إيمان حكيم تتوّج المرأة رمزا للحياة وملكة للوجود

معرض "السيدة" يحتفي بالمرأة ويبرز الطاقة الخلاقة الكامنة فيها كحارسة للحق والخير والجمال باعتبارها عنوانا للنعومة والأمومة.
الجمعة 2019/04/05
"السيدة".. هي الأنثى كما ينبغي لها أن تكون

للمرأة دائما أسرارها الجمالية، ولأوراق “الكوتشينة” رموزها الأنثوية السحرية وملكاتها القادمات من التاريخ، وهذا ما اشتغلت عليه الفنانة التشكيلية المصرية إيمان حكيم في معرضها “السيدة”، مطلقة ربيعَ المرأة الخاص بألوان مبهجة، ومستعيدة أساطير الأميرات.

تكتسب الأعمال التشكيلية التي تتخذ النساء ثيمة لها طاقة مضاعفة حينما تكون مصوغة بأنامل المرأة، فالأنثى أقدر على فهم دواخلها، وقراءة ذاتها، وترجمة ما يجيش من مشاعرها ويفور من براكينها إلى ألوان وخطوط وأضواء وظلال.

وقطعت الفنانة المصرية إيمان حكيم شأوا بعيدا في استبطان ماهية المرأة والتعبير عنها دراميا عبر لوحات معرضها “السيدة” (The Dame) الذي انعقد في منتصف شهر مارس الماضي في قاعة “المشربية” بالقاهرة.

جاء معرض “السيدة” احتفاء بالمرأة واحتفالا بالربيع في الوقت نفسه، فكلاهما “المرأة والربيع” أيقونة البهجة على الأرض ورمز التفتح والخصوبة وصفو الحياة ومفتاح الأمل في الوجود، ولعله ليس من قبيل الصدفة أن يتزامن المعرض مع عيد الربيع الموسمي وعيد الأم وشهر الاحتفالات باليوم العالمي للمرأة.

موسيقى الحياة

سيدات الحاضر وملكات التاريخ
سيدات الحاضر وملكات التاريخ

في مجموعة كبيرة من لوحات “الزيت على الكانفاس”، أطلقت إيمان حكيم العنان لفرشاتها لتتقصى خارطة المرأة وتفاصيلها الملموسة والمحسوسة، بسيولة تلائم جسد الأنثى الغض وروحها الهشة المنثالة كعطر في ثنايا الفراغ، واتسمت الألوان بالوهج والحيوية والاشتعال، فالمرأة هي الوقود الحيوي واخضرار الحقول ونسمات الصباح وصفحة السماء والبحر.

واختارت الفنانة إيمان حكيم (52 عاما) مفردة “السيدة” وليس “المرأة” عنوانا لتجربتها التي جاءت استكمالا لرؤيتها في معرضيها السابقين “لحظات ملونة” و“غنوة الحياة”، فالسيدة هي الوضعية اللائقة بالمرأة التي تراها الفنانة موسيقى الحياة وقوس قزح الزمن وطاقة الكون التي لا تنفد، بما تعنيه من أهمية وتأثير وقدرة على القيادة والتغيير.

نسجت إيمان فكرتها المعبرة عن تجليات المرأة من خلال المزج الدرامي الشفيف بين نساء الواقع الراهن في حركاتهنّ وجيئتهنّ ورواحهنّ، ونساء التاريخ والأساطير في حكاياتهنّ وسيرهنّ الشعبية، وفي التفاتها إلى الماضي، اجتلبت الفنانة أيضا فئة الأميرات والملكات، فهؤلاء هنّ السيدات، الرامزات إلى القيم العليا والمعاني الجسورة.

وفي تصويرها لوجوه النساء وملامحهنّ النفسية، لعبت الفنانة على حيلة مبتكرة، هي استدعاء أوراق “الكوتشينة” في لوحاتها، بما فيها من رموز أنثوية متعددة وصور نسوية ذات جذور تاريخية ودلالات أسطورية، وجاء هذا التوجه البصري التعبيري الواعي ليدل على قصد الفنانة تتبُّع الأدوار البارزة للمرأة/السيدة منذ القدم، وإثبات مكانتها المجتمعية وحضورها الإنساني الباذخ، على الرغم من محاولات تهميشها وإقصائها.

أميرات الخلاص

ساحرة الأوراق تمنح الوجود الخصوبة
ساحرة الأوراق تمنح الوجود الخصوبة

هذه الفلسفة التي انطلقت منها تجربة معرض “السيدة”، أشارت إليها إيمان حكيم بوضوح في مانيفستو المعرض، وبطاقاته الصغيرة التي حملت بدورها رموز أوراق اللعب، والعلامات المحيلة إلى المرأة، أو السيدة على نحو أدق، تلك التي نهضت على مدار التاريخ بأدوار بطولية غيّرت وجه الحياة ومسار البشرية.

هذه المرأة، كما ذكرت حكيم، تجلت مع مطلع القرن التاسع عشر مرسومة برموز متنوعة على أوراق “الكوتشينة”، فتارة هي “ملكة القلب الأحمر”، التي خلصت العالم من الشرور المحققة، ومرة هي “ملكة الديناري الأحمر”، التي شكّلت القيمة الرمزية العظيمة بين الشعوب، وهي أيضا “ملكة البستوني الأسود” الدالة على الحكمة والقوة والحرب، كما أنها “ملكة السباتي الأسود” المشيرة إلى الصبر والكفاح والزرع والحصاد.

ومن خلال مشاهد متعددة، تتفاعل فيها “السيدة” مع قريناتها من النساء، ومع الآخر/الرجل، وكذلك مع الكائنات والعناصر الحية المختلفة ومفردات الطبيعة، أبرزت الفنانة إيمان حكيم الطاقة الخلاقة للمرأة، كحارسة للحق والخير والجمال وعنوان للنعومة والأمومة وصديقة للطهر والنماء والإثمار، وعكست كل لوحة بذكاء لافت العلاقة بين الصفات والملامح الأنثوية في شخصياتها المصوّرة، ودلالات علامات “الكوتشينة” المتنوعة.

التقاء النعومة والأمومة
التقاء النعومة والأمومة

وفي مزاوجتها بين الحاضر والماضي، سعت الفنانة إلى إثبات أن المرأة لا تزال حتى هذه اللحظة تمارس مهمتها الأصيلة في تفعيل حركة الحياة، ومواجهة كل نقائص البشر بالتحدي والمقاومة ونثر بذور التفاؤل والأمل والخصوبة في كل أرض متاحة، واستغلال كل فرصة لتحقيق هدف إنساني نبيل، وصولا إلى الانتصار الأكبر، الذي قد يعني السيطرة على ورقة “الآس” (امتلاك القوة العظمى).

اتخذت حكيم من معرضها منصة لإطلاق العديد من الأفكار والمعاني من خلال الصيغ الدرامية التي أثبتتها اللوحات المتفجرة، من قبيل أنه بالطاقة النسوية وحدها يمكن أن تحلّق الطيور وتشرق الزهور، وأن ازدهاء المرأة يعني ازدهار الكائنات، وأن حضن المرأة هو المعنى الأوسع للاحتواء، وأن أنغام الأرض وألحان السماء لا تتأتى إلاّ بأصابع أنثوية، وأن وقود المرأة الداخلي هو خميرة التخلق وبراكين النشاط.

وانفتح معرض “السيدة” كذلك على مسحة من الغموض الفني، بهدف شحذ الخيال وليس الإلغاز، وتجلى ذلك من خلال ملامح الأنثى التي جاءت في أحوال كثيرة غير مكتملة أو غير مطابقة لتمثلاتها الفيزيائية، أو متداخلة مع ملامح الكائنات الأخرى في حميمية وتناسق، كما عكست أوراق اللعب هذا الغموض الآسر، بأرقامها وعلاماتها ذات الدلالات والتأويلات المتنوعة، بما أكسب الحالة ثراء وإدهاشا.

أنغام الأرض وألحان السماء بأنامل أنثوية دائما
أنغام الأرض وألحان السماء بأنامل أنثوية دائما

 

17