إمدادات عسكرية روسية جديدة إلى سوريا تثير جدلا بين واشنطن وموسكو

الثلاثاء 2015/09/08
تناقض تصريحات موسكو وواشنطن مع الممارسات على الأرض يخلق جوا من انعدام الثقة

موسكو ـ لطالما أكد العديد من المسؤولين الروس والأميركيين ضرورة الاشتغال على تسوية سياسية في سوريا تنهي الاقتتال الأهلي الذي اندلع منذ أكثر من أربع سنوات وتنتقل من خلاله سوريا إلى نظام جديد يكون مرضيا لكل الأطراف، لكن التصريحات الرسمية والتحليلات الذاهبة في هذا الاتجاه، تتصادم في كل مرة مع تحركات ميدانية مناقضة لما يعلنه المسؤولون في البلدين. فكلما اقتربت الولايات المتحدة من تقاطع مع روسيا في المسألة السورية، إلا وازداد حجم التحرك العسكري ميدانيا بالتسليح المباشر لنظام الأسد من قبل روسيا في مقابل ضغط دولي متزايد تقوم به الولايات المتحدة مشفوعا بقصف يستهدف معاقل ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية لبث رسائل طمأنة لحلفائها.

وقد تأكد ذلك من خلال التصريحات الأخيرة لكل من جون كيري وزير الخارجية الأميركي وفلاديمير بوتين الرئيس الروسي، فقد حصلت أميركا على معلومات تؤكد تحريك روسيا لمعدات وعتاد عسكري وحربي إلى سوريا بغرض نشرها فوق أراضيها، في الحين الذي تؤكد فيه روسيا أن الأمر لا يعدو سوى تنفيذ لعقود سابقة الإبرام قبل سنوات. هذا الجدل عبّر عنه صراحة جون كيري قائلا إن واشنطن تشعر بقلق عميق بسبب تعزيز عسكري روسي في سوريا، في الوقت الذي أجاب فيه فلاديمير بوتين قائلا إن أميركا هي التي تريد الانتشار العسكري قبالة سوريا تمهيدا لتدخل وشيك، وما تسليح سوريا سوى حماية لها. وقد دفع إعلان الخارجية الأميركية عن قلقها المسؤولين في الكرملن إلى التأكيد على أنه ليس من حق أميركا التدخل في شؤون الدول الداخلية.

روسيا تسلح نظام بشار الأسد وتمهد لانتشار في سوريا

أبلغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري نظيره الروسي سيرجي لافروف بأن واشنطن تشعر بقلق عميق بسبب تقارير تقول إن موسكو تتجه نحو تعزيز عسكري كبير في سوريا ينظر إليه على نطاق واسع على أنه يهدف إلى تعزيز الرئيس السوري بشار الأسد.

جون كيري: ولد سنة 1941 وهو خريج جامعة بوسطن سنة 1976 وكان من جنود الحرب ضد فيتنام، عين وزيرا للخارجية في إدارة باراك أوباما سنة 2013 خلفا لهيلاري كلينتون.

وقال جون كيري إن السلطات الأميركية اكتشفت “خطوات تمهيدية مقلقة” تشمل نقل وحدات إسكان سابقة التجهيز لمئات الأشخاص إلى مطار سوري فيما قد يشير إلى أن روسيا تجهز لنشر معدات عسكرية ثقيلة هناك. وأشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى روايات إعلامية تلمح إلى”تعزيز عسكري روسي مدعم وشيك”.

وقال كيري إنه “إذا كانت مثل هذه التقارير صحيحة فقد تؤدي هذه الأعمال إلى تصعيد الصراع بشكل أكبر، وإلى إزهاق المزيد من أرواح الأبرياء وزيادة تدفق اللاجئين، وتخاطر بحدوث مواجهة مع التحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية الذي يعمل في سوريا”.

وأضاف جون كيري أنه “قد تشير الأعمال الروسية إلى جهد مكثف لدعم الأسد حليف روسيا منذ فترة طويلة”، والذي انكمشت المنطقة التي يسيطر عليها إلى خمس الأراضي السورية أو أقل بعد حرب أهلية طاحنة تدور منذ أكثر من أربع سنوات.

وقال وزير الخارجية الأميركي “إن من بين أحدث الخطوات التي قامت بها روسيا تسليم وحدات إسكان مؤقت ومركز متنقل للمراقبة الجوية لمطار قرب مدينة اللاذقية الساحلية وهي أحد معاقل الأسد”. وأضاف كيري قائلا “إن الروس قدموا أيضا طلبات لدول مجاورة للسماح بتحليق رحلات جوية عسكرية”.

وأشار جون كيري إلى التقارير الإعلامية التي نشرت في الصحف الأميركية آخر الأسبوع الماضي حول تزايد حجم التسليح الروسي لسوريا، وأشار إلى صحيفة نيويورك تايمز التي أكدت أنه بالإضافة إلى ذلك أرسلت روسيا فريقا عسكريا مباشرا إلى سوريا. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين لم تنشر أسماءهم قولهم إنه على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى اعتزام روسيا إرسال قوات برية ضخمة فإن وحدات الإسكان يمكن أن تأوي نحو ألف مستشار عسكري وأفرادا آخرين وتتيح للمطار بأن يصبح مركز إمدادات أو نقطة انطلاق لغارات جوية روسية.

ولكن كيري قال في هذا السياق “لا يعرف على وجه الدقة ما هي نية الروس. لم نر انتشارا فعليا لمعدات عسكرية أو طائرات أو قوات”. وأضاف كيري “إن النتائج استخلصت من مصادر شتى”.

وذكرت صحف محلية أن المعلومات التي ارتكز عليها كيري في خطابه الأخير الموجه إلى الروس ليست مبنية فقط على التقارير الإعلامية المنشورة في الصحف، وإنما كانت بناء على صور التقطتها أقمار صناعية موجهة لمراقبة التحركات الروسية.

إن من بين أحدث الخطوات التي قامت بها روسيا والتي تهدد المنطقة، تسليم وحدات سكنية متنقلة ورادارات، وهذا الأمر مقلق فعلا

وقال وزير الخارجية الأميركي “إن هناك علامات على تحرك روسي للتدخل في سوريا على نحو أبعد من دور الدعم العسكري القوي الذي تقوم به موسكو بالفعل والذي يتضمن تقديم أسلحة وتدريب”، وأضاف كيري أن الولايات المتحدة ستراقب الوضع لترى ما إذا كان أي تزايد للوجود العسكري الروسي في سوريا سيستخدم لصد تنظيم الدولة الإسلامية أم لدعم الأسد. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن جون كيري وسيرغي لافروف اتفقا على مواصلة النقاشات بشأن الصراع السوري هذا الشهر في نيويورك حيث تلتقي الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر الجمعية بنيويورك.

وأكد جون كيري في معرض حديثه أن “الولايات المتحدة الأميركية تنظر بعين متوترة إلى ما يحدث بين روسيا وسوريا”، مضيفا أن أميركا تقوم بدورها على أكمل وجه في محاربة الإرهاب في سوريا، “في حين أن روسيا لم توضح موقفها بعد من التعزيزات العسكرية في سوريا”.

الأسلحة المرسلة لسوريا تنفيذ لعقود قديمة وليست انتشارا روسيا

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا قد أرسلت فعلا مساعدات إلى السوريين متمثلة في التجهيزات والتدريبات العسكريّة على الأسلحة الروسية “ولكنها مساعدات جاءت في سياق خارج الصراع الدائر في سوريا الآن، وهي ليست إلا تنفيذا لعقود عمرها بين خمس وسبع سنوات”.

فلاديمير بوتين: ولد سنة 1952 في لينينغراد حيث تخرج من كلية الحقوق سنة 1975، كان من ضباط أمن الدولة الروسية حيث عمل في ألمانيا الشرقية وقد تولى أول رئاسة لروسيا سنة 2000.

وأكد بوتين أنه لم يستبعد صراحة نشر جنود روس في الحرب، إلا أنه أشار إلى أن المسألة لم تكن على جدول الأعمال. وتابع بوتين أنه “من المبكر” الحديث عن مشاركة جنود روس في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وأشار إلى أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تتعاون مع الأسد (وهو حليف لموسكو منذ وقت طويل) لقتال متشددي تنظيم الدولة الإسلامية الذين سيطروا على مساحات واسعة في شمال سوريا وشرقها.

وأكد بوتين أن روسيا يمكن لها أن توسع وجودها العسكري في البحر المتوسط في حال تعزيز مجموعة السفن الأميركية في المنطقة عند تأزم الأوضاع في سوريا.

وقال “نحن مقتنعون بأن الشعب السوري سينتصر في نهاية المطاف”، مضيفا “سياستنا التي تهدف إلى دعم سوريا والقيادة السورية والشعب السوري لم تتغير”.

وأكد أن التقارير الإعلامية والتصريحات التي أدلى بها جون كيري ومضمون المحادثة التي جمعته بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف “مجانبة للصواب، حيث تغلب عليها التخمينات الأميركية حول موضوع إرسال الأسلحة، لكننا نعرف جميعا أن روسيا تقدم السلاح إلى سوريا وهذا أمر معهود”.

وأشار فلاديمير بوتين بقوة إلى أن حزمة الأسلحة والمعدات الأخيرة التي أرسلت إلى سوريا والأخرى التي في الطريق إليها لا تعتبر دعما “وفق القراءة السياسية التي يريدها الأميركيون، إنما هي عقود سابقة قد تم إبرامها بين البلدين منذ أكثر من ست سنوات، ومعروف أن علاقات التسليح والتسلح بين روسيا وسوريا قديمة ومتينة”.

وقال معلقا على التدخل الأميركي في سوريا، إن بلاده “غير مقتنعة بسياسة أميركا العسكرية”، وأكد أن “الجميع يرى ما يجري على الساحة، حيث يوجه سلاح الطيران الأميركي ضربات جوية معينة إلى التنظيم، غير أن فعالية هذه الضربات غير عالية حتى الآن”. وأضاف أن مكافحة “داعش” عسكريا موضوع منفرد، وستواصل موسكو مشاوراتها بشأنه مع دول المنطقة، “ولكن من السابق لأوانه الحديث عن استعداد روسيا من الآن للانخراط في العمليات العسكرية ضد داعش”.

وشدد بوتين على أن روسيا تقدم دعما ملحوظا لسوريا من خلال توريد أسلحة ومعدات حربية روسية والمساعدة في إعداد كوادر للقوات المسلحة السورية، مشيرا إلى أن موسكو تنفذ كل العقود العسكرية في هذا المجال التي أبرمتها مع دمشق سابقا. وصرح بوتين قائلا “إن الرئيس السوري بشار الأسد مستعد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة ولاقتسام السلطة مع معارضة بناءة، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا ندعمه، ويجب على الولايات المتحدة أيضا أن تقتنع بهذا الأمر”.
تسليم المعدات جاء في سياق خارج الصراع الدائر في سوريا وهو تنفيذ لعقود عمرها بين خمس وسبع سنوات

وقال معلقا على أنباء نشرتها بعض وسائل الإعلام عن احتمال زيادة عدد السفن الأميركية في البحر المتوسط إنه “يمكن أن تعزز روسيا مجموعة سفنها في البحر المتوسط كخطوة جوابية، وأظن أن ليس لديها خيار آخر للحيلولة دون وقوع عدوان”. ويرى بوتين أن على روسيا أن تكشف بشكل واضح الخروقات الفاضحة للنظام الداخلي لهيئة الأمم المتحدة بخصوص سوريا على وجه الخصوص. وقال إنه “يجب علينا الإعلان بشكل حازم عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية”. وحسب قوله فإن توريد الأسلحة الدفاعية للقوات المسلحة السورية هو إحدى وسائل التأثير على الولايات المتحدة للحيلولة دون الهجوم على سوريا.

وفي سياق تأكيده على أن المعدات والأسلحة التي أرسلت مؤخرا إلى سوريا، قال بوتين “إن روسيا دولة ذات سيادة وسوريا أيضا دولة ذات سيادة، وتجمع الدولتين اتفاقات على المستوى العسكري والإستراتيجي يجب على جميع دول العالم احترامها لأن في ذلك احترام لسيادة الدولتين، وهذا ما يفرضه القانون الدولي والأعراف التي دأب عليها العالم”.

وأضاف بوتين أن العلاقات التي تجمع روسيا وسوريا لا تتوقف عند الأسلحة والصفقات المتعلقة بالمجال العسكري “فالأمر أعمق من ذلك بكثير”. وذكّر بوتين الولايات المتحدة بأنها يجب أن تحترم علاقات روسيا مع الدول وأشار إلى أن قلق الولايات المتحدة الأخير من إتمام تنفيذ العقود “أمر لا مبرر له”.

مؤشرات جدية على انسداد الأفق الدبلوماسي في حل الملف السوري

أكد عديد الخبراء أنه في الوقت الذي تهيمن فيه أخبار السوريين الفارين من بلادهم على نشرات الأخبار خلال هذه الفترة فإن المساعي الدبلوماسية الهادفة إلى وقف الصراع في البلاد لم تحقق أي نجاح يذكر، ويتزامن هذا الفشل الدبلوماسي مع تصعيد متواتر للتصريحات بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية حول تسليح روسي متواصل لقوات الأسد.

وعزز الفشل الكبير غير الملحوظ وجهة نظر خبراء في الشأن السوري، إذ يعتقد مراقبون أنه لا حل يلوح في الأفق مع وجود واحدة من أكبر العقبات التي لا يمكن على ما يبدو تجاوزها وتتعلق بمستقبل الرئيس السوري بشار الأسد. وكرر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الآونة الأخيرة موقف روسيا بأن الأسد رئيس شرعي وانتقد الموقف الأميركي قائلا إنه “غير مثمر” وشبه فشل موقف الغرب تجاه سوريا بفشله في العراق وليبيا، وأن روسيا مستمرة في الوقت ذاته في دعم الأسد بالأسلحة.

تأتي هذه القراءات بعد تشاور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري هاتفيا في التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وفق ما أفادت الخارجية الروسية في بيان.

روسيا تواصل الدعم العسكري لنظام الأسد

وأورد البيان أنه خلال هذه المشاورات التي جاءت “بمبادرة أميركية”، بحث لافروف وكيري خصوصا “الجوانب المختلفة للوضع في سوريا وحول هذا البلد، إضافة إلى أهداف التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية ومجموعات إرهابية أخرى”. وتطرق الوزيران أيضا إلى “التعاون” بين موسكو وواشنطن “دعما لجهود الأمم المتحدة الهادفة إلى إطلاق عملية سياسية في سوريا”، بحسب المصدر نفسه.

وتوافق لافروف وكيري “على مواصلة إجراء اتصالات واسعة حول تسوية النزاع السوري” الذي خلف أكثر من 240 ألف قتيل منذ مارس 2011.

وشهدت الأسابيع الأخيرة مشاورات دبلوماسية مكثفة في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة السورية، تجلت خصوصا في اجتماع ثلاثي غير مسبوق في الدوحة بين وزراء الخارجية الأميركي والروسي والسعودي. واستقبلت موسكو بعدها وزيري الخارجية السعودي والإيراني، إضافة إلى ممثلين للمعارضة السورية في الداخل والخارج.

ومن جانبها قالت وزارة الخارجية الأميركية إن جون كيري عبّر خلال المحادثة الهاتفية مع لافروف عن قلق بلاده من تقارير عن زيادة الوجود العسكري الروسي في سوريا. وقد قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست، خلال موجز صحفي ردا على أنباء عن وصول فريق خبراء عسكري روسي إلى دمشق، “نحن على دراية بتقارير تتحدث عن قيام روسيا بإرسال طواقم عسكرية وطائرات إلى سوريا ونحن نراقب هذه التقارير عن كثب”.

وكانت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، قد نفت صحة تقارير تحدثت عن قيام روسيا بنشر طائرات عسكرية فوق الأراضي السورية قائلة “يكفي أن أشير هنا إلى أن وزارة الدفاع الروسية والكرملين نفيا تماما هذا الأمر، ونفيهما كاف”. وأكدت أن بلادها “ستواصل تقديم مختلف أنواع الدعم والمساعدات اللازمة لسوريا في حربها ضد الإرهاب”.

12