اتفاقية فرنسية تعيق "استعمار" الصين الاقتصادي لأفريقيا

بكين تطالب باريس بإنهاء اتفاقية تفرض عليها المرور عبر البنك المركزي الفرنسي قبل أن تدخل رؤوس أموال إلى دول أفريقية.
الجمعة 2018/10/26
الصين تعول بشكل كبير على أفريقيا لبناء قوتها

قبل أن تمنح فرنسا الدول الأفريقية استقلالها، سعت إلى ضمان عدم خسارة ثروات القارة من خلال فرض توقيع اتفاقيات، ما زالت سارية إلى اليوم. بموجب إحدى هذه الاتفاقيات، على عدد من البلدان الأفريقية أن تودع مدخراتها المالية لدى البنك الفرنسي، وبذلك “تحفظ” فرنسا المدخرات المالية لأربعة عشر بلدا أفريقيا منذ سنة 1961. ومؤخرا، ضمت الصين صوتها إلى الأصوات الأفريقية الرافضة لهذه الاتفاقية نظرا إلى أنها تعيق مشاريعها الاستثمارية وتفرض على الصين المرور عبر البنك المركزي الفرنسي قبل أن تدخل رؤوس أموال وأصولا إلى الدول المعنية.

باريس – رغم مرور عقود طويلة على نهاية الحقبة الاستعمارية في أفريقيا وحصول دولها على استقلالها عن فرنسا، إلا أن هذه الأخيرة مازلت تمارس نفوذا استعماريا، إذ لا تزال بعض المستعمرات الأفريقية السابقة تضخّ جزءا من احتياطاتها النقدية بالعملة الصعبة إلى الخزينة الفرنسية.

ومنذ سنوات تتعالى عديد الأصوات الأفريقية مندّدة بهذه المعاهدة الاستعمارية، وانضمت الصين مؤخرا إلى هذه الأصوات مطالبة بدورها فرنسا بإلغاء هذه الاتفاقية التي “تكبّل” مشاريعها وتعيق بسط طريق الحرير الصيني في القارة السمراء. وتوجهت بكين بطلب إلى فرنسا لإلغاء الميثاق الاستعماري (الذي يسمى أيضا النظام الحصري) وهو نظام تبادل فرضته البلدان الأوروبية على مستعمراتها في القرن السابع عشر، وحسب هذه المعاهدة لا يمكن للمستعمرة استيراد غير المنتجات الآتية من البلد المستعمر في حين أنه لا يمكنها التصدير إلا لها أيضا.

وفق هذا الميثاق، تجد الصين التي تملك 40 بالمئة من إنتاج البترول الخام في الكونغو، مثلا، نفسها مجبرة على المرور عبر البنك المركزي الفرنسي قبل أن تدخل رؤوس أموال وأصولا إلى الكونغو، وهو أمر يستغرق وقتا ويخفض من قيمة العملة الصينية. وتضم قائمة الدول المعنية، إلى جانب الكونغو، البنين وبوركينا فاسو وغينيا بيساو والكوت ديفوار ومالي والنيجر والسنغال والطوغو والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والكونغو برازافيل وغينيا الاستوائية والغابون.

ونقل موقع أفريكا 24، الناطق بالفرنسية، عن مصادر داخل الحكومة الصينية أن اجتماعات سرية حصلت بين الصينيين والفرنسيين لوضع حد للميثاق الاستعماري بالنسبة إلى مستعمرات فرنسية سابقة محددة ولدى الصينيين مصالح كبرى فيها.

لامبالاة فرنسية

يتعلق الأمر بستة من البلدان الأفريقية الأربعة عشرة التي تلزمها فرنسا بدفع الضريبة الاستعمارية.

وقالت المصادر إن الصين أعطت فرنسا مهلة بخمس سنوات لوضع حدّ لهذه المعاهدة الاستعمارية مع هذه البلدان وإلا تعرّضت لعقوبات اقتصادية شديدة. ولم تُبد فرنسا أي اهتمام لوضع حد لهذا الميثاق الاستعماري مع البلدان الأفريقية المعنية.

ويعود ضخ أموال المستعمرات في الخزينة الفرنسية إلى القرن 19، بحسب مصطفى ديينغ، المؤرخ والباحث في جامعة الشيخ أنتا ديوب بداكار، حين كان “سكان المستعمرات يدفعون ما يسمّى بضريبة الرؤوس إلى فرنسا، وهي ضريبة تفرض على كل شخص وعلى ممتلكاته (مواد أساسية وماشية)، وتدفع بشكل شخصي أو يقوم ممثّلون محلّيون بجمعها”.

ورغم أن رفض الصين لهذه الاتفاقية، مردّه أساسا مصالحاه الخاصة، لا حقوق الدول الأفريقية المعنية، وهي بدورها تمارس “استعمارا” جديدا للقارة السمراء، إلا أن مشاريعها وفق بعض الخبراء تبدو أكثر إفادة للدول الأفريقية من استغلال فرنسا الاستعمارية.

الصين أعطت فرنسا مهلة بخمس سنوات لوضع حد لهذه المعاهدة الاستعمارية مع هذه البلدان وإلا تعرضت لعقوبات اقتصادية شديدة. ولم تبد فرنسا أي اهتمام لوضع حد لهذا الميثاق الاستعماري مع البلدان الأفريقية المعنية

ويقول الخبير السنغالي سيري سي، مبديا أسفه حيال الوضع الراهن، قائلا إنّ “انتزاع الأملاك” و”روح العبودية”، لا يزالان من العناصر التي تشكّل أسس السياسة الفرنسية، وأنّ من تداعيات ذلك “إعاقة تقدّم مستعمراتها السابقة” والتي تعتبرها مجرّد “حديقة خلفية” لها.

ويقول الخبراء إن الصين، تمارس ضغطا ناعما على فرنسا لإلغاء هذه الاتفاقية، من خلال دعم الأصوات الأفريقية المنددة بها، خاصة وأن لبكين اليوم حضورا قوميا في القارة السمراء يتجاوز الاستثمارات الاقتصادية الضخمة.

ويشير الباحث في مجموعة الأزمة الدولية مايكل كوفريغ إلى أن هناك عدة أسباب لدور الصين الأمني المتنامي والحاجة المنظورة لإستراتيجية شاملة. أحد الأسباب هو ببساطة العرض والطلب، أي القدرة المتزايدة بسرعة لجيشها وقاعدتها الصناعية واهتمام الحكومات الأفريقية في أسلحتها ذات السعر المناسب نسبيا، وشروط التمويل المرنة والمقاربة غير المقيدة بعدم التدخل في مسائل مثل الحوكمة وحقوق الإنسان.

وتمثل الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا منذ سنة 2009 وتعوّل بشكل متزايد على القارة بخصوص الموارد الطبيعية والأسواق من أجل الحفاظ على نموّها واستقرارها الاجتماعي.

توسعت مبادرة الحزام والطريق التي تحوّلت إلى مجموعة عالمية من الاتفاقات الثنائية لتعزيز التجارة الصينية والاستثمار والتمويل، لأول مرة في شرق أفريقيا بمشاريع بنية تحتية في كينيا وإثيوبيا. والآن أصبحت هذه المبادرة مفتوحة أمام القارة كلها، والصينيون يتطلعون لفرص في غرب أفريقيا.

مقاربة إستراتيجية

في منتدى 2018 حول التعاون الصيني الأفريقي ومنتدى الدفاع والأمن الصيني الأفريقي، عرضت الصين مقاربة إستراتيجية لعلاقاتها العسكرية مع البلدان الأفريقية ودورها في إدارة التحديّات التي تقف أمام السلام والأمن في القارة. ويلقى التعامل الصيني مع البلدان الأفريقية دفعا دعائيا من خلال المؤتمرات والمنتديات المشتركة بين الصين والدول الأفريقية.

ويعتبر منتدى الدفاع والأمن الصيني الأفريقي من أبرز هذه التظاهرات الدعائية. ويجتمع كل ثلاث سنوات زعماء ومسؤولون من 53 بلدا أفريقيا والاتحاد الأفريقي في بكين من أجل اجتماعات توجّت بالعزم على مواصلة تقوية العلاقات وتجديد التعهد بمليارات من الدولارات من القروض والمنح والاستثمارات الصينية.

وعلى مدى العقد الماضي نما أيضا دور الصين في السلام والأمن بسرعة من خلال مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري ونشر جنود حفظ السلام في أفريقيا. واليوم عبر منتدى التعاون الصيني الأفريقي والدعم المقدّم للاتحاد الأفريقي وآليات أخرى، تبذل الصين جهودا متزايدة لاعتماد مقاربة ممنهجة تخصّ كامل أفريقيا في ما يتعلق بالأمن في هذه القارة، وهي بذلك تسحب البساط من فرنسا والقوى التقليدية الأخرى.

هناك عدة أسباب لدور الصين الأمني المتنامي والحاجة المنظورة لإستراتيجية شاملة. أحد الأسباب هو ببساطة العرض والطلب

يوفر هذا الدور المتزايد في المسألة الأمنية سندا للبراعة الاقتصادية لدى بكين ومصالحها التجارية في أفريقيا، ويساعد على كسب الجيش الصيني حرفية وكذلك يعزز طموحات بكين لتصبح قوة كبرى تملك نفوذا عالميا.

 وليتجنّب الصينيون، ضمن هذا النسق السريع في التغيير، الوقوع في مآزق بالنسبة إليهم وإلى شركائهم الأفارقة عليهم تعميق خبراتهم في السياسة والمجتمعات والثقافات المحلية، ويبدو أن الصين نجحت إلى حد ما في هذه العملية من خلال اللعب على وتر الماضي السيء بين القارة الأفريقية والدول الاستعمارية السابقة.

القبعات الزرقاء وقواعدها

في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2015 عرض الرئيس الصيني شي جينبينغ 100 مليون دولار في شكل مساعدات عسكرية على مدى خمس سنوات من أجل دعم هندسة السلام والأمن لدى الاتحاد الأفريقي عبر مبادرات مثل “قوة الاحتياط الأفريقية” و”القدرة الأفريقية على الاستجابة الفورية للأزمات”.

وفي خطاب شي الرئيسي أمام الدورة الأخيرة للمنتدى (2018) وفي خطة العمل المنبثقة عنه تعهدت الصين بضخّ البعض من ذلك التمويل في صندوق سلام وأمن صيني أفريقي وفي المساعدة العسكرية وخمسين برنامجا في القانون والنظام وحفظ السلام ومقاومة القرصنة ومكافحة الإرهاب. وستبني هذه المبادرات المنبثقة عن منتدى التعاون الصيني الأفريقي على حضور صيني منتشر في القطاع الأمني لأفريقيا، والمثال الأوضح على ذلك هو تنامي مساهمتها في عمليات حفظ السلام الأممية، وأيضا خطة تمديد رقعة خارطة قواعدها العسكرية.

وتشير مجموعة الأزمات الدولية إلى أن الشيء الأقل ملاحظة بالنسبة إلى الأجانب لكنه الأكثر وقعا هو تعاون الصين المباشر في مجال الدفاع والأمن مع نظرائها الأفارقة.

ويجري ذلك عبر عدد متزايد من التمارين المشتركة وعمليات التمشيط البحرية والتبادلات. في النصف الأول من سنة 2018 لوحدها، يقال إن الوحدات العسكرية السابعة والعشرين والثامنة والعشرين المرافقة لمكافحة القرصنة والتابعة لبحرية الجيش الصيني زارت موانئ في الكاميرون والغابون وغانا ونيجيريا، في حين أجرت وحدات أخرى تمارين في البلدان نفسها وعملت فرقه الطبية فعلا في إثيوبيا وسيراليوني والسودان وزمبيا.

وبعد أشهر فقط من قرار بوركينا فاسو في مايو القاضي بتحويل الاعتراف الدبلوماسي من تايبي إلى بكين، يعمل جيش التحرير الشعبي بعد لتطوير علاقات عسكرية كانت في السابق حكرا على الرفنسيين.

7