اتهامات متبادلة تصعّد التوتر بين حكومة شرق ليبيا والبعثة الأممية

البعثة الأممية تنتقد التحريض بعد اقتحام مقرها بطرابلس، بينما يتهمها أسامة حماد بالتضليل وتشويه الشعب الليبي، داعيا للحياد والمهنية.
السبت 2025/06/28
أزمة ثقة تهزّ الدور الأممي

طرابلس – يُواجه المشهد السياسي الليبي اضطرابا متزايدا مع تصاعد حدة التوتر بين الحكومة المكلفة من مجلس النواب وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ما يعكس تفاقم الأزمة السياسية في البلاد وتداعياتها الخطيرة على الاستقرار، وسط دعوات شعبية متزايدة لرحيل البعثة وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها.

وتجسد البيانات المتبادلة بين رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عمق أزمة الثقة التي باتت تحيط بالعملية السياسية في البلاد، مُلقيةً بظلالها على أي إمكانية للتقدم.

واتهم حماد في بيان له، الجمعة، البعثة الأممية بـ "التحريف والتضليل" و"التشويش المتعمد لمطالب الشعب الليبي"، إضافة إلى محاولتها "توجيه الرأي العام الدولي بشكل مجتزأ لا يعكس حقيقة ما يجري على الأرض".

وهذه الاتهامات لم تكن مجرد رد فعل على بيان البعثة الذي عبّرت فيه عن استيائها من "حملات التحريض" ضدها على خلفية المظاهرات أمام مقرها في منطقة جنزور غرب العاصمة طرابلس، بل عكست رفضا حكوميا للنهج الذي تتبعه البعثة وما تعتبره تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للبلاد.

ومن جانبها، انتقدت البعثة الأممية في بيانها، الجمعة، "تصريحات أطلقتها بعض الشخصيات السياسية الليبية"، واعتبرت أنها "لا تشجع المظاهرات فحسب، بل تتجاوز ذلك لتشجيع المتظاهرين على ارتكاب أعمال خارج القانون ضد موظفي الأمم المتحدة وممتلكاتها".

وهذا الاتهام، وإن لم يذكر أسماء صريحة، يشير بوضوح إلى مسؤولين ليبيين يرون أن التظاهرات هي تعبير شرعي عن السخط المتزايد.

ويتجلى التضارب الجوهري بين الطرفين في الرؤى، فبينما ترى حكومة حماد أن "ما تشهده الساحة الليبية من احتجاجات هو تعبير طبيعي عن السخط المتزايد تجاه أداء بعثة الأمم المتحدة، التي فشلت خلال أكثر من عقد في تحقيق أي تقدم حقيقي، وساهمت بقصد أو تقصير في تعقيد الأزمة عبر دعم ترتيبات هشة ومسارات غير واقعية"، ترى البعثة الأممية هذه التظاهرات نتيجة لتحريض قد يؤدي إلى أعمال عنف ضدها، مما يعكس تباينًا حادًا في تفسير الأحداث على الأرض.

وشهدت العاصمة طرابلس، الثلاثاء الماضي، موجة غضب شعبي عارمة، حيث اقتحم متظاهرون ليبيون مقر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بمنطقة جنزور في طرابلس، احتجاجا على ما وصفوه بتدخل البعثة في الشؤون السياسية الداخلية.

وفي بيان مصور يعكس فقدان الثقة المتزايد من قبل قطاعات واسعة من الشعب الليبي في كل من الفاعلين المحليين والدوليين، طالب المحتجون برحيل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وإسقاط حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة، واعتبروا أن الإحاطات الأممية "لا تحمل معنى ولا تقدم أي حل للأزمة الليبية"، مطالبين الأمم المتحدة بـ "إيجاد حل أو ترحيل عن البلاد"، والعودة لمجلسي النواب والدولة لوضع حل للأزمة.

وتعليقا على ذلك، أكدت البعثة في بيانها على احترامها التام وغير المشروط لحق جميع المواطنين في التظاهر السلمي والتعبير عن آرائهم بحرية، مشيرة إلى أن التواصل المباشر مع الشعب الليبي هو حجر الزاوية في عملها، وأنها على أتم الاستعداد دائما للقاء والمشاركة في الحوارات والاستماع إلى وجهات نظر الليبيين، بما في ذلك الاستماع إلى شواغل ومطالب المتظاهرين السلميين.

وقالت البعثة "لقد شهدنا مظاهرات خارج مقرنا في عدة مناسبات، وكنا دائما نستقبل عرائض المتظاهرين، كما جرت العادة في جميع الوقفات الاحتجاجية السابقة، وسنواصل هذا النهج."

وأشارت إلى أنها استقبلت الثلاثاء الماضي ممثلين عن عدد من المتظاهرين في مقرها للاستماع إلى مطالبهم وبواعث قلقهم، وقالت "تمكنا من إجراء نقاش مفتوح قائم على الاحترام المتبادل".

وذكّرت البعثة في بيانها، باتفاقية العام 1946 بشأن امتيازات وحصانات الأمم المتحدة، والاتفاق ذي الصلة المبرم بين الأمم المتحدة والسلطات الليبية، الذي يضمن حرمة مقار الأمم المتحدة، وحثت جميع الأطراف على احترام حرمة مقار الأمم المتحدة وموظفيها وممتلكاتها وأصولها وفقًا للقانون الدولي.

ويُشير هذا التذكير إلى شعور البعثة الأممية بالتهديد ومحاولة لترسيخ حصانتها البعثة وسط تصاعد الغضب الشعبي، ورغم قانونية هذه الخطوة، قد تُفسر على أنها محاولة لفرض الأمر الواقع وتجاهل لمطالب الشارع الليبي المتنامية.

واختتمت البعثة بيانها بدعوة جميع الأطراف على احترام حرمة مقار الأمم المتحدة وموظفيها وممتلكاتها وأصولها وفقا للقانون الدولي، مؤكدة بأنها ستظل ثابتة في التزامها بدعم عملية سياسية بقيادة ليبية لصالح جميع أبناء الشعب الليبي، مؤكدة استمرارها في مراقبة جميع التطورات عن كثب.

غير أن حماد انتقد ما سماه بـ "محاولة البعثة تصوير الاحتجاجات الشعبية كمؤامرة ضد جهود التسوية أو كتحريض على العنف"، معتبرا أن ذلك شكل من أشكال "التهرب من المسؤولية وتضليل للرأي العام الدولي".

وأكد أن حرية التعبير والاحتجاج السلمي حق أصيل مكفول لجميع المواطنين بموجب القوانين والتشريعات الوطنية والدولية ولا يجوز بأي حال من الأحوال المساس به أو مصادرته.

واتهم حماد البعثة بالتورط في "تجاوزات تمس أمن الدولة وسيادتها"، و"التدخل بشكل صريح في شؤون داخلية تعد من صميم السيادة الوطنية"، داعيًا البعثة إلى الالتزام بولايتها المحددة وعدم تجاوز مهامها، وإلى اعتماد الحياد والمهنية في تناولها للشأن الليبي والحرص على عدم التعدي على المطالب الشرعية.

وتحمل دعوة حكومة حماد البعثة الأممية إلى الالتزام بولايتها المحددة والحياد اتهاما ضمنيا وواضحا بمحاباة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة. ويعكس هذا الاتهام قناعة حماد بأن البعثة تجاوزت دورها كوسيط محايد، لتصبح طرفا منحازا يدعم حكومة انتهت ولايتها القانونية.

وتُشير مطالبات حماد بـ"الحياد والمهنية" إلى ضرورة توقف البعثة عن دعم ما يُنظر إليه على أنه مسارات سياسية لم تحظَ بتوافق وطني كامل، مما قوّض مصداقيتها ويُعمّق الانقسام بين الأطراف الليبية.

ويرتبط تأكيد حماد على "عدم التعدي على المطالب الشرعية" للشعب الليبي بالمظاهرات الأخيرة في طرابلس التي طالبت برحيل البعثة وحكومة الدبيبة. من منظور حكومة حماد، تُشكل هذه المطالب تعبيرا أصيلا عن إرادة الليبيين، وأي تجاهل لها يُعدّ تجاوزا لدور البعثة واصطفافا ضد تطلعات الشعب.

وهذا الوضع يُعمّق من النزاع على الدور الأممي في ليبيا، مما يُعيق أي تقدم نحو التوافق والاستقرار ويُضيف طبقة جديدة من التعقيد على جهود التسوية السياسية.

وتُسلّط التطورات الأخيرة في ليبيا الضوء على أزمة ثقة متعمقة تُهدد فعالية الدور الأممي، مع تزايد شك الليبيين في قدرة بعثة الأمم المتحدة على إحداث تغيير حقيقي بعد سنوات من الجهود الدولية المتكررة التي لم تُفلح في إنهاء الانقسام السياسي الحاد أو إنجاز الاستحقاقات الانتخابية المؤجلة، وهو إحباط شعبي يُغذي الدعوات المتصاعدة لإعادة تقييم شاملة لآليات عمل البعثة.

ويُشير مراقبون إلى أن التوتر الأخير بين البعثة والحكومة المكلفة من البرلمان ليس مجرد خلاف عابر، بل هو انعكاس لأزمة ثقة متنامية لا تقتصر على الفرقاء الليبيين فحسب، بل تمتد لتشمل قطاعات واسعة من المجتمع المحلي تجاه الجهات الدولية التي ترعى العملية السياسية.

 وتتفاقم هذه الأزمة بسبب اتهامات متكررة للأمم المتحدة بالتغاضي عن تجاوزات حكومة الدبيبة، التي تستمر في السلطة رغم انتهاء ولايتها القانونية منذ فترة طويلة، مما يثير تساؤلات حول حيادية البعثة وفعاليتها.

وعلى ضوء هذا الوضع، تتزايد الدعوات في الأوساط السياسية والإعلامية إلى إعادة النظر في آليات عمل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وتُطالب هذه الدعوات بضمان حياد البعثة الكامل، وتجنب أي تدخل يُنظر إليه على أنه اصطفاف مع طرف سياسي ضد آخر، خاصة في ظل المشهد الليبي المعقد وتعدد مراكز النفوذ.

 وفي المقابل، تؤكد الحكومة المكلفة انفتاحها على أي تعاون دولي بناء، لكنها تضع شروطًا واضحة بأن يتم في إطار احترام السيادة الوطنية، ومراعاة المصلحة العليا للشعب الليبي الذي عانى لأكثر من عقد من تبعات الصراع والانقسام وانسداد الأفق السياسي.