إيريك هيبورن.. قصة شخص يكسب رزقه من التزوير والترميم

تناول تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز"، الخميس، بعض القصص عن عمليات التزييف التي قام بها الرسام المختص في اللوحات القديمة إيريك هيبورن، منذ أن كان طالبا في الأكاديمية الملكية البريطانية للفنون في خمسينات القرن الماضي، وبعض الوقائع المذهلة التي رواها بنفسه “رغم صعوبة تأكيدها”.
لندن - أسرّ الرسام المختص في اللوحات القديمة إيريك هيبورن في حديث خاص أنه في أحد الأيام اضطر إلى ترميم صورة بعدما استخدمها حامل أمتعة بالمعهد كحاجز واق، عندما قرر النوم في الطابق السفلي للأكاديمية، حيث كان يدرس. ويروي هيبورن أن إحدى الصور التي استخدمها الرجل، كانت رسما شهيرا لليوناردو دافنشي، والمعروف باسم يرلينغتون هاوس كارتون (Burlington house cartoon).
وفق رواية هيبورن، وضع الرجل لوحة دافنشي على المكيف الذي كان يتسرب منه الهواء، وبحلول صباح اليوم التالي، كانت أغلب ملامح الصورة قد تبخرت بالكامل، وبقيت فقط الخطوط العريضة للرسم. وبعد تفطنه لما ارتكبه، اتصل الرجل برئيس الأكاديمية الملكية، الذي استدعى بدوره كبير مرممي الصور بالأكاديمية، لكن الأخير أعلن أنه لا يمكن استعادة رسوم الصورة. عندها، أرسلوا في طلب "الطالب النجم" إريك هيبورن، الذي استخدم الطباشير والفحم في إعادة إنتاج النسخة الأصلية بشكل لافت.
وكانت تلك القصة، بداية شهرة هيبورن كواحد من الرسامين القلائل الذين يمكنهم تزييف رسومات بشكل فني لافت. وإذ يؤكد التقرير أن هذه القصة “لا يمكن التأكد منها” خصوصا وأن اللوحة بيعت بوقت قصير بعد هذه الحادثة، فإنه يشير إلى أنه تم بالفعل بيع الرسم إلى المعرض الوطني البريطاني.
وفي أحد الأيام، من عام 1987، دخل رجل إلى المعرض الوطني البريطاني، وتوقف أمام الرسم، وأخرج بندقية وأطلق النار على العمل الفني. وتم القبض على الرجل الذي كان يريد الاحتجاج حول الأوضاع الاجتماعية في بريطانيا وتم وضعه في وقت لاحق في أحد المستشفيات.
بعدها، أعاد المتحف الوطني الرسم، مع أجزاء صغيرة من الورق تم لصقها معا مرة أخرى، ولم يتحدث أحد عن أي شيء يحيل إلى أي تزييف. وعندما نُشرت القصة المذهلة التي رواها هيبورن، فندت الأكاديمية الملكية روايته وردت بأنها “مندهشة من هذه القصة غير المتوقعة، التي صدرت من شخص يكسب رزقه من العمل في التزييف".
◙ من الصعوبة بمكان معرفة ما إذا كانت قصص هيبورن صحيحة أم لا أو ما هي الأشياء المزيفة هل خيوط دافنشي أم رسمة بروخل أم القصص بأكملها
"فاينانشال تايمز" علقت على هذه الحادثة بالقول إن "هناك شيئا واحدا في القصة صحيح بالتأكيد، وهو أن هيبورن كان يكسب رزقه من كونه مزيفا". بعد تخرجه، انتقل هيبورن إلى روما وعمل تاجرا للأعمال الفنية ومرمما للرسومات. كان ينظف الصور القديمة وينقحها، وسرعان ما تطور عمله، حيث أصبح يضيف بعض التفاصيل لتصبح اللوحة المرممة أكثر تكلفة.
هيبورن عبر عن ذلك في حديثه الذي تم الإفصاح عنه بعد وفاته عام 1996، بالقول "إن إضافة قطة مثلا إلى مقدمة رسم لمنظر طبيعي كئيب يضمن بيع اللوحة". ويدّعي هيبورن أنه قام بأكثر من ألف عملية تزوير، بينما يعتقد بعض مؤرخي الفن أنه قام بأكثر من ذلك بكثير. بعد سنوات قليلة على انتقاله إلى روما، حصل هيبورن على رسم للآثار الرومانية، التي من المفترض أن يكون رسمها جان بروخل، حوالي عام 1600. كان الرسم ذا قيمة فنية معتبرة، إلا أن هيبورن رأى أنه ربما مزيف، أو على الأقل نسخة من رسم لبروخل، ربما قام بها أحدهم قبل ثلاثة قرون، وذلك لمعرفته الجيدة بالورق.
هيبورن رأى أن إطار الرسم صحيح، لأنه كان يحمل توقيع بروخل، لكن الرسم نفسه منسوخ، لذلك قرر الاحتفاظ بالإطار فقط، والعمل على رسم آخر قريب من الصورة الأصلية. قلب هيبورن الإطار وأخرج منه ورقة الرسم القديمة والصلبة ووضعها على جانب، ثم قام بنزع المسامير الصدئة، ووضعها جانبا أيضا.
وأخيرا، قام بعملية التزييف بالاعتماد على صفحة فارغة مقطوعة من كتاب من القرن السادس عشر، تمت معالجتها بعناية بمحلول للتحكم في امتصاصها، وعلبة طلاء من القرن الثامن عشر، وبحركة أنامله الدقيقة، صنع نسخته “أكثر قوة”. ووفق التقرير “بدا الأمر أشبه بلوحة حقيقية لبروخل ثم باعها مرة أخرى، وانتهى بها الأمر في متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك”.
يتذكر هيبورن أنه بعد أن أعجب بعمله، رمى بالرسم السابق وقال “أنا نادم على رميه إلى حد ما، أتمنى لو لم أفعل ذلك، لأنه سيكون من الجيد المقارنة، ربما دمرت عمل بروخل الأصلي.. لا أتمنى ذلك”. يُذكر أن هيبورن أعلن عن هذا التزوير للعالم في سيرته الذاتية التي صدرت عام 1991 تحت عنوان Drawn to" Trouble".
يشار أيضا إلى أن متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، رد على ادعاء هيبورن في تصريح سابق لصحيفة نيويورك تايمز، بالقول "لا نعتقد أنها مزورة، نعتقد أن القصة التي رواها هيبورن في كتابه غير صحيحة". وتقرير "فاينانشال تايمز" قال من جانبه إن من الصعوبة بمكان معرفة ما إذا كانت قصص هيبورن صحيحة أم لا أو ما هي الأشياء المزيفة هل خيوط دافنشي أم رسمة بروخل أم القصص بأكملها.