اتحاد الشغل التونسي يستعد لعقد مؤتمره القادم للقيام بترتيبات جديدة

يدشّن الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة العمالية ذات النفوذ الواسع في البلاد، مرحلة جديدة في علاقته بالرئيس قيس سعيد، من خلال الاستعداد لتنظيم مؤتمره القادم الذي يرى مراقبون أنه سيحمل جملة من التغييرات خصوصا بعد التقارب الأخير مع رئاسة الجمهورية وتجاوز مرحلة الفتور التي ميزت علاقتهما.
تونس - يحاول الاتحاد العام التونسي للشغل عبر عقد مؤتمره القادم القيام بترتيبات جديدة لدعم موقع المنظمة في الحياة السياسية والاجتماعية، حيث أعلن عن فتح باب الترشحات لمكتبه التنفيذي الوطني، ومن المنتظر أن يمثل المؤتمر فرصة ليغير الاتحاد استراتيجية التوتير مع الرئيس قيس سعيد.
وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الجمعة عن فتح باب الترشحات لمكتبه التنفيذي الوطني والهيئة الوطنية للنظام الداخلي والهيئة الوطنية للمراقبة المالية استعدادا لمؤتمره القادم المقرر عقده أيام السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر من فبراير القادم بمدينة صفاقس (جنوب).
وأكد الاتحاد في بلاغ صادر عنه نشره على صفحته بموقع فيسبوك أن آجال الترشحات تفتح بداية من نشر بلاغه هذا وأن آخر أجل لقبولها هو يوم الاثنين الحادي والثلاثين من يناير الجاري.
وأشار إلى أنه يتعين على الراغبين في الترشح ممن تتوفر فيهم شروط الفصلين 19 و39 من النظام الداخلي تقديم مطالب ترشحهم باسم الأمين العام للمنظمة إما عبر البريد السريع أو مباشرة لمكتب الضبط المركزي بمقره.

نبيل الرابحي: العلاقة بين الاتحاد والحكومة تتسم بفترات تصادم وتهدئة
وكان المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي لاتحاد الشغل المنعقد خلال شهر يوليو الماضي بسوسة كان قد أقر إدخال تنقيح على نظامه الأساسي يجيز لأعضاء مكتبه التنفيذي الوطني الترشح لأكثر من دورتين متتاليتين على أن يشمل التجديد على الأقل ثلث الأعضاء ضمن تركيبة المكتب التنفيذي وأعضاء الجامعات مع حصر الأمانة العامة بالمكتب التنفيذي لدورتين فقط.
وسيمكن هذا التنقيح ما لا يقل عن تسعة أعضاء من مجموع ثلاثة عشر عضوا من المكتب الحالي بمن فيهم الأمين العام من تجديد ترشحهم في المؤتمر القادم.
ولئن أكد مراقبون على الدور الوطني لاتحاد الشغل والدفاع عن مطالب الطبقات الاجتماعية، فإنهم اعتبروا أن المؤتمر القادم من شأنه أن يحمل رسائل جديدة تهدف إلى دعم العلاقة مع الرئيس سعيد وتجاوز العراقيل والمطبات.
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “الاتحاد لعب من قبل دورا وطنيا في الحياة السياسية، ولكن الأمور السياسية بين الاتحاد والحكومة تتسم بفترات تصادم وتهدئة وهذا من طبيعة عمل المنظمة”.
وأضاف لـ”العرب” “الاتحاد لم تنقطع علاقته بالرئيس سعيد، والأمين العام للمنظمة نورالدين الطبوبي قال إنه ثمة اتصال ولكن هناك فتور في العلاقة بينهما”.
وتابع الرابحي “سبق وأن قدم الاتحاد مبادرة لتنظيم حوار وطني شامل، لكن الرئيس سعيد يرفض حوارا على شاكلة الحوارات السابقة”.
ويرى متابعون للشأن التونسي أن المؤتمر القادم يمثل فرصة حقيقية للقيام بعدة مراجعات تتعلق أساسا بمبادئ الديمقراطية داخل الاتحاد، ولعب دور إيجابي في الفترة القادمة، خصوصا بعدما فهم الاتحاد أنه لا بد من دعم مسار توجهات الرئيس التونسي.
وقال المحلل السياسي باسل ترجمان إنه “لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية مكانة اتحاد الشغل في المشهد التونسي، وأعتقد أن المؤتمر هو فرصة من أجل إحداث جملة من التغييرات، على غرار الممارسة الديمقراطية في المنظمة واحترام قوانينها”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” “الأسبوع الماضي كان هناك لقاء بين الرئيس سعيد والطبوبي، ما من شأنه أن يساهم في توطيد جسور الثقة بين الطرفين، والمؤتمر القادم من المتوقع أن يكون فرصة للتقييم الحقيقي لواجبات الاتحاد تجاه منظوريه، ومن أجل أن يكون دوره إيجابيا في المرحلة القادمة”.
وتابع ترجمان “قيادة الاتحاد فهمت جيدا أن توجهات الرئيس هي خطوات ستحدد طبيعة المستقبل السياسي، وعليه أن يدعم تلك التوجهات”، لافتا “اليوم هناك مرحلة جديدة وتحتاج إلى أن تكون هناك وقفة صادقة من الاتحاد والتعامل بمسؤولية، لأن المنظمة تعلم أن أي هزّة اجتماعية ستؤثر كثيرا على الوضع العام”.
وبعد أن سيطرت الخلافات والتوترات والاتهامات على علاقتهما وانقطع بينهما اللقاء لمدة زادت عن الستة أشهر، التقى سعيد بالطبوبي السبت الماضي.
وذكرت المركزية النقابية على صفحتها الرسمية أن هذا اللقاء تناول الوضع العام في البلاد، في وقت أعلن فيه الرئيس سعيد بأنه مستعد للعمل المشترك مع الاتحاد اعتمادا على “الثوابت والقناعات الوطنية”.

باسل ترجمان: قيادة الاتحاد فهمت جيدا أنه عليها أن تدعم توجهات الرئيس
وقال سعيد إن اتحاد الشغل هو “أقوى نقابة عمالية في تونس ولها قدرة كبيرة على تعبئة الشارع”، مؤكدا على أهمية الدور النقابي والوطني الذي لعبه الاتحاد في عدة مناسبات سواء على المستوى الوطني أو الخارجي، معتبرا أن هذا اللقاء دليل على عدم وجود جفاء أو برود بين الطرفين، وأن اللقاءات بينهما مستمرة سواء بصفة مباشرة أو عبر المكالمات الهاتفية.
وذكر الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي بأن هذا اللقاء فرضته طبيعة المرحلة واستحقاقاتها، معتبرا أن تجاوز الظروف الصعبة يكون “عن طريق التضامن الوطني الحقيقي واعتماد الهدوء والحكمة والتعقل والمشاركة”.
واعتبر المتحدث باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أن هذا اللقاء مهم على اعتبار أنه يأتي في ظرف دقيق ارتفع فيه منسوب التجاذب السياسي في البلاد أكثر من أي وقت مضى.
وقال الطاهري في تصريح إعلامي إن هذا اللقاء قد يفضي إلى إذابة الجليد بين الطرفين، مضيفا بأنه تضمن مصارحة حول أسباب الخلاف وانقطاع التواصل بين الاتحاد والرئاسة طيلة الفترة السابقة، مؤكدا أن الطبوبي قام بتوضيح موقف الاتحاد من جملة القضايا المطروحة في علاقة بالوضع العام بالبلاد وبقرارات رئاستي الجمهورية والحكومة.
وجاء اللقاء في الوقت الذي تشهد فيه العلاقة بين الرئاسة والحكومة من جهة، واتحاد الشغل من جهة ثانية، توترا وخلافات، نتيجة سياسات وخيارات تتبعها حكومة نجلاء بودن لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد يرفضها الاتحاد، وكذلك بسبب القرارات الأخيرة التي أعلنها الرئيس سعيّد، ويعتبرها الاتحاد متعارضة مع الحوار الوطني الذي دعا إليه، وتهميشا لدوره في الفترة المقبلة.
ويدعم اتحاد الشغل القرارات التي أعلنها سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو وقام بمقتضاها بتجميد أعمال البرلمان وتجريد أعضائه من الحصانة البرلمانية وإقالة الحكومة، كما يؤيد القطع مع المنظومة السياسية التي حكمت البلاد خلال العشرية الماضية بقيادة حركة النهضة.