إيران تدور في فلك الاضطرابات مع تعدّد الأجندات الإقليمية

ارتباك مسؤولي النظام وقراراتهم المتسرعة والتوترات الداخلية بين الجهات المختلفة يرسم صورة واضحة لظروف النظام الحالية.
الجمعة 2020/12/11
خامنئي يتحدى إرادة الإيرانيين

لم تبحث إيران طيلة السنوات الماضية وخاصة مع فرض عقوبات أميركية عليها بعد انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي عن تغيير سلوكها، ما يُمكنها من تلافي زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط. ولكن على العكس تمادت في العدوانية وباتت تحصد اليوم ما خلفته سياساتها التي ظهرت في شكل اضطرابات بين الأطراف السياسية داخليا.

طهران – تدور إيران في فلك الاضطرابات السياسية الداخلية منذ اغتيال العقل الأول لبرنامجها النووي، وزادت من وتيرة ذلك تغير نبرة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن حول الاتفاق النووي، وقبلها تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل، وأخيرا الاتهامات القديمة-الجديدة من السعودية بزعزعة استقرار المنطقة.

كل هذه القضايا وما ستؤول إليه تطورات الشرق الأوسط بعد دخول بايدن البيت الأبيض نهاية الشهر الماضي، سيجعل من إيران تواجه مصاعب مضاعفة بالنظر إلى تعدد الأجندات الإقليمية ومن دون أن تكون هناك استجابة لمطالب جيرانها بوقف التدخل في شؤون الدول العربية وخاصة العراق وسوريا واليمن، ستجد نفسها تعود إلى المربع الأول لأزماتها.

حسن المحمودي: هناك صدع وتوتّر بين دوائر صنع القرار في إيران
حسن المحمودي: هناك صدع وتوتّر بين دوائر صنع القرار في إيران

وقد أدت نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية وإمكانية حدوث تغيير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى رد فعل في العديد من عواصم العالم “ما هو تأثير فوز بايدن علينا؟” بطبيعة الحال، فإن شدة رد الفعل من جانب كل دولة ومسؤوليها تعتمد على درجة الاستقرار السياسي والاستقلال الأساسي لتلك الدول.

ولكن إيران من بين الدول الأكثر تأثرا بالانتخابات الأميركية إلى درجة أنها أحدثت اضطرابات. ويُرجع حسن المحمودي المحلل بمركز أوراسيا ريفيو الأميركي للدراسات والبحوث، ذلك إلى أن موقف بايدن من الاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، أحد أهم عناصر أجندته السياسية، وكان لهذا تأثير كبير على الخلاف بين دوائر صنع القرار في طهران.

ويرى المحمودي أن السؤال الجوهري الآن الذي تجب الإجابة عليه هو ما إذا كان النظام الإيراني ستكون لديه القوة والقدرة والاستقرار لبدء جولة جديدة مع الإدارة الأميركية الجديدة؟ هناك بالفعل قلق وصدع وتوتر يظهر بين كلمات المرشد الأعلى والرئيس والبرلمان ووزير الخارجية وقادة الحرس الثوري الإيراني.

في أكتوبر الماضي، وافق البرلمان على عجل على مشروع قانون بعنوان “العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية”، ثم وافق عليه مجلس صيانة الدستور وأعلنه رئيس مجلس النواب للحكومة.

ووفقا للقانون، فإنه في حالة عدم وفاء الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي بجميع التزاماتها، بما في ذلك تطبيع العلاقات المصرفية والإزالة الكاملة لحواجز تصدير النفط مع العودة الكاملة للأموال الأجنبية من عائدات البيع بعد شهرين من دخوله حيز التنفيذ، يجب على إيران أن توقف التنفيذ الطوعي لبروتوكول معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وهذه الصيغة تسببت في رد عكسي من حكومة حسن روحاني، والتي قالت إن مشروع القانون هذا سيفرض قيودا على تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشآت النظام النووية.

المؤكد أن ما حصل يعد فضيحة للبرلمان وسط صراع السلطة بين قادة النظام، لأنه حين مرر القانون لم يعر أي اهتمام للتداعيات المحتملة. وذكّر إسحاق جهانجيري، نائب روحاني، أن البرلمان انساق وراء التسرع لأن خطة الاتفاق الجديدة كانت تحت سيطرة علي خامنئي ووافق عليها مجلس الأمن القومي وأن البرلمان لا ينبغي أن يتخذ قرارا نيابة عن الحكومة.

وليس ذلك فحسب، بل اتخذت إيران بالفعل خطوتين أخريين لإحباط الإجراءات الأميركية، الأولى هي استكمال واختبار وتوريد وإثبات قوة الأسلحة والصواريخ، ونشر هذه القدرات وتقديم الدعم المالي للجماعات التي تعمل بالوكالة، بما في ذلك الحوثيون في اليمن.

تصاعد السخط الشعبي من ممارسات النظام
تصاعد السخط الشعبي من ممارسات النظام

أما الخطوة الثانية، فقد قدمت إيران صورة لنفسها ليس فقط ليس لديها أي قواسم مشتركة مع حكومات المنطقة، بل على العكس من ذلك فهي مستعدة للتعاون ودعم الأفراد والجماعات والمنظمات التي لديها القدرة على ضرب البنية الأمنية في المنطقة.

في مثل هذه الحالة، بايدن كرر موقفه من ذلك، وقال للإيرانيين الذين تابعوا برنامجه الانتخابي وتصريحاته بالتفصيل إنه لن يعيد إحياء الاتفاق النووي دون تعديله، وجعل ذلك صراحة مشروطا بضمان أمن حلفائه.

لكن خارج إرادة إيران وبايدن، حدثت حقيقتان جديدتان في عهد ترامب ستستمران في الوجود في ظل رئاسة بايدن، وفق المحمودي، الأولى هي الاستقطاب السياسي للسعودية ومصر والإمارات والبحرين، نظرا للوزن السياسي والاقتصادي لهذه الدول.

الحقيقة الثانية تتمثل في تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل لمواجهة إيران وهذا الاتفاق واستمراره يخرج الصراع والحرب بين العرب وإسرائيل، الذي كان وجه المنطقة منذ عقود، من الخطة الاستراتيجية للمنطقة ويبرز بدلا من ذلك توسع النظام الإيراني وطموحه، وهو عامل رئيسي لأي تطورات مستقبلية.

ومما زاد من مشكلات النظام، وصول الاحتجاجات في إيران إلى ذروة جديدة الأسبوع الماضي، بسبب ارتفاع خارطة الفقر بنسبة 80 في المئة في العامين الماضيين، وزادت الجائحة من المشكلة، واستولى ضحايا الفيضانات على بلدية سار بندر احتجاجا على ذلك.

كما أن قضية الدبلوماسي الإيراني أسد أسدي، التي تم الاستماع إليها في بلجيكا قدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأكملها للمحاكمة، فقد تسببت هذه القضية، وهي مزيج من التجسس والإرهاب، في توترات بين النظام الإيراني وعدة دول أوروبية. وقد أصدرت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البلجيكي قرارا ردا على ابتزاز طهران ومطالباتهم بالفدية.

ويعتقد المحمودي أن ارتباك مسؤولي النظام وقراراتهم المتسرعة والتوترات الداخلية بين الجهات المختلفة يرسم صورة واضحة لظروف النظام الحالية، فليس من غير المعقول أن يقول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في المؤتمر الأمني التي استضافها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في المنامة الأسبوع الماضي “لقد أظهرت جمهورية إيران الإسلامية في عجلة من أمرها استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات وتخفيض العقوبات”.

7