إيران تلاحق آثارها المنهوبة

ينتشر نهب الآثار مع انتشار الفوضى الأمنية والحروب، فإيران التي عاشت ثورات وعدم استقرار سياسي وحروبا شهدت موجات من سرقة الكنوز الأثرية، تحاول اليوم استردادها بمعارك قضائية طويلة، نجحت في بعضها وتستمر في متابعة بعضها الآخر.
طهران- استلزم استرداد إيران كنزا أثريا منهوبا تعرضه في متحفها الوطني، أكثر من 40 عاما تخللتها معركة قضائية شاقة مع من استولوا على القطع المفقودة.
فاكتشاف مكان وجود 51 قطعة من الآجر المزجج من مملكة مانان التي كانت قائمة من القرن العاشر إلى القرن السابع قبل الميلاد في شمال غرب إيران الحالية، وعملية إعادتها إلى إيران، كانا نتيجة “سلسلة من المغامرات المذهلة”، على ما شرح عالم الآثار يوسف حسن زاده.
وتعود بداية قصة هذه القطع إلى مرحلة ما بعد ثورة 1979 في إيران. يومها، اكتشف ميرزا، فيما كان يزرع حقله، قطعا ملونة من الآجر تُستخدم لتزيين معبد في قريته قلايشي، بالقرب من مدينة بوكان الكردية.
وروى حسن زاده الذي يتولى تنظيم المعرض أن “الناس بدأوا على الفور في نهب الآجر المزجج وبيعه، مستغلين عدم قدرة الحكومة يومها على ضبط الوضع”.
وفي العام 1985، أرسلت السلطات مجموعة من علماء الآثار، وتمكنوا بعد إجراء الحفريات الأولى من استخراج بعض قطع الآجر، ولكن كان الأوان قد فات، إذ كان المهربون سارعوا إلى شحن قسم من الكنز إلى خارج إيران.
وتم ضمّ الكثير من قطع الآجر الإيرانية تدريجا إلى المجموعات الخاصة ومعروضات المتاحف في كل أنحاء العالم. ولم يُفتح الموقع مرة أخرى إلا بعد 14 عاما.
وعلى هذه الطوب المربعة التي يبلغ طول كل منها حوالي 30 سنتيمترا، رُسمت بطلاء مزجج حيوانات مجسمة كالأسود والأبقار المجنحة برؤوس بشرية وخيول وثيران بقرن ماعز، إضافة إلى رجال ونساء وشخصيات أسطورية أخرى.
وشرح عالم الآثار أن المانيين “الذين كانوا يعبدون أكثر من إله، كانوا بارعين في فن التزجيج ويزينون واجهات معابدهم بهذه الطريقة”.
وشهدت القصة منعطفا جديدا عندما علم متحف “بريتيش ميوزيوم” البريطاني بأن عائلة إيرانية تعرض مجموعة من الآجر المزجج للبيع في ميناء كياسو على الحدود الإيطالية – السويسرية.
وأوفد المتحف البريطاني عام 1991 أمين مجموعات الشرق الأوسط جون كورتيس للتفاوض في شأن إمكان شراء هذه الآثار.
وأدرك هذا الخبير في العالمين الآشوري والإيراني فورا أن المجموعة عائدة إلى موقع بوكان، ونصح “بريتيش ميوزيوم” ومتاحف أوروبية أخرى بعدم شرائها، نظرا إلى كونها مجموعة فريدة ينبغي ألاّ تُجزأ ويجب أن تُعاد إلى بلد المنشأ.
لكن مالك المجموعة الإيراني لم يكن في هذا الوارد، ولم يكن لديه الاستعداد لإعادة الكنز الموجود داخل مستودعه في سويسرا.
وأفاد متحف طهران بأن الشرطة السويسرية صادرت القطع عام 2008، وأحيلت القضية على المحكمة. ونقل المتحف عن عالم الآثار الفرنسي ريمي بوشارلا، الذي أدار أعمال التنقيب في إيران، قوله إن “للمجموعة هوية”.
وقال المدير العام للمتحف الوطني الإيراني جبرائيل نوكنده “تحت ضغط من الجهاز الدبلوماسي الإيراني والشكوى الرسمية التي قدمها المتحف الوطني عام 2015، استمرت الإجراءات القانونية، وفي ديسمبر 2020 أعيدت المجموعة إلينا”.
لكن استرداد الآثار ليس دائما بهذا القدر الكبير من التعقيد. ففي قاعة مجاورة، يعرض المتحف 29 قطعة من العصر البرونزي إلى العصر الإسلامي.
وروى نوكنده، وهو أيضا عالم آثار، أن “سليل هنري غوبلو اتصل العام الفائت بالمستشار الثقافي الإيراني في باريس، وأبلغه بأن لديه مجموعة من الآثار الإيرانية”. وأضاف “لا نعرف التفاصيل ولا نعرف في أي مناطق أجرى حفريات، وكيف جمع القطع، وفي أي ظروف احتفظ بها”.
وأوضح نوكنده أن غوبلو عاش في إيران خلال الحرب العالمية الثانية، وكان الممثل المفوض للحكومة الفرنسية الحرة بقيادة الجنرال ديغول. ورجّح مدير المتحف أن يكون غوبلو “زار المواقع الأثرية الإيرانية وجمع قطعا لنقلها إلى فرنسا”.
لكن مساعي إيران لاسترداد الآثار المفقودة لم تنته عند هذا الحد، وخصوصا أن الآثار العائدة إلى تاريخها الممتد إلى خمسة آلاف عام كثيرة جدا. وقال نوكنده “نحن نجري محادثات مع الولايات المتحدة لإعادة قطع أثرية، وكذلك مع أستراليا”.