اتفاق السلام في جنوب السودان على المحك

جوبا - تضع مساعي تأجيل أول انتخابات عامة في جنوب السودان اتفاق السلام الهش في البلاد على المحك.
ومن المتوقع أن يجري جنوب السودان الانتخابات في ديسمبر 2024 بعد أن أصبح دولة مستقلة في عام 2011.
وتعد الانتخابات التي طال انتظارها إحدى ركائز اتفاق السلام الموقع في عام 2018 حيث ساعدت في إنهاء الحرب الأهلية 2013 – 2018 التي أودت بحياة ما يقرب من 400 ألف شخص وشردت الملايين.
ومنذ ذلك الحين، تقدمت البلاد في سلام نسبي، مع الإبلاغ عن عدد أقل من حوادث الصراع بين عامي 2018 و2023. ومع ذلك، أعرب خبراء الأمم المتحدة عن مخاوفهم بشأن احتمال إجراء الانتخابات ضمن الجداول الزمنية المتفق عليها.
ومن المقرر إجراء الانتخابات، بشرط معالجة عدد من القضايا المدرجة في اتفاق السلام وتشمل وضع دستور دائم وتوحيد قيادة الجيش، لكن هناك عقبات كبيرة في طريق تنفيذ الاتفاق أحدها وجود أطراف داخل المشهد السياسي في جنوب السودان تحاول تقويض التنفيذ الناجح لاتفاقيات السلام.
تأجيل أول انتخابات عامة في جنوب السودان تقوض اتفاق السلام الهش في البلاد وتحيي سيناريو العودة إلى مربع العنف
ويقول إدغار جيثوا، المحاضر في الدراسات الدولية، جامعة ستراثمور، في تقرير نشره موقع ذوكنفرسيشن الأطراف المعطلة تتألف من القادة والأحزاب الذين ينظرون إلى السلام باعتباره تهديدًا كبيرًا لمصالحهم وسلطتهم.
ويضيف جيثوا أنهم يخاطرون عن طيب خاطر باستخدام أيّ وسيلة، بما في ذلك العنف، لعرقلة اتفاقات السلام بسبب مشاعر الاستبعاد أو الخيانة.
وكان من المقرر في البداية إجراء الانتخابات في جنوب السودان في عام 2022، ثم تم تأجيلها إلى عام 2023 والآن إلى عام 2024.
وكانت هذه التأخيرات نتيجة لعدم وجود سلام حقيقي. وبدلاً من ذلك، هناك سلام سلبي، هناك اتفاق سلام ولكن هناك توترات متصاعدة بين الفصائل المتحاربة وتلك التي تم استبعادها من المفاوضات.
وأدى الصراع السياسي المطول على السلطة بين رئيس جنوب السودان سلفا كير ونائبه رياك مشار لقيادة الحزب السياسي الرئيسي، الحركة الشعبية لتحرير السودان، إلى إشعال حرب أهلية في عام 2013.
واندلع العنف لأول مرة بعد اجتماع متقلب في يوليو 2013 لتحديد من سيحمل راية الحزب في الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2015 – بين كير ومشار وباقان أموم، الذي كان آنذاك أمينا عاما للحزب.
وفي ديسمبر 2013، اندلع القتال بين القوات العسكرية. وتصاعدت حدة الاحتجاجات الموالية لكير أو مشار، وهما من أكبر مجموعتين عرقيتين في البلاد.
الأطراف المعطلة تتألف من القادة والأحزاب الذين ينظرون إلى السلام باعتباره تهديدًا كبيرًا لمصالحهم وسلطتهم
وانقسمت الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى فصيلين في عام 2014 أحدهما يقوده كير، وهو حكومة الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ والآخر من قبل مشار، الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة.
وأدت التدخلات الدولية والإقليمية إلى عملية سلام طويلة أسفرت عن توقيع عدة اتفاقيات سلام. وبين عامي 2013 و2018، تم التوقيع على ست اتفاقيات رئيسية وخمس إضافات للمساعدة في حل الصراع في جنوب السودان.
وكانت النقاط الشائكة الرئيسية في هذه الصفقات تدور حول كيفية تقاسم السلطة بين الأطراف المتحاربة، والتكامل العسكري للقوات المسلحة، ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع، وتضميد جراح الأمة من خلال عملية الحقيقة والعدالة والمصالحة.
وتم توقيع اتفاق السلام الأخير في سبتمبر 2018 من قبل خمس جهات فاعلة رئيسية ومجموعة من أحزاب المعارضة الصغيرة، مما يشير إلى نهاية الصراع المستمر منذ خمس سنوات.
وشارك المعطلون في عملية السلام ووقعوا على اتفاق السلام، بل وأعلنوا عن دعمهم لتنفيذه ومع ذلك فشلوا في المتابعة.
ومن بين دوافعهم لذلك ضرورة تحقيق أهدافهم فهم حساسون بشكل خاص للقرارات التي من شأنها إضعافهم عسكريا.
جنوب السودان يحتاج إلى إعادة تقييم التزامه بالسلام وذلك من خلال إشراك جميع الأطراف السياسية المتضررة في عملية السلام
وقد ظهر دورهم المفسد في الافتقار إلى حسن النية السياسية في دعم روح الاتفاق ونصه بشأن مختلف القضايا.
ومن الأمثلة الجيدة على ذلك الانتهاك الأخير عندما قام كير من جانب واحد بتعيين وزير دفاع من فصيله في تجاهل تام لاتفاق السلام.
وتستمرّ التهديدات الجديدة في الظهور في مشهد جنوب السودان، خاصة مع اقتراب ديسمبر 2024.
وحدثت انشقاقات كبيرة لجنرالات مؤثرين من الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة، حيث أعربوا عن عدم رضاهم عن التقدم المحرز في الإصلاحات وتنفيذ اتفاق السلام الحالي.
وهذا يؤدي إلى توتر توازن القوى الدقيق القائم بين الفصائل المتحاربة منذ عام 2018.
ويتمتع هؤلاء الجنرالات بمتابعة كبيرة بين الجمهور ويشكلون خطرًا جسيمًا على أجندة السلام في جنوب السودان.
وقد يؤدي الفشل في استيعاب هؤلاء الجنرالات إلى انعدام الأمن في المناطق التي لديهم نفوذ فيها، مما يؤثر على فرص إجراء انتخابات سلمية.
ويحتاج جنوب السودان إلى إعادة تقييم التزامه بالسلام وذلك من خلال إشراك جميع الأطراف السياسية المتضررة في عملية السلام.
وسيساعد هذا على ضمان عودة البلاد إلى الحياة الطبيعية في ظل حكومة تتولى السلطة بشكل شرعي بعد انتخابات موثوقة.