إيران ستتفاوض مع الولايات المتحدة في نهاية المطاف، لكن ما الذي ستتنازل عنه

تبدو خيارات إيران لمعالجة ملفها النووي محدودة في ظل الإصرار الأميركي على الحيلولة دون بلوغها العتبة النووية. ولا تملك طهران المنهارة اقتصاديا والمأزومة جيوسياسيا سوى التفاوض وتقديم تنازلات ذات مغزى.
واشنطن - يرى محللون أنه في ظل الإصرار الإسرائيلي على توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، يضع طهران أمام الذهاب مكرهة إلى طاولة المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة المتمسكة إلى حد الآن بالدبلوماسية لكنها لا تستبعد في الآن نفسه الخيار العسكري.
ومنذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كثفت إسرائيل من تحركاتها لجهة إقناع إدارته بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، حيث يعتقد المسؤولون في إسرائيل أن الانتكاسة التي تعرضت لها الجمهورية الإسلامية مؤخرا عبر تفكك شبكة حلفائها وتلقيها ضربات أضعفا قدرتها الصاروخية الدفاعية ما مثل فرصة للمضي قدما في الحل العسكري.
ولا تزال الولايات المتحدة متمسكة بالدبلوماسية بشأن التعامل مع التهديد النووي الإيراني، وهو ما يبعد إلى حين ما تقول تقارير استخباراتية وغربية أن إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران خلال الأشهر المقبلة.
ويقول مراقبون إن تل أبيب لا تستطيع لوجستيا وعمليا توجيه ضربة لإيران دون مساعدة الولايات المتحدة وموافقتها المسبقة، وهو ما تعمل تل أبيب الآن على تحقيقه.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمس الأحد خلال مؤتمر صحافي جمعه بوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أنه “سينهي المهمة” ضد تهديد إيران بدعم من الولايات المتحدة.
وقال نتانياهو “على مدى الأشهر الـ16 الماضية، وجهت إسرائيل ضربة قوية لمحور الإرهاب الإيراني في ظل القيادة القوية للرئيس (دونالد) ترامب وبدعمكم الثابت، ليس لدي شك في أننا قادرون وسنُنهي المهمة.” وأضاف رئيس الوزراء “إسرائيل والولايات المتحدة تقفان جنبا إلى جنب في مواجهة تهديد إيران.”
خلال فترة ولاية ترامب الأولى من 2017 إلى 2021، واصلت إدارته حملة “الضغط الأقصى” على إيران والتي تضمنت فرض عقوبات معوقة ضد طهران وجددت تفعيل الضغوط مع بداية ولايته الثانية
ويرى محللون أن خيارات إيران للتعامل مع الأزمة محدود: إما رفض تقديم تنازلات بما يستجيب للمخاوف الأميركية والإقليمية أو المغامرة بدخول حرب يشير المحللون أنها لا تقوى عليها.
وأبلغ المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي تجمعا من المسؤولين الحكوميين والمبعوثين من الدول الإسلامية في 28 يناير الماضي أن طهران يجب أن تكون حذرة من “العداء والضغائن” المخفية وراء “الابتسامات الدبلوماسية”. لكنه تابع ذلك بالقول إنه عندما “تعرف الشخص الذي تتعامل معه،” فمن الممكن “إبرام صفقة ولكنك تعرف أيضًا ما يجب القيام به.”
ويُنظر إلى هذا التعليق على نطاق واسع على أنه ضوء أخضر للجلوس مع إدارة ترامب، وهو أمر بدا مستحيلاً قبل بضع سنوات فقط. لكن معارضي المحادثات مع الغرب يصرون على أنه سيكون من “السذاجة” أن نعتبر تصريحات خامنئي بمثابة الضوء الأخضر لفتح مفاوضات مع ترامب.
ويشير خبراء إن خامنئي يتقن المراوغة، حيث تحدث بعبارات غامضة تفتح تعليقاته للتفسير إنه لا يحب الالتزام علنًا بموقف، ربما لأنه يحميه من تحمل المسؤولية عندما تسوء الأمور.
ويقول علي أفشاري، المحلل السياسي المقيم في الولايات المتحدة والأستاذ المساعد في جامعة جورج واشنطن إن الخطة الرئيسية لخامنئي هي كسب الوقت وإدارة الوضع من أجل التعامل مع رئاسة ترامب الثانية بأقل قدر من المخاطر، استناداً إلى الاعتراف الضمني بضعف موقف النظام على الصعيدين المحلي والدولي.
وفي فترة رئاسة ترامب الأولى تمكنت طهران من خلال اتباعها سياسة “الصبر الإستراتيجي” من الإفلات، لكن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين يقولون إن السيناريو لن يتكرر في ظل الإدارة الحالية.
وعانت إيران من انتكاسات في الخارج وتواجه تحديات في الداخل، وليس أقلها الاقتصاد المتعثر والعملة الضعيفة – وكلاهما تفاقم بسبب العقوبات الأميركية. وتريد إيران رفع العقوبات، لكن السؤال هو ما الذي يرغب خامنئي في التفاوض بشأنه.
ومع تدهور شبكة وكلائها الإقليميين سياسيا وعسكريا، فإن أوراق المساومة الحقيقية الوحيدة التي تبقى لطهران هي برامجها النووية والصاروخية المتقدمة.
ويؤكد أفشاري أنه لا توجد خيارات جيدة لإيران: فهي تصر على أن برنامجها النووي سلمي ويهدف إلى توليد الطاقة، في حين أن برنامجها الصاروخي جزء لا يتجزأ من عقيدتها الدفاعية.
ويضيف أن التنازل عن أي من الخيارين من شأنه أن يزعج قاعدة الدعم الأساسية للجمهورية الإسلامية، ولكن عدم تقديم أي تنازلات ذات مغزى لن يؤدي إلا إلى زيادة الضغوط الدولية وإغراق الاقتصاد أكثر.
ويرى غلاة المحافظين في إيران أن لدى بلادهم سببان رئيسيان لعدم التخلي عن سعيها للحصول على الأسلحة النووية. الأول هو شعورها بالضعف الإستراتيجي وفي الوقت نفسه، ضعف الحلفاء التقليديين مثل حزب الله في لبنان ونظام بشار الأسد في سوريا بشكل مطرد أو انهاروا تماما.
ويقول المحللون إن طهران بحاجة إلى إجراء تغييرات سياسية كبرى واتخاذ قرارات صعبة، للتعامل مع إدارة ترامب، لمنع المزيد من التدهور.
وخلال فترة ولاية ترامب الأولى من 2017 إلى 2021، واصلت إدارته حملة “الضغط الأقصى” على إيران والتي تضمنت فرض عقوبات معوقة ضد طهران وجددت تفعيل الضغوط مع بداية ولايته الثانية.
وقال حميد رضا عزيزي، وهو زميل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في تصريح لأوروبا الحرة “يبدو أن هناك إجماعًا متزايدًا بين الدوائر السياسية في طهران على أنه، نظرًا للتعقيدات على الجبهتين الداخلية والخارجية، فإن التوصل إلى اتفاق هو المسار الأكثر براغماتية للعمل.” لكن قد لا يكون الاتفاق كافياً لإنقاذ المؤسسة الدينية.
وأضاف “لا يوجد شيء يمكن لترامب أو أي شخص آخر فعله للمشكلة الصعبة التي يواجهها النظام في إيران، وهي أنه فقد شعبه،” في إشارة إلى السخط العام المتزايد في البلاد في السنوات الأخيرة.
وحدد خبراء في العلاقات الدولية والشأن الإيراني، خيارات من المتوقع أن تذهب إليها طهران في الفترة المقبلة، في ظل إحكام قبضة سياسة الضغط الأقصى.
وأوضحوا أن من بين الخيارات الإيرانية، السعي لإجراء لقاء مباشر مع ترامب، والاتجاه إلى التطبيع مع الولايات المتحدة عبر المحادثات النووية، وتقديم ضمانات حول ذلك، مقابل تخفيف العقوبات الخانقة.
ومن بين الخيارات أيضا، بحسب خبراء، ذهاب طهران إلى ترامب بحزمة من الالتزامات المستقبلية، تتصف بالتعامل الإيجابي مع بعثات التفتيش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل سماح واشنطن بفك الحجز عن جزء من الأموال المجمدة لطهران في الغرب، لتخفيف جانب من الضغط الاقتصادي والشعبي الداخلي.