اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله لا يعني انتهاء الحرب

يشكك محللون في قدرة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله على الصمود لفترة طويلة ما لم تتم معالجة التوترات الكامنة، في وقت يظل فيه الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني محركا رئيسيا لاشتعال الحروب في المستقبل.
بيروت - دخل اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا بين إسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ فجر الأربعاء ليفتح نافذة من الأمل باستعادة مسار السلام الهش بين الجانبين، لكن الاتفاق يواجه تساؤلات حول متانته، فضلا عن ضعفه أمام دوامة من الصراعات الإقليمية الأخرى.
ويأمل اللبنانيون الذين تحملوا شهرين من القصف العشوائي من قبل الجيش الإسرائيلي (الذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 4000 شخص، وإصابة 16000 آخرين – معظمهم من المدنيين – ونزوح 1.2 مليون شخص في بلد يبلغ عدد سكانه 5.4 مليون نسمة، وتدمير الآلاف من المنازل) في انتهاء الحرب. وهو أيضا ما يتمناه سكان شمال إسرائيل، الذين يتوقون للعودة إلى منازلهم التي هجروها بسبب نيران صواريخ حزب الله (التي قتلت 50 مدنيا منذ 7 أكتوبر من العام الماضي).
ويمثل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله نقطة تحول حاسمة بالنسبة للبنان وله تداعيات كبيرة على الصراع في الشرق الأوسط الأوسع. وفي حين أنه يوقف الأعمال العدائية مؤقتا، فإن تأثيره على المدى الطويل يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على معالجة التوترات الكامنة وإنفاذ الاتفاق بشكل فعال.
وفي حين أن وقف إطلاق النار يوفر هدنة مؤقتة، فإنه يترك العديد من القضايا الحرجة دون حل. وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالحفاظ على “الحرية الكاملة للعمل العسكري” إذا انتهك حزب الله الاتفاق، مما يعزز حق إسرائيل في الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي، إذ لا ينزع وقف إطلاق النار سلاح حزب الله صراحة، مما يترك نقطة اشتعال محتملة للصراع في المستقبل.
◙ وقف إطلاق النار خطوة هشة نحو خفض التصعيد، لكنه لا يحل التوترات العميقة التي تغذي الصراع في الشرق الأوسط
وتعقد الهيمنة السياسية لحزب الله الجهود الرامية إلى تنفيذ شروط وقف إطلاق النار بشكل كامل، وخاصة في دولة منقسمة بعمق على أسس طائفية. ولا يتناول وقف إطلاق النار الحرب الدائرة في غزة، والتي تظل محركا مهما لعدم الاستقرار الإقليمي. وأكد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن حل القضية الفلسطينية هو المفتاح لتحقيق السلام طويل الأمد.
ويساعد وقف إطلاق النار في تجنب جبهة ثانية في الحرب الإسرائيلية المستمرة مع حماس في غزة. ومع ذلك، فهو لا يعالج الصراع غير المحلول في غزة، حيث قُتل أكثر من 44000 فلسطيني في الغارات الجوية الإسرائيلية. كان تورط حزب الله الأولي مرتبطا بهجوم حماس في أكتوبر 2023 على إسرائيل، وقد تؤدي الانتهاكات المستقبلية لوقف إطلاق النار إلى إعادة إشعال العنف عبر الحدود، خاصة إذا ظل الصراع في غزة دون حل.
ويمثل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله خطوة هشة نحو خفض التصعيد، لكنه لا يحل التوترات العميقة التي تغذي الصراع في الشرق الأوسط.
وبالنسبة للبنان، يعتمد النجاح على قدرته على إعادة البناء، واستعادة سلطة الدولة، والتنقل في التوازن الدقيق بين المطالب الدولية والحقائق المحلية. وبالنسبة للمنطقة، يوضح الاتفاق الطبيعة المترابطة للصراعات في الشرق الأوسط، حيث يمكن تحقيق تقدم في منطقة واحدة بسبب النكسات في أماكن أخرى.
التداعيات على لبنان
يمنح وقف إطلاق النار لبنان فرصة للتعافي من أكثر من عام من الدمار الناجم عن الصراع. فقد قُتل أكثر من 3700 لبناني، معظمهم من المدنيين، ونزح ما يقرب من مليون شخص. ومع توقف القتال، يمكن للبنان أن يركز على إعادة بناء المجتمعات في الجنوب واستعادة البنية الأساسية. وقد أقر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بالاتفاق باعتباره “نقطة تحول رئيسية."
ويعد نشر 5000 جندي من الجيش اللبناني في المنطقة الجنوبية أحد المكونات الأساسية للاتفاق، ليحلوا محل مقاتلي حزب الله الذين سيتراجعون شمال نهر الليطاني. وقد يعزز هذا التحول سلطة الدولة في منطقة يهيمن عليها حزب الله منذ فترة طويلة. ومع ذلك، يواجه الجيش اللبناني تحديات كبيرة، بما في ذلك نقص القوى العاملة والمعدات والتمويل. وعلى الرغم من التعهدات الدولية بالدعم، فإن مدى قدرة الحكومة على فرض سيطرتها لا يزال غير مؤكد.
ويعكس قبول حزب الله المبدئي لوقف إطلاق النار تراجع موقفه بعد تكبده خسائر في القيادة، بما في ذلك اغتيال أمينه العام حسن نصرالله، وانتكاسات كبيرة في ساحة المعركة. وفي حين تحتفظ المجموعة بترسانة قوية ونفوذ سياسي، فإن ربطها لمستقبل لبنان بالصراعات الخارجية، وخاصة في غزة، أثار انتقادات محلية.
◙ اتفاق وقف إطلاق النار يمثل فوزا للشعبين والحكومتين اللبنانية والإسرائيلية وخسارة لإيران وحزب الله وحماس
وتفاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان بسبب الحرب، مع التضخم المتفشي، والفقر واسع النطاق، والبنية التحتية المنهارة. وقد يمهد وقف إطلاق النار الطريق لزيادة المساعدات والاستثمارات الدولية، وخاصة من الحلفاء الغربيين الحريصين على استقرار المنطقة. ومع ذلك، قد يكون هذا الدعم مشروطا بتقليص نفوذ حزب الله وتنفيذ الإصلاحات البنيوية، وهي مهمة معقدة بسبب الطائفية المتجذرة في لبنان.
يرى داني سيترينوفيتش، وهو زميل غير مقيم في برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، أن الاتفاق يمثل فوزا للشعبين والحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، وخسارة لإيران وحزب الله وحماس. وبالنسبة لإسرائيل، وفي أفضل الظروف، يوفر الاتفاق فرصة لتطبيق الأمن الذي سعت إليه طيلة العقدين الماضيين من خلال قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.
وكان فشله في تحقيق هذا الهدف من قبل سببا مباشرا في الوضع الحالي، حيث يتلقى حزب الله أسلحة متطورة من إيران ويستخدم الأراضي الواقعة جنوب نهر الليطاني لتجهيز وتخزين الأسلحة التي يتم إطلاقها على إسرائيل.
ولكن إذا نجح الاتفاق اليوم، فإن قيام القوات المسلحة اللبنانية بتطبيق الأحكام المتعلقة بعدم السماح لحزب الله بالتواجد في الجنوب ــ وبالتالي الهيمنة على المشهد الأمني هناك ــ من شأنه أن يضعف حزب الله أكثر كما فعلت الهجمات الحركية الإسرائيلية خلال الأشهر الأربعة الماضية.
ومن شأن القيام بذلك أن يعزز موقف الأجزاء غير المتحالفة مع حزب الله في الحكومة اللبنانية، في حين يمكن الأسر الإسرائيلية من العودة إلى منازلها في الشمال بعد أكثر من عام من النزوح.
ويكسر الاتفاق الرابط الحركي بين حزب الله وحماس ــ حيث التزم الأول في السابق بمواصلة مهاجمة إسرائيل حتى يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في القطاع ــ ويقوض إيران. فقد شهدت طهران تراجعا في قدرتها على الردع في أعقاب هجماتها المباشرة على إسرائيل الشهر الماضي وتدمير إسرائيل لأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية والهجوم المزعوم على منشأة بارشين النووية.
وتدعم إيران الاتفاق بهدوء، وتخشى أن يؤدي دفع حزب الله والحكومة اللبنانية إلى معارضته إلى المخاطرة باستمرار الضربات الإسرائيلية التي قد تؤدي إلى إبادة الجماعة، التي كانت منذ فترة طويلة الهدف النهائي لإستراتيجية الردع الإقليمية الإيرانية. ولكن بالرضوخ للاتفاق، تخاطر إيران بعدم القدرة على إعادة بناء قدرات حزب الله بنفس السهولة التي فعلتها بعد حرب عام 2006، وبالتالي تقويض هيكل الردع الإقليمي الخاص بها.
مصلحة لجميع الأطراف
يرى محللون أن لا إسرائيل ولا حزب الله توصلا إلى أي تفاهم، حيث وافق الجانبان على مضض على وقف الأعمال العدائية لأن تكلفة استمرار الحرب تفوق أي فوائد محتملة. وتعرض حزب الله لضربة قاسية، سواء من جانب أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي اخترقت صفوفه (مما أدى إلى تفجير أجهزة النداء واللاسلكي، واغتيال زعماء رئيسيين)، أو من جانب تخلي حليفته القوية إيران عنه.
ولم يهب نظام طهران لمساعدة ما كان يُروَّج له ذات يوم باعتباره “جوهرة التاج” لطموحات إيران في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، وعلى النقيض من موقفها السابق، قبلت إيران فصل جبهتي غزة ولبنان، وهو القرار الذي لولاه لما كانت الحكومة الهشة في بيروت قادرة على قبول الاتفاق.
ولكن النتيجة ليست انتصارا لإسرائيل أيضا. فحتى وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بيني غانتس المعتدل نسبيا يعتقد أنهم لم يكملوا إلا "نصف المهمة."
وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمتطرفون الذين يؤيدونه قد قبلوا وقف إطلاق النار، فإن ذلك يرجع إلى الضغوط التي فرضتها الجبهة اللبنانية على الجيش، الذي لا يزال يركز على تدمير غزة ودعم المستوطنين في الضفة الغربية. والواقع أن البعض اقترحوا أن وقف إطلاق النار قد يكون مجرد توقف مؤقت لمدة شهرين.
وترى الباحثة أنجيليس إسبينوسا أن في الوقت الحالي، يضمن الضرر الذي لحق بلبنان (وليس فقط حزب الله وأنصاره الشيعة) استمرار العداء وعدم الثقة تجاه جاره الجنوبي لسنوات.
وبينما ننتظر تفاصيل وتنفيذ انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، فضلا عن الدور الذي ستلعبه قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) التي كانت مهمشة في السابق، فإن وقف إطلاق النار سيسمح للبنانيين بالتقاط أنفاسهم. ولكن هذا لن تكون له أي فائدة ما لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، ليس فقط في المساعدة على إعادة إعمار لبنان، بل وأيضا في الضغط على إسرائيل.