إيران تستعين بالدبلوماسية البرلمانية لدعم التقارب مع مصر

طهران تسعى لخلق قناة اتصال فاعلة مع القاهرة على المستوى البرلماني.
الخميس 2023/06/08
هل يسرع البرلمان خطى طهران نحو القاهرة

القاهرة - تمضي الدبلوماسية الإيرانية في طريقها نحو توجيه رسائل محفزة لاستعادة العلاقات مع مصر، في محاولة لإلقاء حجارة عديدة في المياه الراكدة مع برود الرد الرسمي من القاهرة على رسائل صدرت من مكتب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، ما كان دافعًا نحو الاستعانة بما يسمى “الدبلوماسية الشعبية” التي تجيد طهران توظيفها لتحقيق اختراق سياسي يخدم توجهاتها.

ووجه رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية الإيرانية عباس غلرو أخيرا دعوة إلى مجموعة من البرلمانيين في مصر والأردن لزيارة إيران عقب لقاء جمعه بممثلين دبلوماسيين بدرجة سفير في طهران.

ووظفت إيران الدبلوماسية الشعبية والبرلمانية في إحداث اختراق على مستوى العلاقات مع مصر بعد اندلاع ثورة يناير 2011 التي أعبقتها سيطرة تنظيم الإخوان على الحكم، وتوقفت زيارات الوفود البرلمانية بشكل كامل بعد سقوط الإخوان.

محمد عباس ناجي: ما يهم القاهرة التصرفات أكثر من الأقوال
محمد عباس ناجي: ما يهم القاهرة التصرفات أكثر من الأقوال

وتدرك طهران أن مسارات التقارب مع القاهرة ليست سهلة، وأن أجواء الانفتاح على المنطقة العربية سوف تكون بحاجة إلى دوائر جانبية قد تجعلها مقبولة، بعد أن تدخلت سلبا في بعض الصراعات الإقليمية.

وتفسر دعوة بعض البرلمانيين المصريين على أنها خطوة لتحسين الصورة الإيرانية وإرسال إشارات على حسن النوايا نحو استعدادها للذهاب إلى التطبيع الشامل الذي لا يقف عند حدود السياسة، ويشمل مستويات برلمانية وثقافية وعلمية ودينية.

وقال الخبير في الشؤون الإيرانية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية محمد عباس ناجي إن خطوة طهران تجاه القاهرة تأتي بعد دعوات متكررة لتحسين العلاقات بينهما، والاستعانة بالدبلوماسية تدخل ضمن مساعيها لتعزيز العلاقات مع الدول العربية، وتستهدف إيجاد وسائل اتصال متباينة لا تحصرها في مكتب لرعاية المصالح في القاهرة وآخر في طهران.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن إيران تستثمر في أجواء إيجابية تدعم التقارب بين الدول الفاعلة في الشرق الأوسط، وترتكز على الدبلوماسية البرلمانية لتحقيق اختراق يصعب حدوثه على الأرض خاصة أنها لم تتلق رسائل رسمية مصرية تتوافق بوضوح مع دعواتها المتكررة لتطوير العلاقات المشتركة.

وألمحت مصر إلى أن هناك أجواء جيدة في المنطقة تدعم التقارب مع إيران وتركيا، وتعمل على تقييم التقارب الناجم عن وساطة بكين بين الرياض وطهران، والتقطت رسائل مختلفة من إيران، لكنها تعول على وجود أفعال ملموسة تؤكد جدية إيران في تعزيز علاقاتها مع الدول العربية.

وشدد ناجي على أن ما يهم القاهرة التصرفات أكثر من الأقوال، وأي تقارب لا بد أن يسبقه وضع النقاط على الحروف بشأن القضايا العالقة وأن تكون هناك تحولات في السياسة الإيرانية تستوعب تخوفات القاهرة من التأثير السلبي لها في القضية الفلسطينية ودعم ميليشيات متعددة في المنطقة وعدم التدخل في شؤون دولها.

وكان غلرو قال في تصريحات تطرقت إلى تحسين العلاقات مع الدول العربية “لقد حاولنا في لجنة العلاقات الخارجية إجراء مشاورات برلمانية مع الدول التي توجد علاقات دبلوماسية معها بمستوى منخفض، وفي هذا الصدد التقيت سفيري مصر والأردن ووجهت دعوة إلى مجموعة من البرلمانيين في البلدين لزيارة طهران، ونأمل أن تنجز هذه الزيارات في أقرب وقت ممكن”.

المفاوضات بين البلدين يمكن أن تأخذ وقتا على غرار المباحثات بين إيران والسعودية التي استمرت حوالي عامين، لكن ذلك لا يمنع تلبية الوفد البرلماني المصري الدعوة لزيارة طهران

وأرسلت إيران الشهر الماضي وفداً برلمانيًا برئاسة عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان علي زادة إلى العاصمة البحرينية المنامة للمشاركة في لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية المستدامة في الجمعية البرلمانية الآسيوية، وتطرقت الزيارة إلى إمكانية التعاون بين البلدين في مجالات ذات طبيعة اقتصادية.

وأكد رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية محمد محسن أبوالنور لـ”العرب” أن طهران تهدف إلى خلق قنوات اتصال متباينة مع القاهرة على مستويات سياسية ونيابية، من المتوقع أن تُكملها بدعوة وفود علمية وبحثية لتدعيم رغبتها في تذليل عقبات تقف أمام التقارب مع استمرار مصر في دراسة موقفها من استعادة العلاقات الطبيعية.

وكشف نائب وزير الطرق الإيراني محمدي بخش أن شركة الطيران الإيرانية تنتظر قيام وزارة الخارجية بتمهيدات لازمة لتدشين رحلات بين طهران والقاهرة “ولا توجد قيود لتسيير الرحلات بين البلدين والأسطول الجوي الإيراني مستعد للقيام بذلك”.

ولفت محمدي إلى زيادة الطلب في إيران على زيارة مصر، وعليه ترغب شركات الطيران بتنفيذ رحلات إلى القاهرة “ويمكن أن تكون لدينا بداية جيدة ونحن نمتلك طائرات عملاقة لتسيير رحلات مباشرة إلى مصر”.

وأقرت الحكومة المصرية في مارس الماضي إجراءات عدة لتسهيل حركة السياحة الأجنبية الوافدة، تضمنت دخول السياح الإيرانيين إلى البلاد.

محمد محسن أبوالنور: طهران تهدف إلى خلق قنوات اتصال متباينة مع القاهرة على مستويات سياسية ونيابية
محمد محسن أبوالنور: طهران تهدف إلى خلق قنوات اتصال متباينة مع القاهرة على مستويات سياسية ونيابية

ولفت وزير السياحة والآثار المصري أحمد عيسى إلى أن السياحة الإيرانية الوافدة ستحصل على تأشيرات عند الوصول إلى المطارات جنوبي سيناء (شرم الشيخ)، ضمن ضوابط وشروط معينة، ولم تعلن القاهرة حتى الآن منح تلك التأشيرات.

وأوضح أبوالنور أن الزيارات المتبادلة اقتصرت في العقد الأخير على زيارة المسؤولين ونواب الوزراء للمشاركة في محافل إقليمية وأممية في القاهرة وطهران، ولم تكن هناك زيارات برلمانيين مصريين مع امتعاض مؤسسات الدولة المصرية، وبينها البرلمان، من سلوكيات إيران في الإقليم.

وشدد على أن ملف التقارب يسير الآن بشكل جيد في ظل مساعي إيران الحثيثة لاستعادة العلاقات التي تعترضها مطالب أمنية وسياسية مصرية تؤدي الاستجابة لها إلى تحفيز القاهرة على اتخاذ مواقف موازية، وحال استجابت إيران فعلا لها يمكن أن يلتقي الرئيس عبدالفتاح السيسي مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل بنيويورك.

ويمكن أن تأخذ المفاوضات بين البلدين وقتا على غرار المباحثات بين إيران والسعودية التي استمرت حوالي عامين، لكن ذلك لا يمنع تلبية الوفد البرلماني المصري الدعوة لزيارة طهران، ثم تبدأ اللقاءات في التصاعد على المستوى الدبلوماسي وصولاً إلى مرحلة اللقاءات على مستوى وزراء الخارجية أو نوابهم.

وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أشار في مايو الماضي إلى وجود قنوات اتصال رسمية بين طهران والقاهرة، ممثلة في مكتبي رعاية المصالح، وعبّر عن أمله في حدوث انفتاح في العلاقات بين البلدين.

وتوترت العلاقات بين القاهرة وطهران منذ الثورة الإيرانية عام 1979، عندما قبل الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات استضافة شاه إيران محمد رضا بهلوي في القاهرة، على الرغم من مطالبة طهران بعدم استقباله، ثم جرى قطع العلاقات عقب توقيع مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل في العام ذاته، ومنذ ذلك مرت العلاقات بين البلدين بمحطات من الصعود والهبوط، وظلت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بينهما.

6