اتفاق تركيا وروسيا حول إدلب.. خطة سلام قصيرة المدى

تأجيل للعمل العسكري دون حل عقدة المقاتلين الأجانب، وأنقرة اشترت شهرا من الوقت والوضع يلائم موسكو والغرب.
الخميس 2018/09/20
معركة إدلب مرتبطة بمصير الجهاديين

شكلت محافظة إدلب في شمال غرب البلاد منذ العام 2015 وجهة لمجموعات عدة معارضة لنظام الرئيس بشار الأسد، بدءا من الفصائل المعارضة المعتدلة مرورا بالفصائل الإسلامية فالجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة وصولا إلى جهاديين أجانب متشددين، والذين يعتبرون اليوم العقدة الرئيسية في معركة إدلب. ففي المعارك السابقة كان يتم إجلاء الجهاديين والمقاتلين وترحيلهم، واليوم إدلب هي معقلهم الأخير، فأين سيذهبون؟ ستحدد الإجابة عن التساؤل مصير المعركة ومستقبل سوريا والمنطقة عموما.

طولاي كارادينيس ودومينيك إيفانز

أنقرة - منذ القمة التي جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلادمير بوتين، واتفاقهما على إقامة منطقة منزوعة السلاح، تفصل بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام في منطقة خفض التوتر بإدلب، ما انفكت وسائل الإعلام التركية تروج لصورة “خيالية” عن إدلب التي أعاد “اتفاق موسكو- أنقرة” إلى سكانها الأمل في حياة آمنة ومستقبل أفضل، معتبرة أن “الفيتو” التركي جنّب المحافظة الواقعة في شمال غربي سوريا كارثة إنسانية.

ما كانت هذه التوصيفات لتصبح مبعث أمل لولا التعقيدات التي تحيط بمعركة إدلب، التي عمل الاتفاق بين بوتين وأردوغان على “تأجيلها”. فمصير الاتفاق يرتبط أساسا برد فعل المقاتلين الجهاديين في المنطقة وقد ينهار سريعا إذا لم تستطع جهود موسكو وأنقرة المشتركة أن تفرض الخطة على الجماعات الإسلامية، التي لن تقتنع إلا من خلال استعراض القوة وليس الحوار.

وفي إدلب تم تجميع معارضي النظام، الرافضين للتسويات معه، حيث يوجد في المحافظة أكبر تجمع للجهاديين والمقاتلين الأجانب، وهؤلاء محل تساؤلات كبيرة: إلى أين سيذهبون لو تم قصف إدلب، وأي صفقة يمكن أن تحمي المنطقة والعالم منهم؟

تأجيل الحسم العسكري
تأجيل الحسم العسكري

الوقت ضيق

أبرمت تركيا، التي تحرص بشدة على تفادي صراع شامل وأزمة إنسانية على حدودها الجنوبية، الاتفاق المفاجئ مع روسيا الاثنين لإقامة منطقة منزوعة السلاح حول إدلب بهدف تلافي هجوم وشيك. ودعت أنقرة منذ أشهر إلى حملة محددة تستهدف الجهاديين الذين يسيطرون على مناطق من إدلب، بدلا من هجوم واسع النطاق على منطقة يسكنها أيضا نحو ثلاثة ملايين مدني وعشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة الذين تدعمهم تركيا.

ويمنح الاتفاق الذي أعلن في سوتشي بعد محادثات بين بوتين، أحد داعمي حكومة دمشق، وأردوغان تركيا فرصة تحويل هذا المقترح إلى أمر واقع. لكن الوقت ضيق، إذ يريد الزعيمان إقامة المنطقة منزوعة السلاح بحلول منتصف أكتوبر لكن من غير الواضح كيف سيطبقان خطتهما لنزع سلاح المقاتلين المتشددين وإخراجهم من المنطقة.

وقال بوتين، عند إعلانه عن الاتفاق، إن المنطقة ستمتد على طول الخطوط الأمامية التي تفصل إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة عن قوات الحكومة السورية. وذكر أن المتشددين سينسحبون وسيتم سحب الأسلحة الثقيلة منهم ومن غيرهم من الجماعات المعارضة. ولم يحدد الرئيس الروسي كيف سيجري إقناع الجماعات المتطرفة بالتعاون أو إلى أين سيتم إرسالها.

ولتركيا 12 موقعا عسكريا في منطقة إدلب وأعلنت في أكتوبر الماضي أنها ستعزل “الجماعات الإرهابية” عن “مقاتلي المعارضة المعتدلين” هناك. لكن بعد مرور نحو عام لم يتحقق تقدم يذكر في هذا الصدد ويقول محللون إنه لم يتضح كيف سيغير اتفاق سوتشي الصورة.

وقال متين جورجان، وهو محلل أمني وضابط تركي متقاعد، “هذا احتمال ضئيل للغاية”، مضيفا أن الجهاديين لن يقتنعوا إلا من خلال استعراض القوة وليس الحوار. وأقوى مجموعة معارضة في إدلب هي هيئة تحرير الشام المؤلفة من مقاتلين سوريين وأجانب وتهيمن عليها جبهة النصرة التي كانت تابعة للقاعدة، وتضم فصائل إسلامية أخرى على غرار كتائب أحرار الشام وحركة الفجر الإسلامية وجماعة الطليعة الإسلامية وكتائب الإيمان المقاتلة.

وتسيطر هيئة تحرير الشام على أكبر جزء من محافظة إدلب بينما تتواجد فصائل إسلامية أخرى في بقية المناطق وتنتشر قوات النظام في الريف الجنوبي الشرقي. وحدد بوتين جبهة النصرة باعتبارها واحدة من الجماعات التي ستستهدفها الإجراءات لكنه وأردوغان لم يحددا الجماعات الإسلامية الأخرى التي ستطبق عليها الإجراءات.

وقالت تركيا إنها ستبحث المسألة مع روسيا في مؤشّر على عدم التوصل إلى اتفاق. وأكّد دبلوماسي يتابع الشأن السوري أن اتفاق سوتشي “لا يعدو كونه تأجيلا للمسألة التي لا يوجد لها حل واضح”.

ماهو مصير الجهاديين
ماهو مصير الجهاديين

لا مكان يلجؤون إليه

بالنسبة للجهاديين الأجانب، فإن إدلب هي آخر ملاذ في سوريا بعد أن تمكن الرئيس السوري بشار الأسد، بمساعدة حليفتيه روسيا وإيران، من قلب دفة الحرب لصالحه وطرد معارضيه من الجيوب المتبقية في المناطق الجنوبية والغربية من البلاد.

وقال سنان أولجن، وهو دبلوماسي تركي سابق ومحلل لدى مركز كارنيغي في أوروبا “المشكلة الأساسية هي المقاتلون الأجانب لأنه لم يعد لديهم مكان يلجأون إليه“.

وذكر أولجن أن تركيا تعلق آمالها -فيما يبدو- على الانقسامات المحتملة بين الجهاديين وتتوقع أن المقاتلين السوريين سيكونون أكثر ميلا إلى تسليم أسلحتهم من الأجانب.

وقال “المبدأ الأساسي هو فرق تسد… محاولة التفرقة على مستوى جذري… قد يكونون جميعهم جهاديين لكن ربما تكون ميولهم مختلفة فيما يتعلق بنزع السلاح”. ويدعم هذا الرأي مصدر بالمعارضة السورية في إدلب قال إن هناك وجهات نظر مختلفة داخل هيئة تحرير الشام بشأن إمكانية التعاون.

صنفت تركيا تحالف تحرير الشام منظمة إرهابية الشهر الماضي لكن ثمة مؤشرات على أن تركيا وتحرير الشام قد تتعاونان على الأرض

ووصف المصدر موقف هيئة تحرير الشام بـ”المهم” لأنها تملك ما يكفي من النفوذ لفرض إرادتها على مقاتلين جهاديين آخرين في إدلب بمن فيهم الأجانب إذا توصل مجلس شورى الهيئة لقرار بشأن المسألة. وقال “إذا أبرم اتفاق بين تحرير الشام وتركيا فستمضي المسألة بسهولة”.

وصنفت تركيا هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية الشهر الماضي لكن المصدر قال إن ثمة مؤشرات على أن تركيا وتحرير الشام قد تتعاونان على الأرض، مشيرا إلى السهولة التي تمر بها القوافل التركية عبر إدلب.

وقدر مبعوث الأمم المتحدة في سوريا عدد مقاتلي النصرة في إدلب بنحو عشرة آلاف مقاتل. وهناك جماعات إسلامية وفصائل تقاتل تحت لواء الجيش السوري الحر. وبدعم من تركيا انضوت هذه المجموعات تحت لواء “الجبهة الوطنية للتحرير“.

وذكر جورجان أن اتفاق سوتشي ضمن لتركيا متنفسا حتى 15 أكتوبر وهو موعد تنفيذ الاتفاق لكن روسيا لن تحجم إلى الأبد.

6