اتساع قلق المصريين مع اقتراب التحرير الكامل لأسعار الوقود

المتغيرات التي شهدتها أسعار الصرف، تضع الحكومة المصرية في مأزق، بعد تراجع الدولار أمام الجنيه بنحو 7.3 بالمئة، ما يربك معادلة حساب الأسعار الجديدة للوقود.
الجمعة 2019/06/21
التموين الأخير قبل صعود الأسعار

اتسع قلق المصريين مع اقتراب التطبيق الوشيك للمرحلة الأخيرة من تحرير أسعار الوقود، المقرر تنفيذها هذا الشهر وفق المراجعة الأخير لبعثة صندوق النقد الدولي، وطبقا للبرنامج الزمني الذي أعلنته الحكومة لإلغاء دعم الوقود بالكامل.

القاهرة – تحبس القاهرة أنفاسها للإعلان عن ساعة الصفر لبدء تطبيق المرحلة الرابعة والأخيرة من تحرير أسعار الوقود وبيعه في السوق المحلية وفق الأسعار العالمية.

وأدت حالة الترقب التي تسيطر على الشارع المصري إلى زحام شديد على محطات تموين السيارات أملا في الحصول على حصة أخيرة بالأسعار القديمة.

وأعلنت وزارة البترول عن تثبيت أسعار بنزين السيارات الفارهة أوكتين 95 حتى نهاية الشهر الحالي، وهو الوقود الوحيد الذي يباع بالأسعار العالمية، وقلب هذا التثبيت موازين المنظومة بعد أن أعلنت القاهرة أن مستوياته الحالية تماثل الأسعار العالمية.

وتضع المتغيرات التي شهدتها أسعار الصرف، الحكومة في مأزق، بعد تراجع الدولار أمام الجنيه بنحو 7.3 بالمئة مؤخرا، ما يربك معادلة حساب الأسعار الجديدة للوقود.

وتعتمد اللجنة الفنية لمتابعة آلية التسعير التلقائي للوقود على التطورات الفعلية للعناصر الأساسية المؤثرة على تكلفة إتاحة وبيع الوقود، وتشمل تطور سعر الجنيه أمام الدولار في ضوء بيانات البنك المركزي، وتطور الأسعار العالمية لبرميل خام برنت.

ويصل سعر لتر البنزين أوكتين 95 نحو 7.75 جنيه (0.46 دولار)، مقارنة بباقي أنواع الوقود المدعم وهي بنزين أوكتين 92 بنحو 6.75 جنيه (0.4 دولار)، وبنزين أوكتين 80 والكيروسين والسولار عند 5.5 جنيه (0.33 دولار).

وفي ضوء ذلك، فإن القاهرة أمام خيارين؛ إما الانتظار إلى نهاية الشهر الحالي وإعلان الأسعار الجديدة للطاقة مع انتهاء فترة تثبيت سعر بنزين أوكتين 95 حتى يتم إعلان الأسعار كل 3 أشهر للوقود معا، وإما الإعلان قبل هذا التاريخ ما يربك منظومة التسعير.

والاحتمال الأول الأقرب للتحقق، لأنه يتواكب مع بدء العمل بالموازنة العامة الجديدة في أول يوليو المقبل، فضلا عن أنه الوقت المناسب لعمل تحركات سعرية على وقود سيارات الأثرياء.

وتصطدم طموحات تحرير الطاقة في القاهرة مع خطط الرضاء الشعبي، حيث تأتي بعد شهر من رفع أسعار الكهرباء بنسبة 15 بالمئة، وارتفاع معدل التضخم بما فاق توقعات بنوك الاستثمار.

ويقول بنك الاستثمار فاروس إن مستويات التضخم خلال شهر مايو فاقت التوقعات عند 12.8 بالمئة على أساس سنوي، ونحو 0.5 بالمئة على أساس شهري.

حسام الغايش: موجة تضخم مرتقبة سوف تزيد معاناة المصريين
حسام الغايش: موجة تضخم مرتقبة سوف تزيد معاناة المصريين

وارتفعت معدلات التضخم الرسمية في مايو الماضي طبقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى مستوى 13.2 بالمئة، ودفعت المركزي إلى ثبيت سعر الفائدة بهدف محاصرة معدلات التضخم.

وتوقع فاروس أن يصعد معدل التضخم إلى مستوى 14 بالمئة خلال فترة الصيف الحالي متأثرا بحزمة الإجراءات الإصلاحية في أسعار الطاقة.

وقال الخبير الاقتصادي حسام الغايش، إن “السوق يترقب موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار بسبب التضخم الناتج عن رفع أسعار المحروقات، ما يزيد معاناة المواطنين بعد تحمل ضغوط برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ بدايته في 2016″.

وأشار في تصريحات لـ”العرب” إلى أن أسعار المنتجات ارتفعت خلال الفترة الماضية منذ إعلان وزير الكهرباء محمد شاكر في نهاية شهر مايو الماضي رفع أسعارها.

وخلافا لما يعتقد، ألزمت مصر نفسها بمواعيد رفع الدعم عن المحروقات ثم عرضتها على صندوق النقد الدولي.

وتتمثل مشكلة الدعم الأساسية في عدم قدرة السلطات على توجيهه لمستحقيه بشكل مباشر، ما يفاقم أوضاع الفقراء بسبب مزاحمة أعداد كبيرة من القادرين في حصة الدعم، نتيجة غياب الشفافية التي تحدد الفئات المستحقة للدعم.

وطبقت الحكومة حزما من الإجراءات الإصلاحية في فترة قصيرة، ما سبب ضغطا على المواطنين، لم تواكبه برامج حمائية متكاملة، وإهمال منظومتي الصحة والتعليم والتباطؤ الشديد في عمليات تطويرهما.

وقال الخبير الاقتصادي أحمد الشامي، إن “مصر تمضي في إجراءات الإصلاح في ما يخص رفع الدعم فقط، دون استكمال باقي الإجراءات التي تضمن حياة كريمة للمعوزين”.

وأوضح لـ”العرب” أن تكلفة الإجراءات الجديدة تحتاج رفع قيمة الدعم المقدم للمحتاجين على بطاقة التموين بنحو عشر مرات إلى 500 جنيه (30 دولار) بدلا من 50 جنيها (3 دولارات) حاليا.

ويبدو أن قاعدة البيانات التي تسعى مصر لحصرها لن تتحقق دون تفعيل الشمول المالي، وربط جميع معاملات الأفراد بالرقم القومي لكل مواطن للوقوف على دخله الفعلي.

وأكد رمضان أبوالعلا الخبير في شؤون النفط والطاقة، أن رفع الدعم عن المواد البترولية، يزيد من حالة الاحتقان في الشارع، فالحكومة تنفذ توصيات صندوق النقد دون النظر إلى مصلحة المواطن وتحاول امتصاص غضبه بأن تلك الإجراءات تخدم الاقتصاد مستقبلا.

رمضان أبوالعلا: مصر تنفذ توصيات صندوق النقد دون النظر إلى المواطنين
رمضان أبوالعلا: مصر تنفذ توصيات صندوق النقد دون النظر إلى المواطنين

وأشار لـ”العرب” إلى أن الحكومة تلقت مطالب عديدة من الخبراء لتأجيل رفع الشريحة الأخيرة من دعم المحروقات لوقت يتلاءم مع الأوضاع الاجتماعية وتراجع الأسعار نسبيا بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز وتقليل فاتورة الاستيراد، والوفورات التي طرأت في الطلب على العملة الأجنبية، إلا أن الحكومة تصر على التخلص من الدعم.

وذكرت مصادر لـ”العرب” أن التحرير الكامل لأسعار المحروقات المرتقب يستخدم نفس المعادلة المطبقة على بنزين أوكتين 95، فضلا عن أن ذلك سوف يقضي على السوق السوداء للوقود، ويعزز من حسن الاستخدام والترشيد من جانب الأفراد.

وتوجد في القاهرة سوق موازية للوقود وتقبل عليها المركبات غير المرخصة ومركبات توك توك الشهيرة ويزيد عددها عن ثلاثة ملايين مركبة تجوب الشوارع الجانبية.

وأمنّت الحكومة التذبذب المتوقع في سعر النفط بزيادات في المرتبات والمعاشات وبرامج الحماية الاجتماعية، لكنها نوعت شبكة استيرادها بهدف إتاحة الوقود تحت أي ظرف.

وتعاقدت على عقود آجلة لمدة 12 شهرا تعتمد فيها على شراء الزيت الخام من حوض نفط العراق من خلال الخط الرابط بين جنوب البصرة والرحاب البيضاء وخليج العقبة.

وتستورد مصر عن طريقه 12 مليون برميل سنويا، وينتهي التعاقد مع انتهاء الموازنة العامة الجديدة للدولة، ما يعزز كفاءة معامل التكرير المحلية، بدلا من الاعتماد على 38 مليون طن من المواد البترولية لتصنيع الوقود، إذ ارتفعت قيمتها إلى نحو 59 مليون طن في معامل التكرير.

وتنتشر في البلاد 5 مصانع تكرير، هي أسيوط لتكرير البترول والمصرية للتكرير والعامرية وميدور ومسطرد، ولديها عقود للوقود مع شركة أرامكو السعودية بأسعار 2015.

وبموجب الاتفاق تستورد القاهرة 800 ألف طن من المواد البترولية شهريا من أرامكو، وتسري هذه العقود حتى عام 2023، وتمثل 25 بالمئة من حصتها الاستيرادية.

11