إلغاء العلاوات خطوة لحل المجلس الأعلى للقضاء أم لتهميشه في تونس

يتزايد حجم الانتقادات المتعلقة بنشاط الهياكل القضائية في تونس ومدى قدرة القطاع على فتح ملفات الفساد والإرهاب بعد قرارات الخامس والعشرين من يوليو الماضي، ما دفع الرئيس قيس سعيد إلى إلغاء علاوات القضاة ومنحهم، في خطوة خلّفت آراء متباينة حول نية الرئيس التونسي حل المجلس الأعلى للقضاء.
تونس - أثار مرسوم أصدره الرئيس التونسي قيس سعيد، يتعلق بإلغاء منح وامتيازات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء في البلاد، جدلا شعبيا وسياسيا بشأن ما إذا كان يمثل خطوة لحل المجلس القضائي أم هو إجراء يمهد لتهميشه ودفع أعضائه إلى الانسحاب، في الوقت الذي توجّه فيه انتقادات لاذعة للقضاة على عدم حسمهم ملفات الفساد.
وأعلنت الرئاسة التونسية مساء الأربعاء أن الرئيس قيس سعيد أصدر مرسوما يقضي بتعديل قانون أساسي، من أجل وضع حد لمنح وامتيازات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء.
وجاء في بيان مقتضب للرئاسة “ختم رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد (…) مرسوما يتعلق بتعديل القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أبريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء وينص على وضع حد للمنح والامتيازات المخولة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء”.
وأشار البيان إلى أن المنحة التي يتقاضاها أعضاء المجلس تبلغ 2364 دينارا (816.44 دولار)، إضافة إلى 400 لتر من الوقود.
وينص القانون المذكور في فصليه الأول والثاني على إسناد منحة بقيمة 2364 دينارا لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء (خاضعة للضريبة على الدخل)، فضلا عن منح كل عضو 400 لتر من الوقود (تُسلم في شكل وصولات).

حاتم العشي: لا أعتقد أن يحلّ الرئيس قيس سعيد المجلس الأعلى للقضاء
واستبعدت شخصيات حقوقية أن يتّجه الرئيس سعيد نحو حل المجلس الأعلى للقضاء، معتبرة إلغاء منح وعلاوات القضاء إجراء منتظرا من الرئيس في مسعى لدفع نسق عمل القضاة وفتح ملفات الفساد والإرهاب بالشكل الذي يريده.
وأفاد الناشط السياسي والمحامي حاتم العشي بأن “الرئيس سعيد سبق وأن قال إن الامتيازات التي تمنح للقضاة ليست في مكانها، وكان من المنتظر أن يلغيها”.
وأضاف لـ”العرب”، “هناك ضغط شعبي كبير لحل المجلس الأعلى للقضاء، ولا أعتقد أن يحلّ الرئيس المجلس، بل هو ألغى المنح، وهذا ما يعكس نوعا من الضغط على القضاة حتى يكرسوا استقلاليتهم”.
وتابع حاتم العشي “لا يجب أن يدخل القضاة في صراع مع الرئيس سعيد، وقد لاحظ في الفترة الأخيرة أن ملفات الفساد والإرهاب لم يتم تناولها بالشكل المطلوب”، لافتا إلى أن “القضاة يجتهدون ولكن ليس بالشكل الذي يريده قيس سعيّد”.
واستطرد “علينا أن نحسّن وضعيات المحاكم ونزيد من عدد القضاة للبت في هذه الملفات”.
وعلّق المحلل السياسي منذر ثابت على ذلك قائلا ” هو قرار ربما يتجه نحو التهميش، ويفترض أن يكون الدفع نحو فتح الملفات السياسية وإصلاح منظومة القضاء بشكل شامل، وهو موضوع يمكن أن يطرح ضمن حوار وطني”.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “القضاء مؤسسة من مؤسسات الدولة، ويجب أن تحظى بإدارة الشأن الداخلي، وإجراء الرئيس تهميش للمؤسسة وربما هناك مراهنة على سقوط النصاب القانوني للمجلس”.
وأردف ثابت “هناك تأخير في فتح الملفات، ومنها ما هو سياسي مفضوح”، معتقدا “من الفروض أن يأخذ ملف القضاء هامشا زمنيا مهما”.
وعلى الرغم من أن إجراء الرئيس سعيد لا يحمل مؤشرا صريحا على حل المجلس الأعلى للقضاء، إلا أنه أثار جدلا في الأوساط السياسية والحقوقية بالبلاد.

منذر ثابت: إجراء الرئيس تهميشي وربما هناك مراهنة على سقوط النصاب
وأكد رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر أن “أعضاء المجلس سيواصلون القيام بمهامهم بقطع النظر عن المرسوم الرئاسي الذي ختمه رئيس الجمهورية مساء الأربعاء والقاضي بوضع حد لامتيازات ومنح أعضاء المجلس”.
وقال بوزاخر في تصريح إعلامي “نأمل ألا يكون هذا الأمر الرئاسي وسيلة للضغط على المجلس الأعلى للقضاء”، مؤكدا أن “المجلس يتمتع بتسيير ذاتي طبق أحكام الدستور”. وبيّن أن الجلسة العامة في حالة انعقاد وستُقدم رأيها في المرسوم، مشددا على أنه “لا يمكن المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية”.
وقالت القاضية رشيدة الجلاصي “أريد أن أقول لمن اتصل بي يروم مني تعليقا على مرسوم رئيس الجمهورية القاضي بإيقاف منح أعضاء المجلس الأعلى للقضاء: حين ترشحت سنة 2016 لعضوية المجلس لم أفعل ذلك من أجل المنحة التي لم يدر بخلدي أبدا أنها ستتجاوز 800 دينار (276.29 دولار) على أقصى تقدير، جميع أصدقائي يعلمون أنني كنت من أشد المعارضين مع عدد آخر لا بأس به لمبلغ هذه المنحة، وبالتالي سأواصل القيام بواجبي ما دام المجلس موجودا. لا شك أن قانون المجلس الأعلى للقضاة والقضاء عموما يشكو من العديد من الهنات التي يصل بعضها إلى حد المعوقات، لكن الإصلاح لا يكون أبدا بالتجييش والترذيل. من يروم الإصلاح فعلا يسلك طريقا آخر، وللأسف، لم تبدأ ملامح هذا الطريق لحد الآن”.
وكتب رياض الشعيبي، مستشار رئيس حركة النهضة في تدوينة على صفحته بوسائل التواصل لاجتماعي، “إلغاء وسائل عمل المجلس الأعلى للقضاء في نهاية المطاف لا يعني غير شيء واحد: وهو حل المجلس ومنعه من ممارسة مهامه وفي أبسط التفسيرات تجميده”.
وأضاف “الآن سلطة الانقلاب تضع يدها نهائيا على كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ودخول تونس مرحلة الحكم المطلق، أي الملك الذي يحكم دون أن يضع فوق رأسه تاجا”.
وفي ظل جمود سياسي أقال قيس سعيّد رئيس الحكومة وجمّد عمل البرلمان في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، وعلق لاحقا العمل بأجزاء من الدستور.
وفي الثالث عشر من ديسمبر الماضي كشف الرئيس التونسي عن خارطة طريق للخروج من الأزمة تنص على إجراء انتخابات تشريعية في ديسمبر 2022 بعد مراجعة القانون الانتخابي، واستفتاء في يوليو 2022 لتعديل الدستور.