القائم بأعمال النائب العام، لكنه توقع أن تكون قضية وزير الزراعة بداية لفتح ملفات مسؤولين آخرين.
حول التأثيرات السياسية والاقتصادية لفتح ملف الفساد في مصر، قال السيد إن مكافحة الفساد أقوى سلاح في مواجهة الإرهاب، الذي وجد بيئة خصبة في مجتمعنا طوال العقود الماضية، بسبب انتشار الفساد الذي سد أبواب الأمل في العدالة والمستقبل في وجوه الشباب، ما دفع بعضهم للوقوع فريسة سهلة لدى التنظيمات المتطرفة.
وقد قررت النيابة العامة حبس 4 متهمين احتياطيا يتقدمهم وزير الزراعة المستقيل في القضية التي تشير تسريبات عدة إلى تورط مسؤولين وإعلاميين آخرين فيها، حيث يواجهون عدة اتهامات، من بينها طلب هدايا وعقارات على سبيل الرشوة، مقابل تقنين إجراءات تملك 2500 فدان في وادي النطرون شمال غرب البلاد بالمخالفة للقانون.
بدروه، لم يستبعد أحمد دراج، القيادي السابق بحزب الدستور، أن يكون القبض على وزير الزراعة، مثل مشرط الجراح الذي يؤدي إلى توحش خلايا الفساد السرطانية في جسم مصر، خاصة أنها أكثر انتشارا وتماسكا من الخلايا السرطانية الحقيقية.
وأكد دراج أن القضية في المقابل سوف تكون لها تبعات إيجابية علي النظام المصري، أولها تثبيت أركان حكمه مع كل حالة فساد جديدة سيجري الكشف عنها، متوقعا ألا تكون قضية وزارة الزراعة نهاية المشوار بل ستتبعها قضايا كثيرة.
وفي تعليقه عما يتردد على مواقع التواصل الاجتماعي من أن القبض على وزير الزراعة في الشارع بالقرب من ميدان التحرير يحمل شبهة “الشو الإعلامي”، قال دراج إنه لا يستطيع القطع بذلك، ربما كان الهدف من المسألة تكريس ثقافة لدى الناس بأن ميدان التحرير الذي شهد انتفاضة الشعب ضد الفساد والتوريث في عهد مبارك، وضد التمكين في عهد مرسي، هو نفسه الذي يشهد سقوط رؤوس الفساد في عهد السيسي، مضيفا أنه بغض النظر عن الشكل ودلالاته فإن ما يهم المصريين إلقاء القبض على وزير فاسد، وهو حلم طالما راود مخيلة ملايين المواطنين، وخرجوا لأجله في ثورتين شهد لهما العالم كله.
حملة مواجهة الفساد جزء من عملية إصلاح هيكلي واسعة في الجهاز الإداري للدولة بعيداً عن الاستقطابات السياسية
قضية وزير الزراعة التي انتهت بتدخل من الرئيس نفسه الذي طالب الوزير بالاستقالة، ثم أعطى الضوء الأخضر للأجهزة الرقابية للقبض عليه، أثارت تساؤلات مهمة عن الدور الغائب لرئيس الوزراء الذي يفترض أنه المسؤول الأول عن وزرائه.
وهو ما علق عليه دراج بالقول إن الوضع الحالي لمصر أشبه بالنظام الرئاسي الكامل رغم النص في الدستور علي النظام البرلماني، لكن ربما عندما تكتمل خارطة الطريق بانتخاب برلمان جديد، وتستقر أمور الحكم يمكن وقتها الحديث عن دولة مؤسسات والبحث عن صلاحيات رئيس الوزراء التي تخول له اقتسام السلطة مع الرئيس بحسب الدستور.
وكانت مؤسسة “شركاء من أجل الشفافية (PFT)” قد رصدت في تقريرها عن شهر أغسطس 2015، ضبط 104 وقائع فساد بمصر بزيادة قدرها 46 بالمئة عما تم رصده في الشهر الذي سبقه (يوليو)، ما يكشف زيادة ملحوظة في معدلات جرائم الفساد بمصر وفق التقرير، ويكشف أيضا زيادة معدلات مطاردة الفاسدين.
وبرأي إبراهيم الشهابي، مدير مركز الجيل للدراسات السياسية، فإن حملة مواجهة الفساد جزء من عملية إصلاح هيكلي واسعة في الجهاز الإداري للدولة بعيداً عن الاستقطابات السياسية، لكنها تمس بشكل مكثف جماعات المصالح الاقتصادية والمالية، وهي في ظاهر الحال بعيدة عن السياسة، لكنها في حقيقة الأمر تسعى للتمدد سياسيا من خلال محاولة الهيمنة على البرلمان القادم، إلى جانب اختراق أجهزة الدولة المختلفة.
وأكد في تصريحات لـ”العرب” أن قضية وزير الزراعة ليست حالة فردية أو حالة ضبطت صدفة، إنما هي حلقة في عملية إصلاح ممنهجة من داخل الدولة، تستهدف تقويض مجموعات الفساد المنظم، والشبكات التي تكونت بفضل هذه المجموعات إعلامياً وسياسياً وماليا، ما يمكن اعتباره بداية لموجة من الإصلاحات تحقق أهداف ثورة يناير 2011 التي شارك فيها ملايين المصريين.
القضية في المقابل سوف تكون لها تبعات إيجابية علي النظام المصري، أولها تثبيت أركان حكمه مع كل حالة فساد جديدة
وحول أسباب استمرار الفساد وربما زيادته في مصر بعد ثورتين شعبيتين هائلتين قال الشهابي إن الربيع العربي لم ينتج تغييرا حقيقيا في نخب الحكم السياسية، سواء المؤيدة أو المعارضة ليس في مصر فقط ولكن في كل دول الربيع العربي، وإنما قدم إعادة وتكرار لأنماط الحكم السابقة لهذه الثورات، هذه النخب ليست سياسية فقط، إنما مجموعات مصالح متشابكة تسعى للحفاظ على أوضاع ما قبل الثورات التي تضمن استمرار مصالحها، وهي قوية بما تملكه من نفوذ وأموال واختراقات لأجهزة سيادية وتنفيذية في الدولة عبر موظفين كبار متعاونين معها ويستفيدون منها.
المفكر السياسي جمال أسعد، أكد لـ”العرب” أن محاربة الفساد هي البداية الحقيقية لاقتصاد قوي ونظام سياسي مستقر، يحظى بدعم وتأييد جميع قطاعات الشعب المصري التي تضررت من إمبراطورية الفساد المنتشرة بالبلاد علي مدار أكثر من ثلاثين عاما.
وأضاف أن الدعم الشعبي الذي يحظى به السيسي سلاح حقيقي في مواجهة هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف في مختلف مفاصل الدولة، مشيرا إلى أن مبارك كان يعلم بوجود فساد لكنه لم يجرؤ على مواجهته لعدم امتلاكه ظهيرا شعبيا. وشدد على أن الحملة التي بدأت بإرادة سياسية سوف يكون لها نتائج إيجابية علي مصر واقتصادها، لأن ضبط الوزير في الشارع رسالة سياسية تعني أنه لا يوجد شخص فوق القانون.
وأكد البرلماني السابق أن القضية يمكن أن تكون لها نتائج إيجابية علي الانتخابات البرلمانية المقبلة، وربما تدفع الفاسدين الذين كانوا ينوون الترشح للانتخابات لتحقيق مصالحهم لمراجعة حساباتهم مرة أخرى.