إهدار للوقت وتقليل من هيبة الحكام

القاهرة – من بين تسعين دقيقة مدة مباراة كرة القدم، تستنزف تقنية حكم الفيديو دقائق ربما هي قليلة، لكنها قد تكون مؤثرة في عمر اللقاء، خصوصا إذا تمكن الحكم من تعويض الفريق الخاسر الوقت المهدر الذي ربما يصل إلى دقيقتين، لكن ماذا لو تكرر الخلاف على لعبة بعينها؟
أراد الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” استغلال التكنولوجيا لخدمة كرة القدم، وبدأ ذلك في العام 2012 بإدخال تقنية تعرف باسم “خط المرمى”، وهي تحدد ما إذا كانت الكرة تجاوزت خط المرمى أم لا، منذ ذلك الوقت كان من الواضح أن التكنولوجيا في طريقها للتوغل في عالم الساحرة المستديرة، وكانت الأولوية لمجال التحكيم الذي شهد خلال الفترة الأخيرة أخطاء فادحة.
هذه التقنية أفرزت سلبيات كثيرة، حتى وإن دافع عنها السويسري غياني إنفانتينو رئيس فيفا، وماسيمو بوسكا رئيس لجنة الحكام، فاللعبة الشعبية الأولى على مستوى العالم لا بد أن تكون جميع قراراتها محسوبة، ولا تحتاج مبارياتها الحساسة إلى تجارب، لأن قرارا واحدا خاطئا كفيل بخلق حالة غضب عارمة في المدرجات وخارجها، حتى في المباريات التي يراها البعض غير مؤثرة.
ومنذ أن أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم بدء العمل رسميا بهذه التقنية في بطولة كأس العالم للأندية، التي أقيمت في ديسمبر من العام الماضي، ونهاية ببطولة كأس العالم للقارات التي حصد المنتخب الألماني لقبها الأحد، كان ضرر هذه التقنية أكثر من نفعها، في إهدار عمر المباراة وصحة القرارات التي تترتب على لقطة الفيديو.
وتخلق هذه التقنية حالة من الفوضى، بل اعتبرها البعض أضحوكة بالنظر إلى استخدام التقنية نفسها في الرياضات الأخرى، ولم تكن هذه هي بداية استخدام الفيديو في الألعاب الرياضية، بل إن الأمر يعود لأواخر القرن الماضي وبالتحديد في أميركا وتم استخدام تقنية الفيديو في بعض قرارات الحكام في كرة القدم الأميركية والبيسبول، وكلها ألعاب تشهد عنفا بين اللاعبين في حال زيادة الاعتراض.
منذ أن أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم بدء العمل رسميا بتقنية الفيديو في بطولة كأس العالم للأندية، كان ضررها أكثر من نفعها في إهدار عمر المباراة وصحة القرارات.
وتحسم تقنية حكم الفيديو المساعد الخلاف على لعبة بعينها داخل منطقة الجزاء، وتحديدا تلك المتعلقة باحتساب الأهداف أو ركلات الجزاء، وهو ما يتطلب إيقاف المباراة لحين إعادة عرض اللعبة محل الجدل على حكم المباراة الذي يذهب بدوره إلى غرفة مخصصة لذلك وتحديد القرار الصائب.
لعل ما يؤكد حالة الفوضى التي تسببها تقنية الفيديو، ما شهدته بطولة كأس القارات التي استضافتها روسيا أخيرا، من مواقف مثيرة للجدل، والتي استخدمت فيها هذه التقنية، لما تسببه من حالة ارتباك، لأنه بوسع الحكم أن يقرر إذا كان يريد الاستعانة بتقنية الفيديو أو لا، وحتى المتخصصون المتواجدون في الغرفة الخاصة بالفيديو أنفسهم، يمكنهم أن يقترحوا على الحكم أن يستخدم التقنية، لكن إذا استخدم الحكم تلك التقنية فهو وحده يملك الخيار في الأخذ بقرار حكم الفيديو المساعد، أو يراجع بنفسه اللقطة.
وضح مشهد الارتباك في نصف نهائي البطولة التي انتهت بفوز تشيلي على البرتغال، عندما عرقل مدافع البرتغال منافسه التشيلي داخل منطقة الجزاء، لكن الحكم لم يحتسب ضربة جزاء، أو يطلب مشاهدة الاحتكاك مرة أخرى عبر تقنية الفيديو، وهو ما أثار غضب لاعبي تشيلي، وفي مباراة الكاميرون وألمانيا بدور المجموعات، طرد الحكم لاعبا بالخطأ بعد مراجعة لقطة الاحتكاك على الشاشة، ثم صحح قراره بعد مراجعة ثانية، وفي الدور نفسه توقفت مباراة المكسيك ونيوزيلندا لفترة طويلة، بناء على طلب حكم اللقاء كي يتمكن من مشاهدة شجار نشب بين اللاعبين، لأنه وقبل مراجعة الفيديو أشهر الحكم البطاقة الصفراء في وجه لاعب واحد، وبعدها أنذر لاعبين اثنين.
وليس هناك أقسى من تراجع الحكم عن قراره بالنسبة إلى لاعب كرة القدم المستفيد من القرار ومن وراءه الآلاف من الجماهير، فما الذي يحدث مع تقنية حكم الفيديو المساعد سوى الفوضى على أكثر من مستوى، أبرزها خروج جميع عناصر المباراة من الحالة التي هم عليها، حتى هذه المدة الزمنية لن تقل تدريجيا مع التدريب كما يتصور البعض، لأن هناك لقطات تحتاج إعادة مرة واحدة، وأخرى تحتاج إعادات أكثر بزوايا رؤية مختلفة.
حالة اللاعبين أنفسهم بعد الدخول في أجواء المباراة، ودرجة الحماس التي لا يصلون إليها إلا بعد مرور عشر دقائق، تقطعها تلك التقنية التي تجبر الجميع على الوقوف في حالة انتظار عودة الحكم واتخاذ القرار.
وإذا استوعبنا كل ما سبق، فإنه لن يكون أسوأ من أن تقنية الفيديو فعليا تتسبب في تقليل هيبة الحكم وسيادته في الملعب، لأنه من الوارد أن يحتسب الحكم قرارا ثم يتراجع عنه بعد مشاهدة الفيديو وهو أمر مرفوض جماهيريا.